نحن نرى جانباً مضيئاً من القمر، ويستنتج كثيرون أنّ الجانب الذي لا نراه من القمر هو جانب معتم لأنّ نور الأرض لا يسقط عليه، وعلى هذا تحدثت الأنباء مؤخرا عن مسبار صيني هبط على جانب القمر “المعتم”، وهذه مغالطة إذ أنّ القمر مقسّم إلى جانب قريب إلى الأرض، وجانبٍ بعيدٍ عنها، والجانب البعيد ليس معتماً، بل يواجه نور الشمس ويبقى مضيئاً. وهكذا حين نترقب ظهور هلال الشهر العربي الجديد، فإنّ الجانب البعيد من القمر سيكون مغموراً بنور الشمس لكن في اتجاه معاكس لمسقط أنظارنا، مثلما يكون جانب من الأرض مضيئاً أيضاً.
ولإيضاح ذلك، نشر موقع “شبيغل أولاين” الألماني تقريراً يتحدث بالتفصيل عن حقائق القمر ودوراته حول الأرض وحول نفسه. فالقمر الذي نراه ثابتاً، له محور، يدور من خلاله حول الأرض في مدة تستغرق 27 يوما و3 ساعات تقريباً، وهي الدورة التي تنتج بالنهاية دورانه حول نفسه في نفس المدة، كما كشف تقرير لموقع “سبيس دوت كوم” المتخصص بشؤون الفضاء (29,54 يوما حسب موسوعة ويكيبيديا الشعبية) . وبين الحركتين يوجد ما أسماه العلماء ب”الدوران المتزامن” وهو المسؤول عن إخفاء حركة القمر البطيئة عن أبصارنا.
لكنّ دوران القمر حول نفسه ودورانه حول الأرض غير متطابقين تماماً، فالقمر يدور حول الأرض في مدار بيضوي الشكل يقترب من كوكبنا ويبتعد عنه، وحين يقترب من الأرض تتباطأ حركة الدوران بسبب شدة الجاذبية الأرضية ما يتيح لمن ينظر إليه مشاهدة 8 درجات إضافية على الجانب الشرقي منه، أما حين يبتعد، فتكون سرعته في أوجها، فتضاف 8 درجات أخرى تظهر في الجانب الغربي (هلال، بدر، محاق).
ولو أتيح للبعض مشاهدة الجانب البعيد من القمر كما جرى مع طاقم سفينة الفضاء “ابولو 8” في (الثاني عشر من كانون الثاني/ ديسمبر 1969) فسيكون المشهد مغايرا تماماً للمشهد الذي اعتدنا أن نراه من جانب القمر القريب. الجانب البعيد شكله عبارة عن فوهات متعددة، وتملك ناسا ووكالات الفضاء الأخرى صوراً بعثت بها الأقمار الصناعية لذلك الجانب الذي لا نراه.
وكما تؤثر جاذبية القمر بموجات المحيطات والبحار مولدة مداً وجزراً يومياً، فإنّ جاذبية الأرض تؤثر بدورها في القمر، لاسيما أنّها أشد بكثير من جاذبيته، ولكن بما أنّ القمر جافٌ لا مياه على سطحه، فإنّ الأرض تسحب قشرته في مناطقها المرتفعة، ما يخلق فيها انتفاخا موجياً في النقطة الأقرب له من الأرض، الانتفاخ لا يظهر في القمر نفسه، بل في محور دورانه، فيصبح بيضوياً. وتحاول الأرض أن تحافظ على جذبها للقمر، ما يخلق احتكاكاً موجياً يبطئ من حركة القمر لدرجة أنّ وجهه المواجه للأرض يبقى نفسه بشكل دائم.
المصدر: dw.com