ألقى العلامة السيد ، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: “عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما كتبه الإمام الحسن العسكري إلى بعض أصحابه، هذا الإمام الذي استعدنا ذكرى ولادته في الثامن من شهر ربيع الآخر، وعلى رواية في العاشر من هذا الشهر. فقد طلب منه أحد أصحابه أن يعلمه دعاء يدعو به دائما، فكتب إليه أن يكثر من هذا الدعاء: “يا أسمع السامعين، ويا أبصر المبصرين، ويا عز الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، ويا أحكم الحاكمين، صل على محمد وآل محمد، وأوسع لي في رزقي، ومد لي في عمري، وامنن علي برحمتك، واجعلني ممن تنتصر به لدينك، ولا تستبدل بي غيري”.
أضاف: “لقد أراد الإمام من خلال هذا الدعاء أن يبين لنا الصورة التي نرى الله بها، أن نراه سامعاً لنا، مبصرا، محاسبا، وحاكما، حتى نشعر به حاضرا في حياتنا، ونحسب له حسابا عند كل كلمة وفي كل مشهد وعند كل موقف. وقد بين بعد ذلك الاهتمامات التي يريدنا أن تكون اهتماماتنا، هو يريدنا أن نعيش الحياة، وأن نكون أقوياء فيها. لذلك، دعانا إلى أن نسأل الله أن يوسع علينا من أرزاقنا، فلا نحتاج إلى أحد، ويمد لنا من أعمارنا، ونحظى برحمته وتأييده، وفي الوقت نفسه، أن نكون دعاة لله لننتصر لدينه، فنكون في كل موقع نملك فيه التأثير، فلا نكون حياديين، أو يكون الدين على هامش اهتمامنا، بحيث يرانا الله غير جديرين بحمل رسالته. وهذا أصعب موقف يقفه إنسان”.
وتابع: “بهذه الاهتمامات التي دعانا إليها الإمام، ومن خلالها، نستطيع أن نكون أكثر وعيا وقوة ومسؤولية ونواجه التحديات.
رأى السيد علي فضل الله، في خطبتي صلاة الجمعة ان الجميع في لبنان باتوا ينتظرون ولادة حكومة جديدة طال انتظارها، بعدما تكللت بالنجاح الجهود التي بذلت، بدءا برئيس الجمهورية، من أجل حل العقدة السنية التي شكلت عقبة كأداء أمام تأليفها، وبعدما شعر المعنيون بهذه العقدة بأن لا خيار لهم إلا بتقديم تنازلات متبادلة”.
وقال “لقد جاء هذا الحل، وبالطريقة التي تم بها، ليؤكد مجددا ما كنا قلناه في هذه الأزمة، أن لا غالب ولا مغلوب في هذا البلد، وأنه محكوم دائما بالتسويات. لذلك، من حق اللبنانيين، وبعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، أن يتساءلوا: أما كان الأجدر أن تحصل هذه التسوية قبل سبعة أشهر؟ ومن يتحمل مسؤولية التأخير الذي أوصل البلد إلى كل هذا التردي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وأشاع أجواء التوتر التي شهدها؟ إننا لن نقف في ذلك على أطلال الماضي، ولا نرى جدوى في الحديث عن المحاسبة لكلِ القوى السياسية، ولكننا نريد لهذه القوى أن تستفيد مما جرى، لتفادي الكثير من العقبات التي قد تنتصب أمامها، وللإسراع في علاجها، فلا تعالج مجددا بمنطق النزال والصراع أو المناكفة، أو بأن يقف كل في موقعه ولا يتنازل للآخر. فمثل هذا المنطق لا يحقق أي نتائج في بلد كهذا البلد”.
وأضاف السيد فضل الله “على الحكومة القادمة أن تضع نصب عينيها الواقع المزري الذي وصل إليه البلد، والذي جعله في دائرة المخاطر، ومعاناة إنسانه ومتطلباته، إذ إن الإنسان فيه بات يفتقد أدنى مقومات الحياة، ولا يشعر بأنه يعيش في بلد يحترم فيه إنسانيته، إننا لن نغالي في قدرات الحكومة القادمة، فنحن نعرف حجم الأزمات التي يعانيها لبنان، ولكن من حق الإنسان في هذا البلد أن يرى أن هناك عقلية جديدة في إدارة شؤونه، تكون بعيدة كل البعد عما اعتاده اللبنانيون، عقلية تأخذ في الاعتبار تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، عقلية تواجه الفساد والاستئثار والمحاصصة وتقاسم الجبنة، عقلية تتفاعل مع الخارج، ولكن لا تقدم مصالح الخارج على حساب مصلحة الداخل”.
وتابع “إن العهد الذي اعتبر أن هذه الحكومة حكومته، هو اليوم أمام تحد، وعليه أن يثبت نجاحه الذي لن يحصل إلا إذا تعاون مع الجميع وتعاون الجميع معه، ومن موقع آخر، وليس بعيدا عن هذا الموقع، شهدنا في الأيام السابقة تحركات شعبية متعددة الأطراف والجهات في الشارع، تطالب بوقف الهدر والفساد والإصلاح وتأمين حقوق الناس المهدورة على كل المستويات، ونحن في ذلك نرى أنفسنا مع أي تحرك شعبي ومطلبي مدروس وحكيم، لأننا نرى دورا للشعب لا بد من أن يقوم به في مواجهة الأزمات التي يعانيها، لأن أي فئة من الطبقة السياسية في هذا البلد لن تضبط حركتها أو تقوم بدورها أو تصغي إلى معاناة إنسانه، إن لم تشعر بوجود شعب يضغط، بوجود رقابة شعبية حقيقية تتحرك، حيث ينبغي أن تتحرك لا بقرار سياسي من هنا أو هناك، أو أن تكون جزءا من اللعبة السياسية أو في خدمة مواقع سياسية”.
وقال “يبقى أن نشير، وفي إطار الحديث عن تلوث الليطاني والكارثة التي حلت به، إلى أهمية الإجراءات القضائية التي حصلت على خلفية هذا التلوث، الذي يشير إلى استفاقة القضاء في التعامل مع الذين يسيئون إلى بيئة الناس وصحتهم. إننا نأمل أن يتعزز هذا المسار، وألا تعرقله تدخلات، كما يحصل غالبا، تدخلات سياسية أو طائفية. إننا نريد تعميم هذه المحاسبة، لتشمل كل الذين يفسدون، أن يروا أنفسهم مدانين من قضاء ينطق بالحق، ويكون بعيدا كل البعد عن أي تدخلات سياسية”.
وقال”إلى سوريا، التي شهدت أخيرا قرارا أميركيا للانسحاب منها، استدعى ردود فعل متعددة، فإننا، وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية للانسحاب، سواء اتصلت بالخروج من احتمالات التورط في صراعات مقبلة، أو بصفقات سياسية مع بعض الدول، فإننا نرى أن لهذا الانسحاب آثارا إيجابية على المنطقة، فهو يقلص من الطموحات العدوانية للكيان الصهيوني، الذي يتغذى من أي وجود أميركي حليف في جواره، ويخفف من تعقيدات الأزمة السورية، كما أنه يدفع بعض القوى الكردية ذات النزعة الانفصالية إلى أن تعيد حساباتها. إننا في ضوء هذا الانسحاب، نعيد مجددا تنبيه القوى المحلية في المنطقة إلى عدم الرهان على أي قوة خارجية للاستقواء بها في مواجهة خصومها، لأن مثل هذه القوى سرعان ما سوف تجد نفسها أداة للخارج في صراعاته، والتي بالإمكان الاستغناء عنها أو التضحية بها في أي لحظة تقتضيها مصالحه. إن خيار التفاهم مع الخصوم الداخليين هو الخيار المناسب والمفيد، وخصوصا حين يلبي المطالب المشروعة والواقعية لها”.
وختم “أخيرا، إننا لمناسبة ميلاد السيد المسيح، نتوجه إلى اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، بالتهنئة بهذه المناسبة التي نأمل أن تطل على مساحة من السلام والأمن والاستقرار في البلد، وعلى المزيد من التضامن واللحمة والتوحد، ثم المحبة والرحمة والسلام”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام