كشفت ما يمكن تسميتها بأنها “عاصفة مناخية” تضرب لبنان (على الرغم من بعض المبالغة بهذا الشأن باعتبار ان الشتاء والامطار الغزيرة والثلوج التي تتساقط هي أمر طبيعي جدا في الشهر الاول من السنة على الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط)، ومع ذلك فقد كشفت هذه الاجواء المناخية (التي اطلق عليها اسم العاصفة نورما) هشاشة الخدمات العامة في لبنان وسوء احوال الطرقات وتلبد الرؤية حول مستقبل ما تقدمه الدولة والاجهزة المعنية فيها للناس من تقديمات تؤخذ بمقابلها الضرائب تلو الاخرى بما يزيد من قساوة الظروف على كاهل المواطنين.

ويكفي لنا ان نتابع الفيضانات التي حصلت في مختلف الطرقات في العاصمة اللبنانية ببيروت وضواحيها وفي العديد من المناطق بالمحافظات مع وجود اهتراءات وثغرات واضحة في بنية وهندسة الجسور والاوتوسترادات والانفاق والارصفة وغيرها من البنى التحتية التي تدفع مقابلها مبالغ طائلة في مناقصات حينا وبدونها أحيانا كثيرة، كل ذلك يؤكد المؤكد حول ضعف الدولة وعجزها امام ابسط التعقيدات والصعوبات التي يجب ان تكون الحلول لها حاضرة وجاهزة وان يكون هناك استنفار تام للاجهزة المختصة وللمسؤولين المعنيين في هذه المجالات.

وما يزيد الطين بلة اننا في كل سنة نقع بنفس المشاكل حيث تطوف الشوارع وتغرق المحلات والبيوت والسيارات لان مجاري الصرف إما أنها غير مجهزة أو مهيأة لتلقي كميات كبيرة من المياه جراء المتساقطات او ان الفرق التابعة لوزارة الاشغال والبلديات وغيرها من الادارات المعنية مقصرة عن القيام بواجباتها الكاملة في تنظيف المجاري، وفي كلتا الحالتين توجد كارثة يجب ان يتحمل مسؤوليتها جهة او اكثر من المسؤولين والادارات ممن لا يقومون بواجباتهم ولا يتحملون بالشكل المطلوب المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وهنا تطرح الكثير من التساؤلات  التي يعاد طرحها في كل سنة، أين كانت اجهزة الدولة طوال السنة بدون القيام بواجباتها في تهيئة الطرقات ومجاري الصرف الصحي للامطار والسيول والثلوج؟ ولماذا لم تقم خلال فترة “العاصفة” وما قبلها بالتحضير الجيد لمنع تفاقم الصعوبات امام المواطنين؟ ولماذا غابت وجوه العديد من المسؤولين عن التواجد الفعلي على الارض مع الناس كما حصل خلال الاعياد لا سيما في رأس الناس قبل بضعة ايام؟

والأنكى من كل ذلك، لماذا تعلن الاجهزة المعنية بفتح الطرقات وتأمينها، عن إغلاق بعض الطرقات المؤدية الى مناطق اساسية في البلد كطريق ضهر البيدر المؤدي الى محافظة بأكملها هي محافظة البقاع؟ ناهيك عن ان بعض الاجهزة المعنية تتسبب في بعض الاحيان بعرقلة حركة السير وترك الناس في الازدحام لساعات طويلة بدل ان تكون مهمة الاجهزة التواجد المتواصل على مدى الـ24 ساعة لمنع انقطاع الطرقات بالأصل خاصة الدولية والحيوية منها لوصول الناس الى منازلهم وقراهم بيسر وسهولة وعدم مكوثهم بعيدا عن عائلاتهم طوال فترة العاصفة، علما ان احوال الطقس في مثل هذه الايام تؤدي لتساقط الثلوج والامطار ومع ذلك تستطيع الكثير من الدول مواجهة الأمر بسلاسة مع مواصلة الناس لحياتهم بانتظام.

هذه التساؤلات التي يجب ان ترفع الى المعنيين للاجابة عليها ليس فقط بالأقوال كما في كل عام عبر ايجاد التبريرات والحجج الواهية في محاولات باتت مكشوفة لتقطيع الوقت وتمرير المرحلة التي تعرّي الدولة والطبقة المسؤولة عن الفساد والإفساد المستشري في كل القطاعات ما يؤدي بداهة الى الوصول الى هذه الحالة المزرية في صورة البلد وطرقاته ومناطقه المختلفة، علما ان بلدا كلبنان يفترض انه وجهة سياحية لا سيما في فصل الشتاء، وبالتالي يجب ان تكون الخدمات في أعلى مستوياتها لجذب السياح ومنع إعاقة وصولهم الى المناطق السياحية المختلفة فيه، لذلك فإن ما يجري يهشم صورة البلد كوجهة سياحية تستقطب السياح من مختلف الدول، خاصة مع استمرار انقطاع المياه والكهرباء عن الكثير من المناطق.

واللافت والمريب ان الشعب اللبناني بات “مخدرا” على تقبل هذا الواقع السيء والمقرف من سوء الخدمات التي تقدم له، ورغم كل ذلك نراه عاجزا عن المطالبة والوصول الى حقوقه المشروعة التي تعتبر من البديهيات في أي دولة حقيقية في هذا العالم، والواقع ان الوزارات والإدارات في ظل حكومة تصريف الأعمال الموجودة اليوم في لبنان يجب عليها ان تقوم بكل الأمور اللازمة وتقديم الخدمات المطلوبة من الناس كما لو ان الحكومة هي حكومة سليمة ومشروعة وحائزة على ثقة المجلس النيابي، إنطلاقا من مبدأ استمرارية المرافق العامة لذلك لا مجال للبعض بالتحجج بعدم وجود حكومة لتبرير تقصير الإدارات والأجهزة المختلفة.

المصدر: موقع المنار