الرسول الأسوة
نص الخطبة
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
لخاتم الانبياء والمرسلين محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العديد من الكرامات التي اختصه الله بها، واهمها: الأسوة الحسنة، أي أن الله جعله أسوة وقدوة لجميع الناس إلى يوم القيامة، ليس للمسلمين وحدهم وانما لكل البشرية، اسوة لهم في ارتباطه بالله الخالق الواحد وطاعته له، وأسوة لهم في التزامه بالقيم الانسانية، وأسوة لهم في اخلاقه وسلوكه، وأسوة لهم في التزامه بأحكام الله.. ووصف الله سبحانه هذه الأسوة بأنّها حسنة ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ لأن رسول الله مظهر الكمال الانساني وعنوان مكارم الأخلاق، وقد جسد في شخصيته وفي أقواله وأفعاله ومواقفه وسيرته كل المبادىء والقيم الإلهية والإنسانية.
وقد ورد في وصفه (صلى الله عليه وآله وسلم): أنّه كان خُلُقه القرآن. أي أنّه جسّد القرآن الكريم عملياً في أخلاقه وسلوكه وعمله، فإذا أردت أن ترى القرآن الكريم في قيمه ومفاهيمه وأخلاقه متجسّداً ومتحرّكاً أمامك تنظر إليه بعينيك، فانظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سلوكه وكلّ حركاته وسكناته، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة عمليّة حسنة في كل أحواله وسيرته .
فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة في أقواله وكلامه وحديثه: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إن هو إلا وحي يوحى ﴾ فكلامه منزه عن الخطأ والزلل ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾.
وهو أسوة (صلى الله عليه وآله وسلم) في العمل وفي الموقف ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾.
وهو أسوة وحجّة حتّى في سكوته وتقريره وإمضائه لما يحدث أمامه، لذلك قال علماء الأصول في أصول الفقه: إن قول المعصوم وفعله وتقريره حجّة.
كل المعصومين هم أسوة حسنة، فمحمد وعلي والحسن والحسين وسائر أئمة أهل البيت هم اسوة للناس جميعا.
فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصف أمير المؤمنين (عليه السلام): عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار.
فعليٌّ إذاً عندما تراه ترى الحقّ متجسدا فيه ومتحركا معه، لا يفترقان، فعليّ أسوة عملية حسنة.
وفي الرواية عن الإمام السجّاد (عليه السلام): ” نحن الصراط المستقيم “.
فكلّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أسوة عملية حسنة للعباد، فإذا رايتهم رأيت الاستقامة بعينها، فهم الصراط المستقيم، وهم الميزان.
ففي الزيارة لأمير المؤمنين (عليه السلام): السلام على ميزان الأعمال.
اذن النبي(ص) وأهل بيته أسوة حسنة، وإنما قال حسنة لأنه هناك أسوة سيئة، وعلى الناس ان يحذروا منها وان لا يقتدوا بها ولا يتبعوها، لأنّه هناك الكثير من الناس يتبعون ويقتدون ببعض القادة والزعماء والملوك والأمراء والسياسيين الفاسدين، وهم ليسوا اهلا للاقتداء والإتباع ، البعض يقتدي بمغنين وفنانين ومشاهير في في الاعلام او في التمثيل او في الرياضة فيقلدهم في سلوكهم وتصرفاتهم وأشكالهم ومظاهرهم مع انهم قدوة سيئة وليست حسنة، البعض يتبع آبائه أو أجداده في عقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم وسلوكهم حتى لو كانت مخالفة لعقائد الاسلام ولشرع الله، وحتى لو كان آباؤهم لايعقلون ولا يعون شيئاً، وقد ذمّ الله سبحانه هذا النحو من الاتّباع بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا
أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾.
اذن اتباع هؤلاء وتقليدهم أمر مرفوض لأنهم ليسوا النموذج المثالي الحسن ، أما
اتّباع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو أمر مطلوب، لأنه أسوة حسنة ، ومعنى أن يكون أسوة حسنة أن نتبعه في خصاله وصفاته، أن لا ندع صفة من صفاته إلا ونربيها في أنفسنا وفي عوائلنا وأولادنا، وأن لا ندع خصلة من خصاله إلا ونأخذ بها لتكونا فينا وفيمن نحب ، فقد اختص الله نبينا(ص) بمكارم الأخلاق، ففي الرواية عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): “إنّ الله خصّ رسوله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله عزّ وجلّ وارغبوا إليه في الزيادة منها، فذكرها عشرة: اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروة.. الحديث”.
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “إنّي لأكره للرجل أن يموت وقد بقي خلّة من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتِ بها.
وفي حديث آخر: خير السنن سنّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
فعلى الإنسان أن يتبع ويقتدي بسنّته وسيرته وصفاته وخصاله النبيلة.
واتّباع النبي(ص) والتأسي به له آثار ونتائج:
من آثاره: ان اتباعه يوصل الانسان الى الهداية والى الرشاد، يهديه الى الصواب والى طريق الحق والى السعادة.
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
ومن نتائجه أيضا: ان اتباعه والتأسي به يوجب محبّة الله ومغفرة الذنوب، ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ فالله إذا أحبّ عبداً قرّبه منه وأدخله الجنّة، ولا يدخل الجنّة مذنب وصاحب ذنوب، لذلك يترتّب على هذه المحبّة أن يغفر الله سبحانه ذنوب العبد أيضاً وهذه كرامة أخرى للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن الطبيعي جدّاً أنّ الحبّ لا بدّ أن يستتبع عملاً “إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع”.
لأجل ذلك كله جعل الله رسوله أسوة للبشر، وقد أكّد أهل البيت (عليهم السلام) على شيعتهم أن يتأسوا برسول الله ويقتدوا به ليتحولوا بدورهم الى أسوة وقدوة للآخرين، فأكدوا أن يكونوا أسوة وقدوة للآخرين، ان يكون قدوة في إيمانهم وفي التزامهم بأحكام الله وحلال الله وحرامه وقدوة في سلوكهم واخلاقهم وتعاملهم الحسن مع الناس، قدوة في صدقهم وأمانتهم وتواضعهم وتسامحهم وعفتهم .
فعن الإمام عليّ عليه السلام: “..ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم.
وعنه عليه السلام: “كونوا لنا دعاة صامتين.
وعن الإمام الرضا عليه السلام: “كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً.
وعن الإمام العسكري عليه السلام: “إنّ أحدكم إذا صدق في حديثه وأدّى الأمانة قيل هذا شيعيّ فيسرّني ذلك. إلى غير ذلك.
فاذا تحول الانسان المؤمن الى قدوة حسنة فإن ذلك سيساهم في انتشار الإسلام والإيمان والقيم في وسط المجتمع ،
فإن من الوسائل المهمة جدا في الدعوة إلى الله،وتبليغ الرسالة وجذب الناس إلى الإسلام وامتثال أوامره واجتناب نواهيه القدوة الحسنة للانسان الداعي وأفعاله الحميدة وصفاته النبيلة وأخلاقه العالية مما يجعله أسوة حسنة لغيره، يكون بها نموذجا يجد فيه الناس معاني الإسلام فيقبلون عليها، وينجذبون إليها؛ لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام وحده.
إن الإسلام انتشر في كثير من بلاد الدنيا بالقدوة الطيبة للمسلمين التي كانت تبهر أنظار غير المسلمين وتحملهم على اعتناق الإسلام، والقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام.
اليوم المطلوب أن نقدم هذا النموذج، نموذج الأسوة في أفعالنا وتصرفاتنا وممارساتنا الفردية ومواقفنا السياسية وخصوصا الموقف من القضية الفلسطينية،
هذه القضية التي تتعرض اليوم وأكثر من أي وقت مضى لمخاطركبيرة ولمحاولات جادة للقضاء عليها من خلال ما يسمى بصفقة القرن ومن خلال تخلي الأنظمة عنها ومن خلال هرولة بعض الدول العربية للتطبيع مع العدو والتحالف معه من أجل الحفاظ على عروشهم.
التطبيع الخليجي مع إسرائيل هو خيانة للقضية الفلسطينية وتهديد لكل المنطقة ومن شأنه أن يقوي الكيان الصهيوني في مواجهة لبنان وسوريا والشعب الفلسطيني بل من شأنه أن يشجع اسرائيل على العدوان وعلى التمادي في انتهكاته ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة
ولذلك الأخطار التي يفرضها التطبيع على القضية الفلسطينية تتطلب التضامن مع الشعب الفلسطيني والوقوف الى جانبه للقول أن التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني يشكل وصمة عار في تاريخ العرب.
اما في لبنان فنحن منذ البداية أبدينا حرصنا على تسريع وتسهيل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وفقا لنتائج الانتخابات النيابية ، يتمثل فيها الجميع ولا تهمش أحدا، ووضع منذ البداية في عهدة الرئيس المكلف مطلب تمثيل النواب السنة المستقلين، ولكن هناك من يريد ان يتجاهل ويستخف بنتائج الانتخابات النيابية، ويتعمد إقصاء وإلغاء وتهميش فئة نيابية وازنة نجحت في الانتخابات ومن حقها أن تتمثل. مؤكدا: ان المشكلة أو العقدة ليست عند حزب الله وإنما في عهدة الرئيس المكلف، وهو المطالب بحلها وهي ليست عقدة عصية على الحل، بل يمكن معاجلتها بالتفاهم والتحاور مع النواب الستة كما تمت معالجة عقد اخرى مختلفة بالحوار والتفاهم ونجح المعنيون بتجاوزها.
المصدر: بريد الموقع