أمين أبوراشد
تزامن يوم أمس الأربعاء، إقرار ولي عهد السعودية محمد بن سلمان أمام مؤتمر “دافوس الصحراء” المُنعقد في الرياض، بأن جريمة قتل جمال الخاشقجي عملٌ فظيع، مع تصريح “ألنور جيفيك” أحد مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن يديّ محمد بن سلمان عليهما دماء الخاشقجي، وهو أجرأ تصريح لمسؤول تركي مُقرَّب من أردوغان، يوجِّه فيه التهمة لبن سلمان وفق ما أوردت وكالة رويترز.
وكتب “ألنور جيفيك” في صحيفة “يني بيرليك”: “إن الجريمة وصمة تصل إلى ولي العهد السعودي، وخمسة على الأقل من فريق الإعدام هم من أذرُع بن سلمان اليُمنى، وهُم أُناس لم يكونوا ليتصرفوا دون علمه”. وأضاف “جيفيك”: “حتى إذا أنقذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب محمد بن سلمان، فإنه في أعين العالم شخص موضع شبهات، ودماء خاشقجي على يديه”. ومن هنا البداية للمواقف الدولية المُتصاعدة، ولو أن خطاب أردوغان الباطني، هو أخطرها على مصير التاج الحالي للمملكة، وعلى الوريث المُنتظَر:
أولاً: تبرأ “منتدى دافوس الاقتصادي العالمي” من استعارة إسمه في مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” السعودي، وذلك من منطلق الإحتجاج على جريمة قتل الخاشقجي من جهة، ومن جهة أخرى، قالت إدارة المنتدى الذي يُعقد في سويسرا بالتعاون مع مدينة “دافوس” أنها ستستخدم كل الوسائل لحماية علامة دافوس التجارية ضد الاستيلاء غير المشروع عليها، وتمكَّن قراصنة من اختراق وتعطيل الموقع الإلكتروني لمنتدى الاستثمار السعودي، ووضعوا صورة مركَّبة كُتِب عليها أن النظام السعودي أحد منابع الإرهاب في العالم، وأظهرت الصورة ولي العهد محمد بن سلمان حاملاً سيفاً يقطُر دماً وتحته الصحفي جمال خاشقجي.
ثانياً: تصاعدت المواقف الأوروبية بوتيرة سريعة، نتيجة رأي عام شعبي، جَمَع بين مُعاناة شعوب بعض البلدان- خاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا – مع الإرهاب، وصورة محمد بن سلمان التي تُمثِّل إرهاب الدولة، لكن الصفعة الأوروبية الأقوى أتت من النمسا، وجاء صوت وزيرة الخارجية النمساوية “كارين كنايسل” كما النسمة الأقوى من كل الأعاصير المُصطنعة في رسالة واضحة لدولٍ تدَّعي رعاية حقوق الإنسان.
“كارين كنايسل” التي تُتقِن اللغة العربية وتؤمن بما كان من حضارة عربية، والتي فاخرت باستخدام لغة الضاد في خطابها الأخير أمام الأمم المتحدة، كررت منذ يومين تساؤلها عن الوضع القانوني لما يُعرف بمركز الملك عبدالله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان في العاصمة النمساوية فيينا، وقالت الوزيرة “كنايسل” في بيانها عقب اغتيال الخاشقجي: أنه “يُمكن تفهُّم ارتفاع المُطالبات بإغلاق هذا المركز من جملة ردود الفعل على هذه الجريمة”.
ثالثاً: على المستوى الأميركي، بات الرئيس ترامب مهزلة الإعلام، خاصة أن القضية ترتبط بكرامة “الواشنطن بوست” ثاني أكبر صحيفة في أميركا، والتي يعود لها الفضل الأول في “عولمة” ردود الفعل على قتل الكاتب لديها، ونجحت هذه الصحيفة، وربما منذ اغتيال المعارض السعودي ناصر السعيد قبل أربعين عاماً، ومروراً بكل من اغتالتهم السعودية لاحقاً من مُعارضي النظام، أن تجعل من قضية الخاشقجي – خاصة في عصر وسائل التواصل – القضية العالمية الأولى التي أحرجت دونالد ترامب، وجعلته حائراً في ردود فعله ومناقضاً نفسه على مدار الساعة ومُتناقضاً مع الكونغرس بالخطوات الواجب اتخاذها بحق السعودية.
ترامب، وهو في غمار خوض الإنتخابات النصفية في أميركا، وجد نفسه بين فكَّي كماشة، ولا يستطيع الجمع بين القِيَم التي تدَّعيها أميركا في حماية حقوق الإنسان ومعاقبة السعودية برفع الغطاء الضاغط على التحقيق، وبين مصالح أميركا في صفقات العمر مع السعودية خاصة تلك المرتبطة بالأسلحة والبالغة قيمتها 110 مليارات دولار، والتي تؤمن فرص عمل لعشرات آلاف الأميركيين، وهنا وقع ترامب في الخطأ القاتل…
كان ترامب يعتبر السعودية الشريك الإقليمي الأول في مكافحة الإرهاب، حتى في عدوانها الهمجي على اليمن المُبارك أميركياً، وهُزمت فيه السعودية، التي فشلت أيضاً في حصارها على قطر، كما فشلت أميركا في استخدامها أداة – ولو هزيلة – في مقارعة إيران، وترامب بعد هزيمته مع الشريك السعودي في سوريا والعراق، سقط أمام الخيارات الروسية في صدق مواجهة الإرهاب، لأن محور روسيا وإيران ومعهما الحلفاء الخصوم لسياسات أميركا هم الذين سحقوا الإرهاب وهُم الضمانة لحماية أوروبا منه ومن ارتداداته على أراضيها، وترامب الذي يُهلوِس منذ ثلاثة أسابيع بمصالح أميركا وصفقاتها الخاصة مع السعودية، حتى ولو على حساب دماء صحفي مٌغتاب، بدا أمام أوروبا وأمام الناتو أنه كما قالت المستشارة أنجيلا ميركل، رجلٌ غير موثوقٍ به، وبالتالي لا يُمكنه بعد الآن استجداء العطف الدولي وخاصة الأوروبي في تبرير عدوانه المشترك مع السعودية، سواء على اليمن أو سوريا أو حتى في مواجهة إيران التي تُنوِّه المفوضية الأوروبية بحُسن التزامها بتطبيق الإتفاق النووي، وبات ترامب بهذا خارج المُعادلة، خاصة بعد جريمة الخاشقجي ومحاولة تغطيتها أميركياً من أجل مصلحة أميركا، فقط أميركا، ولو على حساب الشركاء الذي استنزفتهم أميركا عبر “الناتو” في مغامراتها الآحادية.
رابعاً وأخيراً، سبق لنا أن أكَّدنا عبر “موقع المنار” قبل أسبوعٍ بالتحديد، في مقالةٍ بعنوان: “قضية الخاشقجي، مسرحية هزلية لإنقاذ بن سلمان”، أنه على العرش السعودي أن يبقى واقفاً على رجليه ضمن الحد الأدنى، خاصة أن الملك سلمان يبدو مُتداعياً وفي أيامه الأخيرة، وأزمة محمد بن سلمان بقضية الخاشقجي ليست مع أميركا التي يشتريها بصفقة وإثنتين وثلاث، ولا هي مع أوروبا، بل الأزمة هي في كيفية امتلاك “الأخواني رجب طيب أردوغان” تسجيلات ووثائق تُدِين “الوهابي محمد بن سلمان”، الذي إن وافقت هيئة البيعة على إعتلائه العرش، فإن التاج – لو اعتمره – رهينة بيد تركيا لأمدٍ طويل، تشدٌّه حول العُنق الملكي وتُرخِيه وفق مصالحها، ربما من الآن وحتى عهد آخر ملك من آل سعود، ونُضيف هنا، أن كلمة أردوغان التي لم تتطرَّق الى التفاصيل الجنائية، فإن الرئيس التركي سيجني ما يُريد من مملكة لا تمتلك سوى أن تدفع كائناً من كان إبن سعود الئي سيخلف الملك سلمان قريباً جداً، سواء كان محمد أو خالد أو عاد النظام الى مبايعة أحمد بن عبد العزيز ثاني أبناء عبد العزيز، لأن التجربة مع الحفيد محمد يبدو أنها ستكون قاضية على العرش وعلى النظام العائلي بكامله…
المصدر: خاص