القِمَّة الخليجية التي عُقِدَت مؤخراً في الرياض، انتهت كالعادة ببيان إنشائي عربي لا قيمة له أمام الأفق المسدود لمجلس التِيجان الملكية والأميرية المُتداعية.
قبل يومين من انعقاد هذه القِمَّة أعلن أستاذ محاضر بإحدى جامعات قطر، أن بلاده التي انسحبت من منظمة “أوبيك” سوف تنسحب لاحقاً من مجلس التعاون الخليجي ومن الجامعة العربية أيضاً، ورأى أن تحرُّر قطر من هاتين المؤسستين هو لأهداف إستقلالية في التحالفات الإقليمية والدولية ضماناً لمستقبلٍ رحب لبلاده بعيداً عن كل القيود، وأن تلبية قطر للدعوة السعودية الى القِمَّة الخليجية ستكون حكماً بمستوى وزير دولة، مراعاةً لنفس البروتوكول الذي ألزم السعودية بدعوة قطر الى القِمَّة رغم الحصار الجائر الذي تفرضه على بلاده كلٌ من السعودية والإمارات والبحرين إضافة الى مصر.
التمثيل العُماني كان على مستوى وزاري، لأن السلطان قابوس نادراً ما يُشارك شخصياً بقمم عربية أو خليجية يُدرك مُسبقاً أنها لا تُنتِج سوى مقررات ورقية لا تُساوي الحِبر الذي أهدِر لتسطيرها، ودولة الإمارات لم تتمثَّل بولي العهد محمد بن زايد نتيجة العلاقة المُثيرة للجدل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد مقتل جمال خاشقجي، وباستثناء حضور ملك البحرين – كونها باتت مقاطعة سعودية – فإن حضور أمير الكويت كان وحده اللافت، ليس لأن الكويت تسعى لإستكمال وساطتها بين السعودية وقطر للحفاظ على ما تبقى من وحدة هذا المجلس، بل لأن الخلاف على المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت، والتي تحتضن آبار الخفجي المتوقِّفة عن الإنتاج منذ سنوات بسبب الأطماع السعودية في محاصصتها مع الكويت، استدعى وساطة أميركية واكبت القمة الخليجية، للتوفيق بين البلدين الخليجيين على اقتسام نِسَب الأرباح وفق معايير التحكيم الدولي، لأن ترامب يُطالب علناً باستئناف الإنتاج من آبار نفط الخفجي للحفاظ على هبوط أسعار النفط.
وبالعودة الى الغاية من هذه القِمَّة الهزيلة، فإن الوساوس هي نفسها لدى حلف التِّيجان الخليجية منذ تأسيس المجلس عام 1980، كردّة فعلٍ على قيام الجمهورية الإسلامية في ايران عام 1979 ووصولاً الى هذه القِمَّة التي افتتحها الملك سلمان بضرورة الحفاظ على الوحدة في مواجهة “إيران والإرهاب”!، إيران التي أعلن رئيسها الشيخ حسن روحاني استعدادها للدفاع عن السعودية دون أي مقابل، تُبادلها المملكة بالدعوة الى التوحُّد ضدَّها، والعقدة ليست فقط في الشعور بالضعف أمام قوتها الذاتية بقدر ما هو استزلام لهرطقات ترامب واستجابة لمتطلبات العلاقة إسرائيل.
ما ينتظر المملكة السعودية هو أسوأ، ودورها في قيادة دول الخليج قد انتهى، هي التي كانت في موقع المرشَّح الأقوى لقيادة الوحدة السياسية لهذه الدول منذ العام 2012، وواجهت هذه الوحدة يومذاك كلاً من سلطنة عُمان وقطر. والآن يتعزَّز الإفتراق عن المملكة، سواء بوجود التقارب العُماني الإيراني الحالي على مستوى العلاقات الإقتصادية، أو بانسحاب قطر من أوبيك ولاحقاً من مجلس التعاون والجامعة العربية، فيما تتوجَّه الأنظار الى انفتاح قطري غير مسبوق على علاقات إقليمية مع تركيا، وبذلك تكتمل المشهدية السوداء التي تنظر اليها السعودية بخوفِ ورهبة، تحالف “أخواني” يجمع قطر مع تركيا، مقابل مذهب وهَّابي لا يتجاوز حدود مملكة آل سعود، وانكفاء خليجي عن مُساندة السعودية التي سوف تجِد نفسها مُنعزِلة سياسياً عن محيطها ما لم تعزِل محمد بن سلمان عن وراثة العرش، بعد أن دمَّر اليمن وانهزمت مملكته على أسوارها، تماماً كما هُزِمت في سوريا والعراق، وإذا قُدِّر لآل السعود البقاء على العرش لبضع سنواتٍ قادمة فعليهم ترميم بيتهم الداخلي والإنصراف الى إصلاحات فعلية تبدأ من مكافحة إرهاب الداخل الذي تُمارسه على المُعارضين السياسيين والإعلاميين، قبل أن تدَّعي مكافحته في الخارج هي التي تُصنَّف في أوروبا حالياً الدولة الأكثر صناعة للإرهاب…
المصدر: موقع المنار