تتعدد أساليب المضايقات والتنمر بين الأطفال، مثل السخرية والإهانة والنعت بأسماء الحيوانات، وهي ظاهرة يتعرض لها العديد من تلاميذ المدارس الابتدائية في مختلف البلدان.
ويؤدي التعرض إلى هذه الممارسات في المدرسة إلى تغير سلوك الطفل في المنزل، مما قد يصيب الأبوين بالحيرة، إذ يصبح ابنهما حزينا منعزلا ويعاني من صعوبات في النوم وتتراجع نتائجه المدرسية.
تقول الكاتبة إليزابيث دو لامارونديار في تقرير بمجلة “سانتي ماغازين” الفرنسية، إن هذه المضايقات -مثل السخرية والنعت بأسماء الحيوانات- قد تحدث في ساحات المدارس وداخل الفصول، وقد يعتبرها البعض مجرد لعبة بين الأطفال لا تنطوي على أية خطورة.
لكن الدكتورة نيكول كاثلين المختصة في علم نفس الأطفال، تحذر من أن هذه الوضعيات التي يواجهها الطفل تحمل في طياتها بذور العنف الذي ينطلق من المضايقة. ومع ذلك، تمر هذه الإهانات مرور الكرام، ويواجه الضحية صعوبة في الدفاع عن نفسه والتبليغ عما يتعرض له.
الخطير هو أن هذا النوع من السلوكات لا يتوقف عند أسوار المدارس، بل إن هناك مضايقات أيضا تحدث عبر الإنترنت التي باتت أكثر انتشارا وتضخمت وأصبحت تمثل امتدادا للمضايقات التي تنطلق في المدرسة. وتلحق هذه الوضعيات أضرارا كبيرة بالأطفال الضحايا، فقد يصابون بالاكتئاب الحاد وفقدان الثقة في النفس، إذ يضطر كثير منهم لملازمة الصمت خوفا من الانتقام منهم أو التعرض للتوبيخ.
ويلاحظ أن العديد ممن يتعرضون لهذه المضايقات يصبحون شيئا فشيئا منبوذين ويتم إقصاؤهم خلال وقت اللعب، كما أنهم يتعرضون للسخرية حتى عندما يقدمون إجابات ممتازة في الدرس، ويبقون مهمشين عندما تُشكّل الفرق في المسابقات الرياضية.
ولكن، ماذا عمن يمارسون التنمر على الآخرين؟ هل يحتاجون للتعاطف والمساعدة؟
تجيب الكاتبة بأنهم بالفعل يحتاجون لذلك، لأن سلوكهم يعبر عن الحاجة للهيمنة، وهو ما يخفي وراءه نوعا من الهشاشة النفسية. فهذا السلوك الاستعلائي يستخدمه الطفل أحيانا للتعويض عن سوء نتائجه المدرسية، أو يكون مجرد إعادة إنتاج للعلاقة المتشنجة التي تجمعه بوالديه.
أما الطفل الذي يصبح محل سخرية أصدقائه وإهاناتهم، فيرافقه شعور بالعار والذنب والخوف من الانتقام منه إذا ما رد عليهم، وهو ما يدفعه غالبا إلى إخفاء الأمر عن والديه. فما العلامات التي تدل على التعرض الولد للتنمر؟
أولى هذه العلامات ربما تظهر في شكل معاناة الطفل من صعوبات في النوم، ورفضه تناول الطعام كالمعتاد، والانطواء على نفسه، وظهور مسحة دائمة من الحزن عليه، وتراجع نتائجه المدرسية بشكل حاد، فضلا عن بعض الأعراض الطبية كالتهابات الأذن والحلق وآلام البطن، وعندما يتلقى الطفل بعض الرعاية والمساندة، فإنه يفهم أن والديه مستعدان للاستماع إليه وتصديقه، باعتبار أنهما يفهمان إمكانية وجود أطفال آخرين “أشرار” قد يسيئون إليه. وهذا التفهم من الوالدين يخرج الطفل من الشعور بالوحدة، ويفهم أنه ليس بمفرده.
على الآباء الذين يشكّون في تعرض أبنائهم للمضايقات والتنمر داخل أسوار المدرسة، أولا أخذ موعد مع إدارة المؤسسة أو ممثل مجلس أولياء التلاميذ، وإذا لم يتم إحراز تقدم في هذه المسألة، يمكن أيضا إعلام الطبيب المدرسي حتى يتدخل.
لكن في الوقت نفسه، تحذر المختصة في علم نفس الأطفال نيكول كاثلين، من أن الأولياء يجب عليهم ألا يتوجهوا -في أي حال من الأحوال- إلى الأطفال المتنمرين، ويتعاملوا معهم بشكل مباشر لجعلهم يتوقفون عن مضايقة الضحية، بل يجب دائما إعلام الطرف المسؤول حتى يتدخل هو.
ونبهت إلى أن المضايقات والتنمر المدرسي تعد ممارسات يعاقب عليها القانون، حتى إن حدثت خارج أسوار المؤسسة الدراسية.
أما التعامل مع الطفل الضحية فيكون بإظهار التقدير له وطمأنته بدلا من مشاعر الشفقة، إذ يجب تهنئته وشكره على أنه تحلى بالشجاعة للخوض في هذا الموضوع، كما يجب إشعاره بأن هناك حلا لمعاناته، والتفكير معه من أجل فهم سبب تدهور الأوضاع إلى هذا الحد.
ومن الحلول التي تقترحها أيضا تشجيع الطفل على دعوة أصدقائه إلى المنزل، أو الاشتراك في ناد للرياضة، أو أي من الأنشطة الشبابية مثل الكشافة، وهو ما يساعده على إقامة صداقات جديدة، ويقلل شعوره بالوحدة والضعف.
وحتى في حال رفض الطفل لهذه المبادرات بداعي الخجل، فيجب على الوالدين حثه على ذلك وإجباره إن لزم الأمر، لأنه لا مجال لتركه يواجه هذه الصعوبات وحده، فتتفاقم معاناته وعزلته.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية