في استباقٍ منه لمؤتمر وارسو المُزمع عقده يومي 13 و14 فبراير/شباط المقبل، أعلن الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني عن اكتشاف بئر نفطية جديدة جنوبي البلاد، وأن لا أحد يستطيع منع إيران من تصدير منتجاتها. وتزامن تصريح الرئيس روحاني، مع إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن قرب إنشاء الآلية للتبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإيران خلال الأيام القليلة القادمة، بعد أن بدأ العمل عليها منذ نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، وذلك لتجنب تأثر العلاقات بين الاتحاد وإيران ب”العقوبات” الأمريكية.
تهدف هذه الآلية وفق “لودريان”، الى إنشاء قناة مالية جديدة لحماية حرية الأوروبيين في السعي إلى إقامة تجارة مشروعة مع إيران، وحفظ المصالح الاقتصادية الإيرانية في إطار الاتفاق النووي، وتسهيل نقل العائدات المالية من الصادرات النفطية الإيرانية إلى أوروبا، والسماح لإيران بالدفع مقابل مشترياتها التقليدية من الدول الأوروبية.
وبدوره أعلن رئيس غرفة التجارة الإيرانية – السويسرية شريف نظام مافي، أن قناة مالية سويسرية للتجارة مع إيران جاهزة للتدشين في الوقت الحاضر، وأن أنشطة القناة المالية السويسرية ستستخدم لصادرات الأدوية إلى ايران وفي مرحلة لاحقة لصادرات الحبوب أيضاً.
ولعلَّ أقوى ما في توطيد العلاقات الأوروبية – الإيرانية، أن مصالح أوروبا في إيران غير قابلة للمساومة مع أميركا، وأن ترامب فشِل أوروبياً في تسويق التبريرات للإنسحاب من الإتفاق النووي الإيراني، بفضل الديبلوماسية الإيرانية الواضحة، وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية، التي أكَّدت الإلتزام المثالي لإيران بموضوع تخصيب اليورانيوم، وقناعة المفوضية الأوروبية بِحُسن تطبيق إيران لبنود الإتفاق وأن لا مبرر قانونياً أو أخلاقياً للتنصُّل من اتفاق يحترم أطرافه حسن تنفيذه.
هذه الخطوات الإيرانية الأوروبية التي استبقت “وارسو”، أفشلت كل المحاولات الأميركية لجعل هذا المؤتمر تكتُّلاً عدوانياً ضد إيران، أولاً بسبب الموقف الأوروبي الرافض للإملاءات الأميركية، وثانياً نتيجة الموقف الروسي المٌقاطِع لهذا المؤتمر، حيث أكدت وزارة الخارجية الروسية، أن موسكو لن تشارك في مؤتمروارسو بعد اطلاعها بعناية على جدول أعمال المُنتدى وبرنامجه، وأن روسيا تلقت دعوة للمشاركة في منتدى وارسو، لكنها شككت في جدواه لأن أجندته “سُخرّت بشكل أساسي لخدمة السياسة الأميركية الهادفة إلى ردع طهران”. وأوضح الوزير لافروف أن الدعوة التي تلقتها روسيا تنص على أن الوثيقة الختامية تعدّها فقط الولايات المتحدة وبولندا من دون مشاركة الدول الأخرى في ذلك، معتبراً أن هذه الطريقة غير مقبولة في الشؤون الدولية.
إيران المُنتصِرة ديبلوماسياً في حماية الملف النووي، والمُحصَّنة اقتصادياً عبر اتفاقات التبادل التجاري مع أوروبا عبر قنوات تُقاوم العقوبات الأميركية، عزَّزت موقعها في أسواق النفط عبر إعلان الصين منذ أشهر استعدادها لشراء كامل الصادرات النفطية الإيرانية التي قد تُعرقلها أميركا، وبذلك تكون قد استبقت أي قرارات عقابية عُدوانية قد تصدُر عن مؤتمر وارسو، وقد أعلنت طهران صراحة، أن هذا المؤتمر قد دَعَت اليه أميركا بعد أن فشِلت في تطبيق أقسى العقوبات التي لم يعرفها التاريخ المعاصر بحقّ الشعب الإيراني الصامد، وأكّد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أن دعوة الولايات المتحدة للمؤتمر ستنتهي بالفشل، مشیراً الی أن “مَن یقول بفرض العقوبات الأکثر صرامة، ثم یلجأ إلی عقد ندوة ومؤتمر، فهذا یعني أنه عَجِز وفشِل في أمره”.
وفي السياق نفسه، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة على تويتر، أن مؤتمر وارسو علامة إحباط سياسي، وأن بولندا تستضيف “سيركاً” موجهاً ضد إيران، فيما كانت إيران تنقذ بولنديين إبان الحرب العالمية الثانية.
وأضاف ظريف، “بلا شك أن هذه القِمَّة هي في أقصى التقديرات قِمَّة العاجز، حيث أن مشاريع أمريكا فَشِلت في المنطقة ومن المُضحك أن تهدد أميركا بضرب ايران فيما الحقائق لا تشي بذلك، وأنها محاولة يائسة من أجل ترتيب بيت مجلس التعاون الخليجي الذي تصدَّع عملياً وبات من الصعب ان تنفع معه الحِقَن والمُسكِّنات، لأن الخلافات البينيَّة ليست سياسية بل هي تقليدية، نظراً لأن السعودية تحاول الهيمنة على دول المجلس فيما يرفض الاَخرون هذه الوصاية”.
ختاماً، تنتقل أميركا من خيبةٍ الى أخرى في مواجهة إيران، منذ انسحاب ترامب من الإتفاق النووي، ورفض باقي الدول المعنيَّة هذه الخطوة، ثم في فشل تشكيل “ناتو إسلامي”، مروراً بخيبة قيام “ناتو عربي” ووصولاً الى مؤتمر وارسو، وجميعها محاولات أميركية للنيل من إيران، وخرجت إيران من كل هذه المؤامرات مُنتصرة بفضل كفاءات وصمود، وبفضل ديبلوماسية لا تنفع معها كل ترسانات الأسلحة وكل العقوبات الأميركية…
المصدر: موقع المنار