نص الخطبة
نبارك لصاحب العصر والزمان(عج) ولولي أمر المسلمين ولجميع المسلمين, عيد الله الأكبر, عيد الغدير ويوم الغدير.
يوم الغدير هو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من العام العاشر للهجرة الذي نصَّب فيه النبي(ص) علي بن ابي طالب(ع) أميراً للمؤمنين وإماماً وولياً وخليفة وقائداً للمسلمين أمام حشود غفيرة كانت قد أدت مع رسول الله(ص) مناسك الحج فيما عُرف بحجة الوداع, حيث أعلن النبي(ص) في طريق العودة بعد أن وصل الى منطقة تسمى غدير خم -وهي على مفترق طرق- أعلن أمام الآلاف من المسلمين ولاية علي(ع) وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه, اللهم والي من ولاه, وعادي من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله, وأدر الحق معه كيفما دار، ولما أتم هذا الإعلان أنزل الله قوله تعالى: [اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً]
إن ما جرى في يوم الغدير لم يكن حدثاً عادياً, بل كان حدثاً كبيراً مهّد له النبي (ص) بإجراءات لافتة تدل على أن ما سيبلغه للمسلمين ليس أمراً عادياً بل هو أمر في غاية الأهمية وهو مكمل للدين ومتمم للرسالة.
وقد شهد عشرات الألوف من المسلمين مراسم تنصيب النبي لعلي إماماً على المسلمين من بعده، وسمعوا من النبي (ص) مباشرة وهو يردد عليهم في خطاب واحد ثلاث مرات: اللهم من كنت مولاه فهذا علي مولاه, كما شهدوا بأم العين كيف أن كبار الصحابة بايعوا علياً (ع) وهنئوه بهذا المنصب الإلهي الكبير وقالوا له: بخ بخ لك يا علي أصبحت وأمسيت مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وبالرغم من كل ذلك فإن كل هذه الحشود والآلاف المؤلفة من المسلمين لم تؤثر في مسار الأحداث بعد وفاة النبي (ص), حيث صُرفت الخلافة عن علي (ع) إلى غيره, ولم تحرك ساكناً أو تحتج أو تستنكر للذي حصل على أنه خلاف ما رسمه النبي (ص) في الغدير وغيره لمستقبل الاسلام.
فلم يروِ التاريخ أي دور يذكر لتلك الحشود الغفيرة التي شهدت الغدير في وجه الانحراف الذي حصل بعد وفاة النبي (ص)؟ عندما منع علي(ع) من حقه في الخلافة واستولى غيره عليها ..
فما السبب في ذلك؟ ولماذا لم نسمع صوت الجماهير وهي تطالب بحق علي (ع) باعتباره المعين من قبل النبي (ص) لمنصب الخلافة من بعده؟ لماذا تم تجاهل هذا الحدث التاريخي الذي شهده عشرات الآلاف من المسلمين ولم يتم إعطاء الحق لمن ولَاه النبي (ص) في يوم الغدير؟
والجواب: أن الأسباب التي أدت إلى ذلك عديدة نشير إليها باختصار:
فأولاً: إن معظم الذين اجتمعوا في غدير خم مع النبي (ص) كانوا من بلدان متفرقة بعيدة عن المدينة، من مصر والعراق واليمن وقبائل الحجاز ,أما الذين حجوا مع النبي (ص) من مسلمي المدينة المنورة فكانوا قلة قياساً إلى الذين جاؤوا من خارج المدينة, المدينة التي كانت تطبخ فيها القرارات وتأخذ فيها التوجهات المتعلقة بالإسلام والمسلمين باعتبارها عاصمة الدولة الإسلامية, وكان المسلمون الذين هم من خارج المدينة بحكم أماكن سكنهم وطبيعة انشغالاتهم كانوا بعيدين عن مركز القرار ولا تصل إليهم الأخبار بالسرعة المطلوبة فلم يكونوا على اطلاع بالأحداث التي تجري في المدينة ليتخذوا منها الموقف المناسب.
وأما الذين كانوا في المدينة من المهاجرين والأنصار ممن شهدوا غدير خم فلم يكونوا جميعهم ممن يملك تأثيراً في مسار الأحداث كان معظم هؤلاء مشغولاً بأموره الخاصة ولم يكن يهتم بالشأن العام، كانت القلة منهم هي المؤثرة في مجرى الأمور والمتحكمة في مسار الأحداث وهي القلة الطامحة التي كان بعضها قد دخل في الإسلام لتحقيق طموحاته في الهيمنة والنفوذ والسلطة. وهذه القلة هي التي فرضت ما تريد وما ينسجم مع طموحاتها ومصالحها في نهاية المطاف، فأبعدت الأمر عن علي (ع) حباً بالسلطة.
وهذا يعني أن الكثرة الشعبية لم تكن هي المؤثرة أو هي من يتحكم بمسار الأحداث ، بل كانت هناك دوائر ضيقة هي التي تتحكم بمسار الأحداث وتوجه الأمور بالاتجاه الذي يخدم طموحاتها وآمالها ومصالحها.
وثانياً: إن الأكثرية الساحقة من الذين حجوا مع النبي (ص) واحتشدوا في يوم الغدير وشهدوا حفل تنصيب علي (ع) ولياً وإماماً وخليفة وقائداً على المسلمين بعد النبي (ص)، كانوا قد أسلموا حديثاً، وبعضهم كان لم يمضِ على إسلامه أكثر من سنة أو سنتين، وبالتالي لم يتشربوا العقيدة بالشكل المطلوب ولم يكن لديهم التزام كامل بعدُ بمبادئ الإسلام ومفاهيمه وأحكامه, وبالتالي لم يكن مستغرباً أن تنحرف الأمور أمامهم عن مسارها من دون أن يحركوا ساكناً أو أن يقفوا لمواجهة ذلك الانحراف ومنعه من الاستمرار. كان هناك أشخاص معدودون قد تشربوا العقيدة وفهموها بشكل سليم من أمثال بلال والمقداد وحذيفة وعمار وغيرهم من أصحاب النبي (ص) وهؤلاء لم يكونوا لهم تأثير في الواقع السياسي, وبالرغم من احتجاجهم على الطرف الآخر في مناسبات مختلفة لم يسمع أحد لهم , بل قمعوا وفرضت عليهم مبايعة الخليفة الأول.
وثالثاً: إن عدداً قليلاً من الصحابة المسلمين ممن كان يملك مكانة وتأثيراً ونفوذاً فرض في لحظة غفلة أمراً واقعاً على المسلمين جميعاً، ففي الوقتالذي انشغل فيهعلي وأهل بيته برحيل النبي(ص) اجتمع هؤلاء فيما عرف بسقيفة بني ساعدة وأخذوا الأمور بالاتجاه الذي يخدم آمالهم وطموحاتهم ويحقق رغباتهم في السلطة. فانحرفوا بالخلافة عن مسارها الذي كان قد رسمه النبي(ص) لها وصرفوا الأمر إلى غير علي (ع).
وهذا شبيه بما هو موجود اليوم في العالم, حيث يتحكم بمسار الأحداث في العالم هو عدد قليل من الدول الكبرى.. ومعظم الدول الأخرى إما انها تعيش التبعية المطلقة أو أنها معارضة وكلاهما لا تأثير قوي لهما في مجرى الأحداث، ولذلك وجدنا كيف أن الولايات المتحدة تحرف الحقائق فيما يجري من أحداث في منطقتنا, فعندما تريد مثلا حماية الجماعات الارهابية في سوريا ومنع النظام من تحقيق انجازات في مواجهتهم تختلق ذريعة الكيميائي وتصور للرأي العام العالمي بأن النظام يستخدم هذا السلاح ضد المدنيين من اجل ان تبرر هجومها على سوريا تحقيقا لمصالحها.
لذلك اليوم التهديد الامريكي الغربي والتهويل بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا تحت ذريعة استخدام السلاح الكيميائي من قبل الجيش السوري في عملية تحرير ادلب هو محاولة امريكية غربية لحماية الجماعات الارهابية في ادلب واعطائهم جرعة معنوية لمواصلة تدميرهم لسوريا ومنع النظام من انجاز تحرير هذه المنطقة واعادتها الى احضان الدولة السورية، هذا الانجاز الذي اذا حصل بالشكل المطلوب سيعني فشلا مدويا للتحالف الغربي عموما وللامريكي وحلفائه خصوصا، لانهم سيخسرون ورقة اساسية في التفاوض السياسي وفي فرض الشروط، وسيقطع الطريق على هؤلاء لتحقيق اهدافهم في سوريا، وسيجعل الوجود الامريكي مكشوفا بالكامل كوجود محتل في سوريا.
اليوم هو ٣١ آب وهو ذكرى مرور أربعين سنة على اخفاء الامام السيد موسى الصدر وأخويه الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدر الدين في ليبيا، وأمام هذه الذكرى المؤلمة لا بد ان نستذكر هذا الامام الذي كان مؤسسا ليس للمقاومة فقط، بل كان مؤسساً للكثير من المشاريع والمؤسسات والانجازات على المستويين الاسلامي والوطني.
فهو الذي أسس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى وجعل للطائفة الشيعية في لبنان مؤسسة رسمية تمثلهم وتنظم شؤونهم كبقية الطوائف الأخرى، وهو الذي أسس حركة المحرومين وهو الذي عمل على تأسيس العديد من المشاريع التربوية والصحية والإجتماعية والدينية في لبنان وهو وصاحب رؤية سياسية واضحة ومشروع سياسي كامل .
الإمام الصدر كان مؤسسا في المقاومة، وعندما أسس لفكر ومنطق وخيار المقاومة لم يكن الجنوب محتلاً، حتى مزارع شبعا لم تكن تحت الاحتلال، وإنما تحدث عن المقاومة لتحرير فلسطين ولاستعادة القدس. وعندما دعا اللبنانين إلى حمل السلاح ودعا الدولة الى تسليح الجنوبيين لم يكن أي شبر من أرض لبنان تحت الاحتلال، وانما كان يدعو الدولة إلى تسليح الجنوبيين من أجل الدفاع عن أرضهم وعن بلدهم لأنه كان يدرك حجم الأطماع الإسرائيلية في لبنان.
من الإمام السيد موسى الصدر تعلمنا المقاومة وتعلمنا أن أرضنا المحتلة لا يمكن استعادتها بالوسائل السلمية، وانما تستعاد بالجهاد والشهادة والدماء والتضحيات والاستشهاديين، ولو لم تكن هناك مقاومة ولم يكن هناك قتال وجهاد وتضحيات وشهداء واستشهاديين لكان الجنوب اليوم مازال تحت الاحتلال ولكان عبارة عن مستعمرات اسرائيلية.
المقاومة التي اسس لها السيد موسى الصدر وأكمل دربها الشهيد السيد عباس والشيخ راغب وكل الشهداء والمجاهدين وحزب الله وحركة أمل هي التي فرضت على الصهاينة الخروج من أرضنا من دون قيد او شرط مهزومين أذلاء في العام الفين وهي التي أخرجت الى جانب الجيش اللبناني والشعب اللبناني الجماعات الارهابية من الجرود وصنعت التحرير الثاني.
الامام الصدر كما كان نموذجا صادقا في الدفاع عن الوطن وتحقيق الاستقرار فيه، كان نموذجا رائدا في السعي لبناء دولة قوية يحكمها القانون، ونموذجا يحتذى في مكافحة الفساد وتوفير الخدمات للناس ورفع الحرمان عن المواطنين، ونحن على نهجه سنمضي في المقاومة لحماية لبنان، ولن نتخلى عن فلسطين والقدس، ولن نألوا جهدا على المستوى الداخلي في السعي لبناء دولة قوية وعادلة وفي مكافحة الفساد وضبط الهدر وتحقيق الإنماء المتوازن وايلاء المناطق المحرومة الأولوية في الخدمات وتوفير فرص العمل، وكل هذه الأمور قابلة للتحقق اذا كانت هناك إرادة وطنية جامعة وحكومة فاعلة يتعاون من خلالها الجميع على النهوض بالوطن .
ولذلك يجب الاسراع في تأليف الحكومة لأن التلكؤ في تشكيل الحكومة يضر بلبنان واللبنانيين، ويهدر الكثير من الفرص، ويستنزف البلد، ويشكل ازمة حقيقية على الملفين الاقتصادي والاجتماعي، ويضع التأليف أمام تعقيدات جديدة نحن بالغنى عنها.
المصدر: موقع المنار