لا شك ان الخلاف بين اميركا وكوريا الشمالية يختلف بكثير من المضامين مع الموضوع الاميركي – الايراني، وإن كان القاسم المشترك هو السياسة الاميركية الرامية لاضعاف اي قوى مناوئة، واستخدام الحصار والحظر في سبيل ذلك.
واذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتمع مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون في الثاني عشر من يونيو/ حزيران الماضي في سنغافورة، فإنه يكرر الحديث عن عدم ممانعة اللقاء بالرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني وأعلن ترامب منذ ثلاثة أيام أن لا مانع لديه من حصوله، وسبق له أن أبدى هذه الرغبة في نهاية يوليو/ تموز المُنصرم، وجاءه الردّ الإيراني من المساعد السياسي للرئيس روحاني بأن على اميركا خفض الأعمال العدائية ورفع العقوبات والعودة الى الإتفاق النووي الذي تنصَّل منه ترامب، قبل اي حديث اخر. وقد كانت كلٌّ من الصين وروسيا ضمن دول “الخمسة زائد واحد” في مباحثات وإقرار الإتفاق النووي مع إيران، والذي تبنَّته الأمم المتحدة وتتمسَّك به الدول المُشارِكة بإقراره بتأييد من المفوضية الأوروبية وتأكيد جازم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران احترمت بنوده.
ورقصة الكاوبوي التي يؤديها ترامب ما بين بيونغ يانغ وطهران، مسرحية هزلية قياساً لنتائجها، لأن العقوبات الإقتصادية هي اللهجة الوحيدة التي يُتقنها ويُهدِّد بها روسيا والصين ويلوِّح بها لأوروبا عند أي سوء تفاهم، خاصة مع الدولة المُشاركة بحلف الناتو، بحيث باتت الشركات الأميركية التي لديها مصالح عبر العالم رهينة تعليمات ترامب، بمُقاطعة هذه الدولة أو تلك، تحت طائلة مُحاسبتها لا بل مُحاربتها ووقف أعمالها على الأراضي الأميركية، لكن العقلية التجارية التي تحكم سياسات ترامب لم تتمكن من تطويع إيران التي تواجه الحصار منذ عقود، وجعلت من هذا الحصار حافزاً داخلياً للإكتفاء الذاتي في الإنتاج والتصنيع، من السلع الإستهلاكية البسيطة، وصولاً الى الإنتاج الحربي الذي أثمر مؤخراً ولادة الطائرة الإيرانية المُقاتلة “كوثر”، فضلاً عن التفوُّق المُبهر بالفيزياء النووية وإنتاج الصواريخ الباليستية.
الفكر التجاري في عقلية ترامب السياسية، قد يساعده في ابرام الصفقات، كتلك التي “لَعَقها” من السعودية والتي ناهزت موازنتها السنوية ولكن، مشكلة ترامب أنه لا يمتلك الخبرة في تاريخ الشعوب والحضارات، ولا في الظروف السياسية لأنظمة الحُكم، ونحن لسنا بصدد الحديث عن نموذج إقليمي كالعرش العائلي في “مملكة الرمال”، ولا نرغب الخوض في نموذج دولي كالنظام السياسي لكوريا الشمالية، لكن الحُكم المُطلق للزعيم الكوري الشمالي وحُرِّيته في إبرام الإتفاقات الدولية، لا ينطبق على دولة مؤسسات برلمانية وديموقراطية مثل إيران، إضافة الى أن الأنظمة تختلف أيضاً قياساً للدعم الشعبي لها، وأكثر من هذا كله، أن الملف النووي الإيراني هو مسألة سيادية في ثقافة الشعب الإيراني، وليس الإنتاج النووي الكوري سوى ردَّة فعلٍ رافضة للهيمنة الأميركية شبيهة بموقف فنزويلا وبعض دول أميركا اللاتينية التي كانت تعتبرها أميركا “جمهوريات موز”، بينما المواجهة مع إيران هي مع شعب عقائدي مؤمن ومُلتزم قومياً.
تكرار إعلان ترامب رغبته بلقاء القيادات الإيرانية دون شروط مسبقة، هو إعلان من طرف واحد، لأن لإيران شروطها المُسبقة في ضرورة التعامل معها نَدِّياً، وعلى القيادة الأميركية التي جمعت 41 دولة منذ نحو سنة في الرياض لإنشاء “ناتو إسلامي” لمحاربة إيران، ان تُقيِّم النتائج الخائبة لهذا الحلف الذي لم ولن يُبصر النور، وعلى ترامب اكتساب ثقافة التعامل مع دول المنطقة وفق تاريخ شعوبها وحضاراتها وقُدراتها السيادية، لأن مهرجان التهليل والتطبيل الذي كان له في الرياض لن يحلم به لا هو ولا أي رئيس أميركي من شعبٍ كان أول من صنَّف أميركا ومَنَحها لقب “الشيطان الأكبر”…
المصدر: موقع المنار