خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 22-2-2019 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 22-2-2019

الشيخ علي دعموش

 

 

نص الخطبة

أكثر الروايات تنص على أن ولادة السيدة فاطمة الزهراء  كانت في العشرين من شهر جمادى الآخرة بعد البعثة النبوية بخمس سنوات.

وقد كان النبي(ص) ينتظر هذه المولودة وقد غمرته الفرحة والبهجة بولادتها، لأن جبرائيل كان قد أخبره وهي في بطن أمها بفضلها ومكانتها عند اللَّه عزوجل، ولأن استمرار نسله وذريته المباركة سيكون من خلالها.

فعن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام؟ قال: نعم، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله )هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك، فلما حملت بفاطمة عليها السلام صارت تحدثها في بطنها وتصبرها، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل يوما وسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني، فقال لها: هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة، يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه، فلم تزل خديجة (رضي الله عنها) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، .. فوضعت خديجة فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

ولهذا فقد استبشر النبي بولادتها وكانت موضع رعاية واهتمام أبيها، ولا سيما أنها كانت تشبهه وتحمل مزاياه وصفاته، فقد روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أنس بن مالك : كانت أشد الناس شبهاً برسول.

وعن أم سلمة قالت: كانت فاطمة بنت رسول اللَّه (ص) أشبه الناس وجهاً برسول اللَّه (ص).

وعن عائشة أنها قالت: ما رأيت أحداً من خلق اللَّه أشبه حديثاً وكلاماً برسول اللَّه (ص) من فاطمة.

ولفاطمة القاب عديدة، يستوقفنا منها لقب المُحَدَثَة، فقد دلّت الروايات على أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) كان يحدثها “جبرائيل” من وراء حجاب، حيث إنها عاشت بعد رسول الله تسعين يوما على اشهر الروايات و أصابها حزن شديد على  أبيها، فكان جبرائيل (عليه السلام) يأتيها، فيحسن عزاءها على أبيها، و يطيّب نفسها، و يخبرها عن أبيها ومكانه، ويحدثها بما يجري بعدها على أولادها و ذرّيتها، من قتل و تشريد و ظلم من الأمويين والعباسيين، وكذلك كان يبشّرها بدولة ابنها المهدي المنتظر (عليه السلام)، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً، و أخبرها بما يحلّ بالأُمم، و ما يملك من الملوك، وكيف تنتهي هذه الدنيا.

وقد جمعت خلال هذه المدة كل ما اخبرها به جبرائيل من أخبار ووقائع وحوادث، في كتاب سمي ب(مصحف فاطمة) فمصحف فاطمة هو: كتاب فيه بعض الأسرار والأخبار الغيبية، التي أملاها جبرائيل على فاطمة(ع) وحدثها بها، وليس قرآنا آخر غير القران الذي يؤمن به المسلمون، بل ليس فيه شيء من القرآن، والشيعة لا يعتقدون بوجود قرآن غير قرآن المسلمين، و لا يعترفون بقرآن غير قرآن المسلمين .

مصحف فاطمة (عليها السلام) ليس فيه أحكام وتشريعات في الحلال والحرام، ولا هو كتاب منزل كالقرآن ، بل كتاب تاريخي، يتحدّث عن أُمور سوف تقع في المستقبل، وهذا ما أشارت إليه روايات أهل البيت (عليهم السلام) التيتتحدث عن ماهية هذا المصحف.

فعن الإمام الصادق (عليه السلام): ” إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً، و كان دخلها حزن شديد على أبيها، و كان جبرائيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، و يطيب نفسها، و يخبرها عن أبيها و مكانه، و يخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها، و كان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام)”.
وعنه (عليه السلام): “مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله، و إنّما هو شيء أُلقي عليها بعد موت أبيها “صلى الله عليه وآله “.

وعنه(ع) في حديث: (وعندنا مصحف فاطمة (عليها السلام) أما و الله ما هو بالقرآن” وفي حديث آخر: أما و الله ما ازعم أنّه قرآن”.

وانما سمي مصحف لأن كلمة مصحف في اللغة العربية تعني : مجموعٌ من الصُّحُف في مجلَّد بين دفتين، فكل ما يجمع من صحائف بين غلافين في كتاب واحد يسمى مصحفا، ومن هذا الباب اطلق على كتاب فاطمة بانه مصحف فاطمة.

وقد كتبه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بخطّ يده، حيث كان يملي جبرائيل على فاطمة فيسمع علي(ع) ذلك ويكتب، حتى كتب كتابا كاملا وكان أول مؤلف في الاسلام .

فعن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: “إنّ الله تعالى لمّا قبض نبيّه (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجل، فأرسل الله إليها ملكاً، يسلّي غمّها، يحدّثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).فقال: إذا أحسست بذلك، وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كلّما سمع، حتّى اثبت من ذلك مصحفاً”، قال: ثمّ قال: “أمّا أنّه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام، ولكن فيه علم ما يكون”.

ويعتبر مصحف فاطمة (عليها السلام) من ضمن ميراث أهل البيت عليهم السلام العلمي، فهم يتوارثونه إمام عن إمام، حتّى وصل الى الإمام صاحب العصر والزمان (عليه السلام).

ولم يصل المصحف الى أصحاب أهل البيت(ع) أو شيعتهم، ولم يطّلعوا عليه، و لم يدّعي أحد من علماء الشيعة باطلاعه على المصحف، أو يقول، المصحف عندي موجود.

أما الكتب المنشورة في بعض الأسواق تحت عنوان مصحف فاطمة التي يدعى انها مصحف فاطمة فليس لها أي اساس من الصحة، كما ان ما يدّعيه أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، بأنّ مصحف فاطمة (عليها السلام) يتداوله الشيعة في العراق، أو في الحجاز، أو في إيران، أو أي مكان آخر هو مجرد افتراء و كذب.

وقد يقول قائل كيف يوحي جبرائيل الى غير الأنبياء ويملي عليهم ؟ ألا يعتبر القول بأن جبرائيل كان ينزل على فاطمة ويملي عليها غلواً ومبالغة؟

والجواب: ان الله قادر على إرسال الوحي، مع من يشاء، وعلى من يشاء، وحيث شاء، وأنّى شاء، وليس بالضرورة أن يكون من يوحي إليه نبي او رسول ،لأنّ الوحي لا ينزل على الأنبياء وحدهم، وانما ينزل على غيرهم أيضا، بدليل:

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ، أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي﴾ “المائدة: 111”.

وقوله تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ، فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ “الأنفال: 12”.

ويقول تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ، أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾، “النحل: 68”.

ويقول سبحانه: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى، أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾، “القصص: 7”.

فإنّ الله سبحانه بصريح الآيات أوحى إلى الحواريين، و إلى الملائكة، و إلى النحل، و إلى أُم موسى، و بصريح الروايات الصحيحة أوحى إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وليس الحواريين أو النحل أعظم من بضعة رسول الله(ص) وسيّدة نساء العالمين من الأوّليين والآخرين.

لقد حدّثنا القرآن عن نماذج من النساء مثل مريم بنت عمران، و أُمّ موسى، و سارة، امرأة إبراهيم، التي بشرّها الملائكة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فشاهدت الملائكة وحدّثتهم، أو أوحي إليهن بأسلوب غير تحديث الملائكة، و لم يستنكر ذلك أحد أو يستكثر، ولكن عندما تذكر النصوص بأنّ فاطمة (عليها السلام محدّثة)، يصبح هذا غلّواً ومبالغة.

أليست فاطمة بنت اشرف الخلق، و كانت الملائكة تخدم أبيها، و اليوم جاءت تسلّيها، إنّ نزول الملائكة على فاطمة الزهراء عليها السلام ليس غلّواً، فلماذا تستكثرون على بنت محمّد المصطفى، و النصوص في كتب الصحاح كثيرة و مستفيضة في حقّ فاطمة الزهراء عليها السلام، ومنزلتها عند الله ولدى الأمة.

فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين و الآخرين، وهي أفضل من مريم بنت عمران، و من سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، ودلّت النصوص على أنّها كانت محدّثة، و لم تكن نبية.

وكذلك نحن نعتقد ان أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كلهم محدّثون ولا يدّعي أحد من اتباعهم وشيعتهم أنهم أنبياء ، إذ لا تلازم بين نزول الملائكة والنبوّة او بين الوحي والنبوة.

اليوم هناك مشكلات كثيرة يعاني منها البلد على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمالى والمعيشي والفساد والهدر، ومعالجة هذه المشاكل تحتاج الى إرادة جدية من كل الأطراف السياسية في البلد والى تظافر جهود الجميع وتعاون الجميع وتضامن الجميع داخل الحكومة. وحزب الله يمد يده الى الجميع للعمل على تحقيق الأولويات والانجازات التي يتطلع اليها اللبنانيون، وهو على استعداد للتعاون مع الجميع من أجل مكافحة الفساد الذي تحدث عنه الجميع في المجلس النيابي وعبر الجميع عن ضرورة مكافحته.

الواقع الصعب الذي يعيشه لبنان على أكثر من صعيد لا يعني أن نيأس أو نفقد الأمل أو ننكفأ، نحن سنتابع ونشارك ونعمل بكل جدية وصدق لخدمة أهلنا وبلدنا ولن نتخلى عن مسؤولياتنا تجاه الناس وتجاه كل اللبنانيين.

وسيبقى حضورنا قويا وفاعلا على المستوى الداخلي وفي المقاومة في مواجهة التهديدات الاسرائيلية ، وان لم يعجب ذلك السفيرة الامريكية في لبنان التي حرضت قبل ايام على حزب الله معربة عن قلق بلادها من حضور حزب الله القوي في لبنان والمنطقة.

من الطبيعي أن تقلق اميركا من حزب الله بعدما فشلت في كل محاولاتها لاضعاف المقاومة في لبنان بفعل وعي شعبها والتفافهم حول خيار المقاومة فالمقاومة جزء من النسيج اللبناني وهي صادقة مع شعبها ومخلصة لوطنها  وتحمي الى جانب الجيش والشعب هذا البلد من الأخطار والتهديدات والأطماع الاسرائيلية . ومن الطبيعي ان لا يصغي اللبنانيون الى التحريض الامريكي المستمر على حزب الله.

أميركا قلقة لان حزب الله جاد في حماية لبنان من الهيمنة الامريكية ومنع الخارج من التدخل في شؤونه الداخلية،  وجاد في مكافحة الفساد وإصلاح الوضع الداخلي والحفاظ على قوة لبنان لمواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية.

ومن يزعز الاستقرار في لبنان ليست المقاومة التي منعت الإرهابيين الذين صنعتهم امريكا من استباحة لبنان وطردتهم الى جانب الجيش بل امريكا التي ضغطت لمنع الجيش اربع سنوات من طرد الإرهابيين من الجرود الشرقية وأمريكا التي حرضت ولا تزال تحرض اللبنانين على بعضهم وتحاول تأليب الرأي الغام ضد المقاومة وتهدد وتفرض عقوبات على لبنان واللبنانيين.

الولايات المتحدة تعبر عن انزعاجها من حضور حزب القوي في المنطقة لانه ساهم الى جانب الحلفاء في محور المقاومة في افشال المشروع الامريكي الاسرائيلي في سوريا وفي المنطقة،

ومن يزعزع استقرار المنطقة ليست المقاومة التي وقفت في وجه الارهاب بل امريكا التي رعت ولا تزال ترعى الارهاب الاسرائيلي والتكفيري.

من يزعزع استقرار المنطقة هي الولايات المتحدة التي تصر على ابقاء قواعدها في العراق على خلاف إرادة الشعب العراقي وتتدخل في سوريا وتتدخل في الشأن اللبناني الداخلي.

ستبقى المقاومة حاضرة بقوة تتحمل مسؤولياتها تحاه بلدها وتقوم بما يمليه عليها واجبها الوطني والاسلامي والإنساني وإن لم يعجب ذلك أميركا وحلفاؤها.

 

 

 

 

 

 

المصدر: موقع المنار