قال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في كلمة له خلال احتفال تأبيني في بلدة طاريا في البقاع بمناسبة مرور عام على وفاة الحاج عقل حمية (أبو شمران)، “عام على الرحيل، عام على الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، عام على من عاش الإمام الصدر في زمن كان لغيرنا، على معادلة سياسية لم تعترف بنا، على سلطة حين حكمت ظلمت، وحين انكمشت كاد لبنان يتحول وطنا بديلا، عام على ذاكرة ثورة كان مطلوبا منها أن تحرر فلسطين والقدس، فتحولت إلى الداخل تتلهى بالدماء والمتاريس، فكان لا بد للإمام الصدر الداعم الأكثر تأثيرا في قضية فلسطين أن يحذر من لعبة الضياع بقوله اعلم يا أبا عمار أن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء، وليخوض بعدها معركة تأسيس حركة المحرومين الشرفاء، في وقت كانت تطبخ مؤامرة خطفه وتغييبه، كما كانت المنطقة تعيش لحظة فقدان هويتها، وسط تغيرات كبيرة على قاعدة ابتلاع الأمريكيين لبقايا السوفيات، وبداية سيكون أولى ضحاياها لبنان، على طريقة إلحاق بيروت بتل أبيب”.
وأضاف قبلان “يومها كانت المحنة مرة، لأن الإمام الصدر خطف على طريقة أخوة يوسف، فيما السلطة في البلد كانت تتعامل مع هذه القضايا المرة على قاعدة لا ناقة لها ولا جمل، كما أن كثيرا ممن لبس العلم اللبناني كان يحكي العبرية بطلاقة، طلاقة انتهت بسقوط بيروت وارتكاب مجزرة هائلة في صبرا وشاتيلا، ثم اتباع الاحتلال الإسرائيلي بجيوش الأطلسي المتعددة الجنسيات، والتي نزلت بيروت والضاحية، فاستسلم الأكثر، وثبت القليل، وكان من هذا القليل الحاج عقل حمية. الأنكى من ذلك أن البعض يومها زج بالجيش ليكون رأس حربة للمصالح الإسرائيلية والمشروع الأطلسي على قاعدة تمرير اتفاقية 17 أيار لتهويد لبنان، ما افترض توظيف الجيش لخدمة أهداف السلطة الجديدة، ضد ناسه وبلده ومنطق دولته وتاريخه وهويته، وكان وقتها لا بد من إسقاط عقيدة الجيش وهذا ما حصل في انتفاضة 6 شباط، والتي برع فيها عقل حمية، ها هو الآن بين يدي الله تعالى، وما كان لله كان ثوابه على الله”.
واثنى على “الدور الكبير والمؤثر الذي لعبه الحاج عقل حمية حيث استطاع هو وإخوانه قيادة ومجاهدين وبيئة حاضنة من قلب المعادلة الصهيونية الأطلسية لصالح لبنان المقاوم، مع جهوده وجهود إخوانه دخل لبنان مرحلة الاندحار الإسرائيلي، والذي تحول في العام 2000 إلى هزيمة إسرائيلية مدوية لصالح لبنان المقاوم. ومع انتصارنا الكبير في معركة التكفير العالمي الأكثر تسليحا وتزخيما تحولنا جزءا من معادلة شريكة بالتأثير في مصير لبنان والمنطقة، وهذا ليس مفصولا عما قام به عقل حمية، يوم خاض مع إخوانه معركة استعادة لبنان من الأطر القذرة التي تمتهن لعبة الخراب”.
وأكد قبلان “أننا ربحنا معركة هوية لبنان، وأصبحنا شركاء بعدما غيبنا قصرا، إلا أن لعبة الداخل ظلت علقما، لأن مراد الإمام الصدر وآمال الشهداء والمقاومين كانت تركز على ضرورة العدالة السياسية كأساس للعدالة الاجتماعية, وهذا ما غيبه الطائف كتسوية مرحلية، أو كطبخة دولية إقليمية فيها الكثير من السم الزعاف، وما نعاني منه اليوم سببه فساد الرؤية السياسية التي حولت الطوائف إلى جمهوريات ناقصة، إلا أنها جمهوريات محمية، وفتحت عليها لعبة لبنان الممزق، لبنان الملعب، لبنان المزيج من هويات متناقضة تعيش معا، لكن بقلوب مختلفة. لذلك، نزولا على حق دماء الشهداء، والجهد التاريخي للمقاومين، نؤكد أن أقل ما للمقاومين في أعناقنا يفترض تحقيق مبدأ المواطنة، مبدأ الدولة الأخلاقية، مبدأ السلطة الضامنة للجميع، دون تمييز، مبدأ حقوق الناس بعيدا من المذهب والملة، دون الطاعون الطائفي، دون الفدراليات الطائفية، لأن إنقاذ لبنان من مأزقه اليوم يحتاج إلى سلطة عادلة، يحتاج إلى ثقافة ومسؤولية، إلى رؤية صحيحة، إلى تضامن حكومي يعتقد أن اللبنانيين بمختلف طوائفهم أسرة واحدة، وقبل هذه وتلك نحتاج إلى سلطة مقننة على خدمة المواطن بعيدا من وثن الولاءات ولعبة الانتخابات، سلطة تليق ببلد هزم إسرائيل والتكفير العالمي معا، سلطة تعترف بجميل كل من قاوم وقاتل وحرر وأنقذ، سلطة تعترف بجهد من منع تهويد لبنان وقطع يد اللعبة الإقليمية الدولية”.
وختم المفتي قبلان “أن البقاع أكبر منطقة مظلومة، وأن السلطة مقصرة للغاية، بل هي ظالمة بأشكال مختلفة، وأن الحل يكون في سلطة تنمية لا سلطة سجن، بعودة الدولة لا بهروبها، وهذا الشعار ضروري للغاية، ويجب توظيفه في السياسة والانتخابات وغيرها، وهذا يفترض علينا المساهمة بقوة لمنع الفلتان الأمني والمحظورات كما يفترض على عشائرنا الكرام التماسك والعودة إلى ميثاق الإمام الصدر، خاصة موضوع الثأر وحماية الآداب، ومنع الخصومات، ووأد الفتنة، لتأكيد حضورنا كقوة ضامنة تمنع اللعب بمصير شبابنا وأجيالنا، كما يفرض على الدولة القيام بمسؤوليتها. وقد أكدت التجارب أن مزيدا من التضامن والتماسك يعني تأمين المزيد من الحقوق المكتسبة. ويكفي فخرا أن أهل بعلبك الهرمل حملوا السلاح ودافعوا عن لبنان وانتصروا تحت هوية الإمام الصدر، وهوية الإمام الخميني، فيما كان آخرون يعرضون لبنان للبيع بأثمان بخسة”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام