كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مهرجان إحياء ذكرى أربعين القائد الجهادي الكبير الحاج مصطفى بدر الدين 24-6-2016
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السادة العلماء، السادة النواب، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
في البداية، إلى روح شهيدنا القائد الجهادي الكبير السيد مصطفى بدر الدين وكل إخوانه الشهداء نُهدي ثواب الفاتحة.
أرحّب بكم جميعاً في هذا اللقاء المبارك إحياءً لذكرى هذا القائد الجهادي العزيز والشهيد المضحي، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتفضل علينا جميعاً وعليكم وعلى الناس بالبركة والمغفرة والرحمة والرضوان والكرامة وخير الدنيا والآخرة، في هذه الأيام العظيمة والليالي المباركة، في هذا الشهر العظيم، شهر الله سبحانه وتعالى، وأجدّد التبريك والتعزية لعائلة الشهيد القائد السيد مصطفى بدر الدين، لعائلته الشريفة، لأمه وزوجته وابنه وبناته وأخوته وأخواته وأقاربه وأرحامه وكل إخوة الجهاد ورفاق الدرب والسلاح.
كما يجب أن أتوجه في بداية الكلمة إلى عوائل شهدائنا، عوائل شهداء المواجهات الأخيرة في حلب، أبارك لهم شهادة أعزائهم وأعزّيهم بفراق هؤلاء الأحبة، كما هو حال الموقف مع كل شهيد وكل شهادة، وأسأل الله تعالى أن يمنّ على الشهداء برفيع الدرجات وعلى عائلات الشهداء الشريفة بالصبر والسلوان، وأن يجعل أعزءاكم هؤلاء لكم ولنا ذخراً وشرفاً وكرامة في الدنيا وفي الآخرة. أيضا أتوجه لعائلة الأخ الأسير وكذلك عائلات الإخوة الأسرى السابقين الذين اعتز بمعنوياتهم وثباتهم، كما معنويات عوائل الشهداء، ولأؤكد لهم أن أسراكم أمانة في هذه المقاومة التي لم تترك أسراها التي لم تترك أسراها في السجون في يوم من الأيام، وشاهدها الشهيد الكبير، وعلى هذه الحقيقة هو صاحب ذكرى هذا اليوم الشهيد القائد السيد مصطفى بدر الدين. أيضاً أتوجه إلى الجرحى وأسأل الله تعالى لهم الشفاء والعافية ومن الجميع القبول، ونعتز أيضا بثباتهم ومعنوياتهم وإرادة الحياة عندهم، هذا الذي شاهدناه قبل أيام في المستشفى، كيف يواصل جرحانا حياتهم، وكيف تواصل عائلات هؤلاء الجرحى قرارها ومسيرها ومسارها.
في شهر رمضان المبارك، في الأسحار، نقرأ دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام، المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي، جملة لطيفة من جمله، وكل جمل هذا الدعاء لطيفة: اللهم إني أسألك صبرا جميلاً وفرجاً قريباً وقولاً صادقاً وأجرأ عظيما، أسألك يا ربي من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم.
يبدأ الدعاء: إني أسألك صبراً جميلاً، لأن الصبر الجميل هو مفتاح الفرج القريب، والصبر الجميل هو الذي يجعل الإنسان صادقاً في القول، فلا يزلّ لسان ولا قدم، والصبر الجميل عاقبته الأجر العظيم، ونحن مسيرة هذا الصبر الجميل منذ الأيام الأولى بالصبر والثبات والدعاء والتضحية والتوكل على الله سبحانه وتعالى، واحتساب شهدائنا وجرحانا وآلامنا وما يصيبنا في عين الله سبحانه وتعالى، كنا نشهد بأم العين الفرج القريب الذي كان يعبّر عنه الإنجاز تلو الإنجاز والانتصار تلو الانتصار، ولذلك كانت مسيرتنا من أهل القول الصادق، وإن شاء الله، الله يعطينا ويعطيكم جميعاً الأجر العظيم، إن لم نحبط عملنا بالتعلق بشيء من حطام هذه الدنيا، من خلال الإخلاص والثبات على القول والثبات على العمل تصل إلى النتيجة.
في بداية الكلمة أود أن أوصي نفسي وإخواني وأخواتي والمشاهدين بالاستفادة من بقية أيام وليالي هذا الشهر العظيم، خصوصاً أولئك الذين ـ خلال عشرين يوم مضوا 19 يوم مضوا 18 يوما مضوا ـ ربما انشغلوا كثيراً بالمباحات، بالمسلسلات، وأضاعوا الكثير من ليالي هذا الشهر، من ساعاته، من دقائقه، من لحظاته، أدعوهم إن شاء الله ابتداءً من هذه الليلة، الليلة التي دخل فيها تكفيري ـ عند فجرها ـ من خوارج النهروان، من بقايا خوارج النهروان، ليقتل إمام المسلمين وخليفة المسلمين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في محراب الصلاة، لأنه كفّره، نحن في هذه الليلة أمام ذكرى إقدام ظاهرة تكفيرية وتكفيري كفّر إمام المسلمين ومجتمع المسلمين وكل المسلمين وأباح دماءهم، بل أباح قتل إمامهم في بيت الله وفي مسجد الله عز وجل.
لذلك نأمل إن شاء الله أن نتعاون جميعاً على الابتهال وعلى الدعاء وعلى الأحياء وأن نذكر شهداءنا لنسأل لهم الرحمة والمغفرة وعلوّ الدرجة وشفاعة الأنبياء والأولياء والأوصياء، ونذكر جرحانا للشفاء وأسرانا للحرية وشعبنا للخلاص والسلام والأمن والسلامة والكرامة وهنيء العيش.
أنا اليوم أود أن أتحدث قليلاً عن المناسبة وصاحبها ومنها أدخل إلى بعض النقاط المحلية والإقليمية بالاختصار الممكن إن شاء الله.
طبعا سأؤجل أي حديث عن التهديدات الإسرائيلية التي استمعنا إليها خلال الأيام القليلة الماضية وعن مؤتمر هيرتزيليا وعن مجمل قضية الصراع العربي الإسرائيلي وتطور العلاقات العربية الإسرائيلية والأداء العربي في الموضوع الفلسطيني والإسرائيلي إلى يوم الجمعة المقبل إن شاء الله عندما نحيي سويا ـ إن أبقانا الله على قيد الحياة ـ يوم القدس العالمي الذي كان قد أعلنه سماحة الإمام الخميني قدس سره الشريف للقدس في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك.
نحن بلا شك نحن في حزب الله خصوصاً، ومن خلال استشهاد القائد الأخ العزيز السيد مصطفى بدر الدين، فقدنا قائداً كبيراً من قادة المقاومة وركناً أساسياً من أركانها وعقلاً مبدعاً من عقولها المبدعة، وهو الذي كان قائداً شجاعاً مقداماً صلباً، من الذين تجدهم بين يديك، بل تجدهم أمامك في الملمّات الكبرى والتحديات الخطيرة، ثاقب الرأي، لأنه ـ عادةً الناس بالزلازل والعواصف والشدائد قد تحتار عقولها أو تتزلزل إرادتها أو تضعف أفئدتها ـ ثاقب الرأي، ثابت القدم، قوي الفؤاد، عالي الهمّة، ذا عزم وحزم، لا يضعف ولا يجبن ولا يتزلزل مهما كانت العواصف والشدائد.
أنا لا أريد اليوم أن أعيد ما قلته في ذكرى الأسبوع عن دوره ومهامه وإنجازاته وقيادته في المقاومة على مدى سنوات طوال، في الجانب الأمني وفي الجانب العسكري، وخصوصاً أن هذا النوع من القادة لا يمكن الحديث عن كثير من خصوصياته ولا عن كثير من أنجازاته، خصوصاً أن المقاومة ما زالت في قلب المعركة. قد يأتي زمان في هذا الجيل أو في أجيال مقبلة تفتح فيه هذه الملفات وتُكتب فيه هذه الصفحات العظيمة والعزيزة.
اليوم أريد أن أقف عند نقطتين وأدخل من النقطة الثانية إلى الوضع السياسي: الأولى دور السيد الشهيد السيد مصطفى في موضوع إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية. هذا طبعاً كان من الملفات المهمة جداً في عمل المقاومة، والمعقدة جداً، والتي تحتاج إلى صبر جميل أيضاً ـ واليوم سنتحدث كثيراً عن الصبر الجميل ـ تحتاج إلى صبر طويل ونَفَس طويل ودأب.
هذه القضية طبعاً كانت من اهتماماته الأساسية، لعل ذلك أولاً لأنه مقاوم بل في قيادة المقاومة، ثانياً نتيجة الجانب العاطفي في شخصية السيد مصطفى التي تحدثت عنها في ذكرى الأسبوع، وثالثاً لأنه هو شخصياً عانى في السجون ويعرف ماذا يعني السجن والأسر وخصوصا السجن الانفرادي، ولذلك كان لديه اندفاع خاص في متابعة هذه القضية، وكان يتطوع لها. هو يقول يا أخي هذا الملف أنا سلّموني إياه، أنا أود أن أتابع وأود أن أفاوض، رغم المحاذير الأمنية التي تتعلق بشخصيته. وبالفعل، كل المفاوضات التي حصلت في أواخر التسعينيات، إلى آخر عملية تفاوض والتي انتهت بإطلاق سراح الأخ الشهيد القائد الأخ سمير القنطار وإخوانه الأسرى فيما سمي بعملية الرضوان من بعد حرب تموز كان رئيس فريق التفاوض فيها السيد مصطفى بدر الدين الشهيد. وإذا كنتم تذكرون، في عملية الرضوان، أنا شكرت الإخوة، وقلت للأسف هناك بعض الأسماء لا يمكننا أن نذكرها، هذا الاسم هو اسم مصطفى بدر الدين.
على كلٍّ، في هذا الملف عمل هو وإخوانه بشكل كبير جداً، وأنا أذكر تلك المفاوضات التي استمرت أحياناً سنوات وجلسات طويلة ومعقدة، ولكن بالحكمة والصبر والوعي والفهم والذكاء مع إخوانه في بقية الفريق والجهة المساندة لهم أيضاً، الحمد لله تم تحقيق إنجازات كبيرة على هذا الصعيد، ونستطيع أن نقول إن أسرانا ومعتقلينا في السجون أطلق سراحهم بكرامة وبعزّ وبدون منّة من أحد وبدون تفضّل من أحد علينا، بسواعد المجهادين وقبل كل شيء وبعد كل شيء بفضل من الله سبحانه وتعالى.
نعم بقي بعض الملفات العالقة التي لم تنجز بعد، والتي لم نصل فيها إلى نتيجة وهي تتعلق ببعض الإخوة اللبنانيين الذين يصرّ العدوّ الاسرائيلي، إما على أنهم ليسوا موجودين لديه أو أنهم استشهدوا وليس لديهم رفاة أو ما شاكل.
هذا ملف يجب أن يظل قيد المتابعة، إنما ذكرته لطبيعة المناسبة.
الأمر الآخر، هو اهتمام السيد الشهيد باحداث وتطورات المنطقة، في البعد الذي يرتبط بإسرائيل وفلسطين، والصراع مع العدو الاسرائيلي، هذا طبيعي في سياق مسؤوليته في المقاومة التي تحدثنا عنها سابقاً.
في السنوات الاخيرة حصلت أحداث كبرى في المنطقة، بطبيعة الحال، نحن لدينا ملفات موزعة ومسؤوليات مقسمة بين الإخوة القياديين، والأخ السيّد كان مسؤولاً عن عدد من هذه الملفات، منها مثلاً الملف الجهادي في العراق، منها الملف الجهادي في سورية وملفات أخرى. هو كان لديه تحمل كبير للمسؤولية وإحساس كبير بالمسؤولية وبالمخاطر الناجمة عن تطورات الأحداث في المنطقة.
طبعاً هناك دائماً في لبنان من يحاول أن يفكك المسائل ويقول مثلاً: ما دخلنا نحن اللبنانيين في العراق وما دخلنا في سوريا. حسناً، عندما يشكو اللبنانيون من مليونين سوري نازح، ويحاولون إحصاء حجم الإنفاق على هؤلاء من مليارات الدولارات وأعباء أخرى من اقتصادية ومالية وأمنية. هذا ناتج ماذا؟ هذا ناتج الأحداث في المنطقة، في العراق وفي سورية، وغيرها أيضاً. الأخطار الأمنية ناشئة عن هذه الاحداث؟ على كل، هذا الإيمان، هذا الاعتقاد الموجود لدى حزب الله وكثير من أصدقائنا في لبنان، كان قوياً في السيد مصطفى، أنه صحيح أننا نحن نساعد العراقي في العراق والسوري في سوريا، ولكننا نحن هنا ندافع عن لبنان، عن شعبنا في لبنان، عن أمن لبنان، عن مستقبل لبنان، عن مصير لبنان، لانه لا يمكن تفكيك لبنان ومصير لبنان ومستقبل لبنان عما يجري في كل المنطقة وخصوصاً في سورية والعراق، لذلك كان له متابعة أكيدة جداً.
أنا أذكر مثلاً من العراق وأكتفي به لأني أريد أن أتحدث قليلاً في موضوع سورية، عن السيد وعن سورية. عندما هاجمت داعش وفي أيام وليالٍ قليلة للأسف الشديد استطاعت أن تسيطر على محافظة الموصل وجزء كبير من محافظة الانبار وجزء كبير من محافظة ديالى وجزء كبير من محافظة كركوك، وعلى كامل محافظة صلاح الدين تقريباً، وهذا طبعاً ما كان ليحصل فقط بخطوة داعشية محلية بحتة، ليس مناسباً أن نعود ونفتح هذا الملف، هذا كان مشروعاً ضخماً، له علاقة بالأميركيين، وكما تعرفونني أنا أتكلم بشفافية، له علاقة بالأتراك وبالسعودية وبالإقليم، ضمن رؤية معينة للعراق ولكل الوضع في المنطقة. لاحقاً انقلب السحر على الساحر، هذا بحث اخر، داعش أعلنت الخلافة وهددت السعودية بحث آخر. على كلّ، أصبح هناك وضع صعب في العراق وحالة استنفار ودعوات إلى الجهاد، اتصل الإخوة من العراق، وقالوا: نحن غداً نحتاج ـ يعني الكلام كان في فترة المغرب وهم يتحدثون عن اليوم الثاني ـ نحن نحتاج منكم يا إخواننا في حزب الله إلى العدد الفلاني من كوادركم وقيادييكم، لا نريد مقاتلين، لدينا مقاتلون، نريد قادة، نريد كادر ينقل تجربة، يقود في الميدان، يدرب، يخطط يساعد في التخطيط، وأيضا يضخ المعنويات. هذه يمكن هي أول مرة نتكلم فيها، ولكن يجب أن نتكلم فيها، لا يضر الكلام فيها، ممكن أنه يفيد. أنا بين الساعة العاشرة والساعة الحادية عشر ليلاً، تصلني هذه الرسالة، رسالة لهفة واستغاثة، اتصلت بالاخ السيد مصطفى بدر الدين، باعتبار أنه هو المسؤول المعني، هو المتابع لهذا الملف وأخبرته بأن الإخوة قالوا كذا وكذا وهذه هي الاحتياجات، وغداً صباحاً يجب أن يكون الإخوة بهذه المواصفات من قياديين وكوادر هذا العدد جاهزين، ووسيلة النقل جاهزة لنقلهم الى بغداد.
خلال ساعات، نحن طبعاً لسنا عسكر وجنرالات وقياديين جالسين في السكنات، نحن أناس نعيش في بيوتنا وضيعنا ومدننا وأشغالنا، سحب هذه الأعداد من محاورها ومن بيوتها. وعندما تتكلم بكادر قيادي فأنت تتكلم عن أناس لديهم عائلات ونساء وأطفال، وهناك بعضهم أصبح لديه أحفاد أيضاً ممن ذهبوا إلى العراق في تلك الليلة، عند الفجر كان العدد المطلوب من القيادات الجهادية في حزب الله جاهزاً للانطلاق الى بغداد. هذا عمل ليس بمقدور أي شخص أن يقوم به، أن الناس تترك بنصف الليل بيوتها وعائلاتها ونساءها وأطفالها وأعمالها وأشغالها لأن هناك نداء استغاثة، نداء استغاثة لو لم يلبى من كل الذين لبوا هذا النداء، وبالدرجة الأولى من الشعب العراقي نفسه، من الإخوة في إيران، من حرس الثورة الإسلامية في إيران، من الجنرالات الإيرانيين، ومن العراقيين ابتداء، أولا وآخراً من الإخوة العراقيين، جيشهم وشعبهم، واستجابوا لنداء مرجعيتهم، وقياداتهم، وأحزابهم وقواهم والأصدقاء الذين لحقوا بهم، لكانت داعش اليوم في بغداد وفي بقية عواصم دار الخلافة الداعشية، التي أعلن عنها أبو بكر البغدادي من الموصل، ولكانت المنطقة في كارثة لها أول وليس لها آخر.
هذا مثل، والحمد لله رب العالمين الصبر الجميل في العراق، الجهاد المضني الثبات، الوعي رغم كل الصعوبات، في العراق يوجد صعوبات هائلة على المستوى الإداري والشعبي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والأمني، رغم كل هذه الصعوبات، وجدنا ان العراقيين استطاعوا أن يدحروا داعش بإرادة القتال الصلبة، وأن يصنعوا لأنفسهم وحدة وطنية، وتحت راية هذه الراية الوطنية هزموا داعش، خلافاً لما تريده بعض الفضائيات العربية التي تدافع عن داعش ليل نهار، وتقاتل إلى جانب داعش بالأكاذيب والإشاعات والفتنة المذهبية والتحريض الطائفي ـ وتعرفونها، عندما تقلبون التلفزيون ستعرفون من أقصد ـ ولحقت الهزيمة بداعش، وكانت الهزيمة الأخيرة هي هزيمة تاريخية وعظيمة جداً في الفلوجة، التي نسأل الله أن يستكمل انتصارها وتطهيرها.
والعراقيون الذين يقاتلون اليوم في الفلوجة وفي الأنبار وفي الموصل هم يدافعون عن كل المنطقة وعن كل الأمة وعن كل شعوب هذه المنطقة وعن العالمين العربي والإسلامي، وليس فقط عن مدنهم.
يجب هنا أن نخص بالتحية إخواننا من علماء السنة والزعماء السياسيين السنة في العراق، الذين كانت لهم مواقف شريفة جداً في تغطية هذه المعركة، وأسقطوا وأحبطوا مساعي أولئك الشياطين الفتّانين الخبثاء الذين أرادوا أن يصوّروا للعالم وللعراقيين أن معركة تحرير الفلوجة هي معركة شيعة وسنة ومعركة مذهبية وطائفية.
أنتقِلُ إلى سورية، السيد الشهيد السيد مصطفى (رضوان الله عليه)، منذ الأيام الأولى أيضا كان لديه اعتقاد قوي جداً، كان لديه أولاً فهم ومعرفة بالتهديدات وبالمخاطر مثل بقية الإخوة، لاننا في النهاية نجلس كلنا لنتناقش، ممكن أن نتفاوت في تشخيص التهديدات والأخطار أو تقييم الأحداث أو تقدير الموقف، أو اقتراح مسودة قرار معينة. هو منذ البداية كان من أولئك الذين كانوا يؤمنون ويفهمون جيدا حجم الأخطار والتهديدات التي يشكلها الوضع في سورية، ويفهم جيداً الأهداف الحقيقية التي تقف خلفها هذه الأحداث. لو بقيت الأمور في سورية مسألة حراك سلمي كان من البدايات هناك اتجاه قوي للحوار السياسي، ولكن دُفع بالأحداث في سورية إلى القتال ورفض أي شكل من أشكال الحوار السياسي من قبل الدول التي أدارت هذه الفتنة في سورية. وأيضاً كان من القلة القليلة هنا، التي تعتقد بوجود فرصة لتجاوز هذه المحنة، فرصة للانتصار، وهذا مهم جداً إخواني، تعرفون انه في ذاك الوقت كان كل دول العالم يعتقدون ويقولون وكل الفضائيات في العالم وكل المحللين السياسيين إلا قلة قليلة جداً جداً جداً، وحتى الكثير من الحلفاء وأصدقاء لسورية وحتى في داخل سورية، كثيرون كانوا يقولون خلاص، موضوع سورية أسابيع وأشهر ليس أكثر، حتى سنة، ولا أعتقد انه كان هناك ممن كان يضع سنة، نتيجة الحرب الكونية والحرب الإعلامية والنفسية ومئات الفضائيات وبكل اللغات الحيّة في العالم وحجم التحريض وإعطاء الموضوع بعداً طائفياً ومذهبياً، كان مهولاً جداً، والتطورات المتسارعة في الميدان، عندما كانت المعركة في أهم المدن السورية والتداعي السريع للأرياف، لأن الجيش ليس موجوداً في الأرياف، أي مسلح يستطيع أن يأخذ مئتين قرية و500 قرية لأنه لا يوجد جيش منتشر، وأيضاً القليل من رجال الشرطة ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟
على كلًّ، عندما كانت المعركة في قلب دمشق وفي محيطها وفي قلب حمص وفي قلب حلب، وفي قلب المدن الأساسية في سورية وهذا الهجوم الكوني على سورية، كان من الصعب على المرء أن يقول إننا نستطيع بإرادتنا وعزمنا وبحضورنا نحن والسوريين وبقية الحلفاء أن نواجه وأن ندفع هذه الاخطار وأن نسقط هذه التحديات، هذا كان (ممكناً) في عقل السيد مصطفى بدر الدين. هذا طبعاً يدل على وعي تاريخي، لأن التجربة بعد أربع وخمس سنوات تؤكد صوابية هذا الفهم، وسلامة هذا العقل، والذي كان حضوره في عالمنا العربي والاسلامي قليلاً جداً ونادراً.
وهو ليس فقط نظّر لها الأمر بل تطوّع له، وقال لي وللإخوة: أنا حاضر أن أحمل هذه المسؤولية، أنا حاضر أن أذهب إلى هذا الميدان وإلى هذه المعركة الخطيرة جداً واحتمال الخسارة فيها، والتي هي بنظر الكثيرين كبيرة جداً. وعادةً القائد العسكري يفضّل أن يذهب إلى المعارك التي تلوح منها بشائر النصر ليسجّل في ملفاته انتصارات وانجازات، قال أنا حاضر لأن أذهب إلى هذه المعركة، وإذا لزم الأمر لأن أُقتل في هذه المعركة، أنا جاهز لأن أُقتل في هذه المعركة، لأننا في هذه المعركة نحفظ بلدنا وشعبنا ومقاومتنا ومشروعنا الأساسي، وهو مشروع مواجهة إسرائيل والمشروع الصهيوني في المنطقة وفي فلسطين.
وواكب كل المراحل، كل مراحل الصراع، عندما كانت المعركة على بوابات دمشق، وأحياناً داخل أحياء دمشق، وسقطت الأرياف في محيط دمشق، أغلب الأرياف، وذهب إلى هناك، وكان هناك هو وكل إخوانه. نحن عادةً لا ننسب الفضل إلى واحد، من أجل أن نعترف بفضل الجميع، لكن كما عوّدتكم، دائماً نتحدث عن الشهداء بالإسم، أما الأحياء فنذكرهم بالصفة، ولا نتحدث عنهم بالأسماء، حضروا وقاتلوا وثابروا إلى جانب الجيش السوري وإلى جانب الشعب السوري وإلى جانب كل الحلفاء الذين حضروا منذ البدايات، ومضت سنوات قاسية وصعبة. الآن يوجد بعض المحللين السياسيين من الخصوم وحتى بعض الأصدقاء يتأثرون بهم، يقول لك إنه الآن الحضور الروسي، طبعاً أعطى دفعاً كبيراً جداً للمعركة في سوريا، لكن دائماً يجب أن نُذكر أن السوريين وأصدقاءهم قاتلوا أربع سنوات في أشد السنوات قحطاً وصعوبةً وقسوةً، ولم يكن يوجد أي أحد، لا طيران روسي ولا قواعد عسكرية روسية ولا شيء من هذا القبيل، الآن طبعاً الظروف أفضل بكثير من أي وقت مضى.
من دمشق إلى كل الميادين والساحات، ذهب إليها السيد مصطفى، وأنتم تعلمون والآن أصبح واضحاً أنه كانت لديه مشكلة في المشي، كان المشي يتعبه ويجهده، ولكن تقريباً لم تبقَ منطقةً في سوريا لم تطأها قدماه: من دمشق، إلى الزبداني، إلى القلمون، إلى محافظة حمص، إلى حمص المدينة، إلى شمال اللاذقية، إلى ريف اللاذقية، إلى سهل الغاب، على بوابات إدلب، وإلى حماه، إلى طريق أثريا، إلى حلب، إلى ريف حلب، إلى تدمر، إلى جنوب سوريا، في المواجهات والمعارك الكبرى التي حصلت في الجنوب، في منطقة القنيطرة وفي منطقة درعا، هو وإخوانه حضروا حيث يمكن وحيث يجب وحيث يستطاع أن يكون هناك حضور كان حضور.
طبعاً، آخر الملفات التي أريد أن أدخل منها لأبدأ بالوضع الحالي،آخر الملفات والساحات كان ملف حلب وساحة حلب، كلنا يذكر قبل أشهر كان من الواضح أنه يوجد قرار كبير جداً، دولي وإقليمي، وعندما أقول إقليمي فيعني تركيا والسعودية، بتوظيف واستقدام المزيد من الجماعات المسلحة، ويقولون لك أنا أحارب التكفير وأحارب الإرهاب وما زالوا يقومون باستقدامهم، جيء بالآلاف في الأشهر الماضية وأُدخلوا من طريق تركيا إلى شمال حلب، لأنه كان هنالك مشروع جديد. المشاريع السابقة كلها سقطت، إذا رجعنا بشكل سريع، بشكل متسلسل: مشروع إسقاط دمشق من أريافها إنتهى، وتذكرون المواجهات الكبرى، خصوصاً في شهر رمضان قبل أعوام، ومشروع (الانطلاق) من لبنان من البقاع من جرود عرسال إلى الشمال والبحرالمتوسط على القصير وعلى حمص لقطع طريق دمشق عن الساحل ومحاصرة دمشق والإطباق عليها من كل الجهات هذا سقط. في العام الماضي الهجوم من جهة الجنوب وغرفة عمليات المورك وعاصفة الجنوب، إذا تذكرون، الحملة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة من الجنوب سقط، والجنوب كان يستهدف الوصول إلى دمشق، داعش والرقة ودير الزور والإندفاع إلى تدمر للوصول إلى دمشق، لأن الكل يفهم جيداً، طالما دمشق صامدة يعني هو لم يحقق هدفه في إسقاط النظام والسيطرة على سوريا، هذا ايضاً سقط في الصحراء وتدمر، أخيراً في تدمر، وماذا يبقى آخر شيء؟ يبقى الاندفاعة من الشمال، الاندفاعة من لبنان خلصت وانتهت، الآن يوجد بعض المسلحين في جرود عرسال يشكلون تهديداً ، يقومون بتحضير سيارات مفخخة ” هم مش حالّين”، لأنهم مازالوا يشتغلون بالسيارات المفخخة، ومشكورة الأجهزة الأمنية وهم فعالون بقوة على هذا الموضوع.
الإندفاعة من لبنان إنتهت والإندفاعة من الإردن ومن الجبهة الجنوبية بدرجة يمكن فوق ال90% إنتهت، داعش بعد تدمر وإنسحابها والمعارك التي تخوضها على أكثر من جبهة، الإندفاعة الشرقية باتجاه دمشق إنتهت، الآن يوجد الشمال، في حلب، لماذا؟ أحب أن أشرح هذا الموضوع، أولاً للسوريين وثانياً للبنانيين وثالثاً لكل الذي يحب أن يفهم حيثياتنا لماذا نحن في حلب؟ لأنه على قاعدة حيث يجب أن نكون نكون أو سنكون، فهل يجب أن نكون؟
هذا الذي أحب أن أتكلم عنه قليلاً. لقد جاءوا بآلاف المقاتلين من كل أنحاء العالم مجدداً ومن جنسيات مختلفة، والحدود السورية التركية مفتوحة، ليست مفتوحة منذ أيام زمان، كلا مفتوحة بشكل علني “أي عالمكشوف”، آليات وجحافل وقوافل ودبابات ومدافع تدخل إلى هذه المنطقة، الهدف ما هو؟ الهدف هو إسقاط ما تبقى من محافظة حلب ومدينة حلب بالتحديد، السيطرة على مدينة حلب، طبعاً قبل ذلك قطع الطريق على حلب المعروف، ومن حلب تندفع القوات باتجاه حماه وحمص وصولاً إلى دمشق. إذاً نحن أمام موجة جديدة، ليس أمام حادث طارىء أو اشتباك تفصيلي، نحن أمام موجة جديدة أو مرحلة جديدة من مشاريع الحرب على سوريا تُخاض الآن في شمال سوريا وبالتحديد في منطقة حلب.
القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن بقية سوريا، وهو دفاع عن دمشق، وهو دفاع أيضاً عن لبنان، وهو دفاع عن العراق، وهو دفاع عن الأردن الذي دفع قبل أيام قليلة أمس أو أول أمس بعض أثمان الأخطاء في دعم الجماعات المسلحة، أنا قرأت ـ على ذمة التلفزيونات لا أعرف لا أتحدث على ذمتي ـ أن هذه السيارات المفخخة التي إستخدمها الإنتحاريون ضد الجنود الأردنيين كانت قد أعطتها الحكومة الأردنية للجماعات المسلحة، هذا جزاء الإحسان إذا كان إحساناً، هذا رد الجميل.
على كلٍ، إعطاء فرصة جديدة للمشروع الأميركي، بصراحة الأميركي السعودي التكفيري، ليصنع إنجازاً كبيراً في سوريا يهدد كل إنجازات السنوات الماضية، ويهدد كل المنطقة بخطر، ولذلك وجب أن نكون في حلب فكنا في حلب ووجب أن نكون في حلب وسنبقى في حلب، هذا هو الموقف، هذا الموقف ترجمه السيد ذو الفقار وأخوة السيد ذوالفقار في المقاومة الإسلامية، وذهبوا إلى هناك بأعداد كبيرة، نعم، عددنا الموجود في منطقة حلب هو عدد كبير، وليس عدداً متواضعاً، من كوادرنا ومن شبابنا ومن رجالنا لأن هذه هي طبيعة المعركة وهذه حقيقتها وهذه هي إستهدافاتها.
ما يجري الآن في منطقة حلب وما جرى هو معركة طاحنة، أسمحوا لي أن أتكلم هنا بالمباشر، أنه نحن سقط لنا عدد من الشهداء وسأتكلم عن العدد الدقيق، فمثل العادة في لبنان وأيضاً بعض الإعلام العربي الممول خليجياً حملوا حملة أن حزب الله ينهار في حلب، وينهار في لبنان، وحزب الله يتلقى ضربات قاسية، وحزب الله… “أوف أوف على مهلكم شو القصة”، طبعاً نحن عادةً لا ندخل في هذا النوع من السجالات، لكنهم يأخذون راحتهم، أنا اليوم لا أريد أن ألف على الموضوع كلا أريد أن أتكلم فيه بالمباشر. طبعاً هؤلاء إسمحوا لي أن أقول لهم: أنتم تخترعون الكذبة وتصنعونها وتشيعونها ومن ثم تصدقونها وتنعون فيها وتنبسطون فيها، مثل قصة جحا والضيعة والعرس، التي يعرفها كل اللبنانيين، هذه هي قصتنا مع كل هذا الفريق السياسي والفريق الإعلامي الذي هو بالحقيقة في داخله مع داعش، مع داعش في الفلوجة ومع داعش في الرقة ومع جبهة النصرة في حلب وإدلب، في داخله، الآن سيقولون إن السيد يتهمنا، هذه تلفزيوناتكم وبياناتكم ومواقفكم، هذا جزء من الحرب النفسية علينا. لكن أنتم مخطئون.
الآن لنوضوح الموضوع قليلاً، عندما نُقيّم أي معركة يجب أن نأخذ كامل المشهد، وعندما تأتي وتقول لي خبر مقطوع من أي صورة كاملة. 26 شهيد لحزب الله من أول حزيران إلى اليوم وأسيرٌ واحد ومفقودٌ واحد، هذه هي المحصلة الدقيقة، نحن لا نقول أرقاماً عادةً، لكن نريد أن نعالج موقفاً لنتكلم عن الأمور بدقة، 26 شهيد وأسير واحد ومفقود واحد، كل الكلام الثاني، خمسون وستون ومئة ومئتان “هذا حكي فاضي”.
حسناً، مرة تأخذون مقطعاً مجتزأً ومرة تأخذون جزءاً من الصورة الكاملة. تعالوا لنرى الصورة الكاملة: توجد معركة كبيرة في حلب، تستهدف المدينة وتستهدف المنطقة، استهدافها على مستوى كل سوريا وعلى مستوى كل المنطقة، تقف خلفها دول إقليمية وحُشد لها آلاف المقاتلين، ووقف في وجه هذه الحملة ـ ببسالة وببطولة ـ السوريون من الجيش السوري والقوات الشعبية وحزب الله، والحلفاء من أكثر من بلد، من إيران ومن غير إيران، نعم وقاتلوا واستبسلوا وصمدوا وثبتوا وأسقطوا حتى الآن، منعوا تحقيق هذا المشروع، أن تربح ضيعة أو تخسر ضيعة هذا لا يغيّر من المشهد كثيراً، أصلاً الذي راح ووسّع الجغرافيا هي هذه القوات، وسّعت الجغرافيا وعملت حزام أمان كبير جداً لمدينة حلب، وفتحت الطريق إلى نبل والزهراء، عملت إنجازاً ضخماً إلى حد أن المحور الآخر كاد أن ينهار، دعونا نجري نقداً ذاتياً، كاد أن ينهار المحور الآخر، فتدخلت أميركا ومجلس الأمن الدولي وضغطوا على روسيا والمجتمع الدولي وفرضوا على الجميع وقف إطلاق النار. من إستفاد من وقف إطلاق النار في حلب؟ الذين جاءوا الآن بالآلاف من المقاتلين وبالدبابات وبالملالات وبالمدافع وبالذخيرة ليعيدوا تجديد حياة هذا المشروع الإستهدافي.
إذاً، هناك إنجازات كبيرة حصلت في حلب، توسعة جفرافية واسعة شكلت حزاماً أمنياً للمدينة، وفتح الطريق وكسر الحصار عن مدينة حلب، وهي التي كان يُقطع طريقها كل يوم ويومين، وصمدوا في مواجهة الهجمات الشرسة والقاسية التي شُنّت عليهم من قبل تلك القوات. حسناً سقط لدينا 26 شهيد، خيراً، وعند الإخوان السوريين وبقية حلفائنا يوجد شهداء، لكن في المقابل ماذا؟ هنا أريد أن أفتح هلالين: أنظروا إلى الحرب مع “إسرائيل”، نحن كنا نتكلم عن شهدائنا وعن خسائر العدو، وكان هذا جزءاً من المعركة، وجزءاً من الحرب النفسية وجزءاً من الإعلام، طبيعي جداً، إذا كنت تقول في المقاومة هنا شهيدان وهنا ثلاثة وهنا خمسة، حسناً ماذا عن العدو؟ لا تتكلم عن العدو؟ يمكن أن يستغل الأمر سلبياً، لكن كنا نتكلم عن العدو، نتكلم عن جنوده وعن قتلاه وعن جرحاه ونُصوّر دخولنا على مواقعه وتدمير دباباته وتدمر آلياته وعملياتنا الإستشهادية، هذا كان يُكمل مشهد الشهداء، ويعطي إنجازاً معنوياً.
نحن لأسباب عديدة لا وقت الآن لذكرها، في سوريا كنا نقاتل بصمت، ولا يوم من الأيام جئت أنا ـ إلا يوم جرد عرسال والقلمون فعلنا ذلك ـ ولا يوم جئت وقلت هذا عدد شهدائنا، هذا عدد قتلى الجماعات الإرهابية، أبداً، الآن هناك أسباب عديدة لماذا لم نفعل ذلك، لكن اسمحوا لي استثناءً أن أحكي لكي، أقول لكم كم حجم المعركة الوجودة في حلب.
من 1-6، لا أريد أن أحكي من 3 شهور 4 شهور، أو 5 شهور عندما بدأت المعركة الحقيقة هناك، لأنه إذا قلت لكم الأرقام هناك أناس حتى من الأًصدقاء لن يستوعبوا، فدعونا من 1-6-2016 يعني بداية الشهر الحالي إلى 24-6-2016. الأرقام التي أريد أن أقولها لكم موثقة عندنا بالمكان واليوم والساعة والزمان والإسم، وحتى إذا دخلتم إلى تنسيقيات المسلحين (ستجدون) كثيراً من هذه الأسماء موجودة على تنسيقياتهم، لكن لا أحد يعمل عليهم، العالم كله شغّال علينا، يحصي شهداءنا وينزل أسماءهم ويعمل منهم كارثة إنسانية، و”يحترق قلبه على شبابنا”.
حسناً، إحصاء سريع لأننا نريد أن نستفيد من الوقت. قتلى الجماعات المسلحة، فقط من 1 حزيران لـ 24 حزيران هو 617 قتيل، بينهم عشرات القادة الميدانيين وبعض القادة الكبار، وأسماء القادة موجودة على تنسيقيات الجماعات المسلحة. عندهم أكثر من 800 جريح، فقط من 1 الشهر، الجريح عادة يُربك أحياناً بالنسبة لبعض الناس، يمكن بعض الجرحى يُربكون أكثر من الشهداء. وتم إعطاب وتدمير أكثر من 80 دبابة وملالة وآلية عسكرية، في هذه الجبهة، تعرفون هذا عدد ضخم، تحكي بـ 80 دبابة وآلية وملالة، هذا لا نتكلم عن مرابض المدفعية التي تم تدميرها، مقرات العمليات، غرف العمليات، المعسكرات، المخازن، دعوا هذا جانباً.
حسناً، هذه المحصلة ضعوها في المشهد بالكادر كله وأدخلوا 26 شهيداً ومفقوداً وأسيراً واحداً، في هكذا معركة ينبغي أن يكون عدد الشهداء أكبر من ذلك، الآن بالمحصلة الجغرافية خسرنا ضيعة، تركنا ضيعة، ليس هذا الموضوع، الموضوع هو مجمل المعركة، هل يحقق، هل تسمح له أن يتقدم باتجاه أن يحقق هدفه، هل تلحق به الخسائر الفادحة التي تمس إرادة القتال لديه لتقول له إن مشروعك فاشل، ما الذي أوقف عاصفة الجنوب، خمس مراحل عاصفة الجنوب بدرعا، الذي أوقفها هو حجم الخسائر البشرية في صفوف الجماعات المسلحة، أثخنت بالجراح، لم تعد قادرة على الإكمال، جاء السعودي وضغط عليها، وضغط الأميركان ودفعوا أموال، خلص أثخنت، عدد القتلى والجرحى والشك والريبة كان كبيراً إلى حد أنه لا يوجد إمكانية لتحقيق إنجاز، وهذا هو الذي يراد أن يحصل في منطقة حلب.
طبعاً هناك شهداء من الإخوة السوريين، من الإخوة الإيرانيين، من بقية الحلفاء الأعزاء ولكن نحن هنا نتحدث عن معركة بهذه الضخامة، بهذا الحجم، بالعكس، الذين صوروا أن ما جرى في حلب في الأشهر القليلة الماضية هو هزائم متتالية هم لا يفهمون حقيقة المعركة، الذي حصل في حلب هو صمود تاريخي وكبير جداً أمام حجم المؤامرة الجديدة والمرحلة الجديدة، وطبعاً هذا يرتب الآن مسؤولية إضافية، مزيد من الحضور في حلب من الجميع، ليس فقط من حزب الله، نحن سوف نزيد حضورنا في حلب، المطلوب من الجميع أن يحضر لأن المعركة الحقيقية الآن هناك، والمعارك الأخرى قد تكون ذات طابع دفاعي أو محلي أو محدود، ولكن المعركة الحقيقية، الاستراتيجية الكبرى الآن في سوريا هي المعركة في مدينة حلب وفي منطقة حلب، والتي لا يجوز التراجع فيها أو الوهن أو الضعف أو الشك أو التردد، أو الخضوع للأكاذيب والإشاعات والحرب النفسية الكاذبة والمضللة، وهذه إرادة إخواننا هناك، هذه إرادة إخواننا هناك الذين بعثوا برسالة المجاهدين كما فعلوا في حرب تموز، هم أنفسهم الشباب الذين قاتلوا في حرب تموز، هذه إرادتهم، هذا ثباتهم. الآن بعض الناس يقول لك البيئة في لبنان هُزّت وزُلزلت، هذه البيئة التي بذهنك أنت، التي بعقلك، بيئتك، أما بيئتنا لا، بيئتنا ليست كذلك على الإطلاق، بيئتنا تزداد يوماً بعد يوم إيماناً بهذه المعركة، واثقة بصوابية هذا الخيار، لأنها ترى كل ما يجري في المنطقة، ترى كل ما يجري في المنطقة وتفهم جيداً المشاريع، نحن لا ندس رأسنا في التراب، أبداً، نحن لا يمكن أن نغفل في هذا الأمر على الإطلاق.
ولذلك اسمحوا لي أيضاً بجملتين، الآن لن نعمل رسالة طويلة للشباب لأقول لهم أنتم الصادقون في وعدكم لله عز وجل وأنتم الأمناء على المصير وعلى الكرامة وعلى المستقبل وعلى وصايا الشهداء وعلى المقاومة، وأنتم حقيقة العشق الحسيني الذي يأتي بكم من قرى وبلدات الجنوب والبقاع وكل أحياء لبنان لتذهبوا 500 كيلومتر لتدافعوا هناك في معركة الحق، وأنتم الذين راهنا عليكم في حرب تموز نراهن عليكم في هذه المعركة، ونحن نثق بالله وبرجال الله، بكم، أنتم الذين صنعتم المعجزة والتاريخ في المنطقة وأسقطتم مشاريع أميركا وعملاء أميركا في المنطقة في حرب تموز، أنتم الذين ستسقطون مشاريع التكفير والفتنة والهيمنة والتسلط في المنطقة كما فعلتم في حرب تموز.
ولذلك إخوة الشهيد القائد الجهادي الكبير السيد مصطفى بدرالدين سيكملون في حلب ما بدأه السيد مصطفى، وسيكملون في سوريا ما بدأه السيد مصطفى، وعندما تتطلب الحاجة في العراق سنفعل كما فعل السيد مصطفى، لأن هذا طريقنا وهذا خيارنا وهذه ثقافتنا وهذه مسؤوليتنا وهذا إيماننا. وإن غداً لناظره قريب إن شاء الله، وإن غداً لناظره قريب.
إخوة الشهيد القائد السيد مصطفى بدرالدين لن يتركوا الميادين ولن يتركوا الساحات وهم أهل لذلك، لائقون لذلك، يليق النصر بهم ولن يأتوا إلا ومعهم رايات النصر، سيكون هناك شهداء وقوافل شهداء، لأنه من الشهداء والشهادة يأتي النصر، الشهادة والشهداء والثبات الذي يعبر عن الصبر الجميل يأتي معه الفرج القريب.
اسمحوا لي في بقية الوقت أن أتناول نقطتين أو ثلاثة بشكل سريع، لكن تحملوني قليلاً. الآن لن أتكلم عن الوضع السياسي المحلي والحكومي والصفقات والفضائح الجديدة بالنفايات وطاولة الحوار وقانون الانتخاب وانتخابات الرئاسة و.. حديث يطول ومكررات قد تكون قد أصبحت مملة أحياناً، فلذلك أريد أن أحكي نقطتين محليتين ونقطة إقليمية.
النقطة الأولى المحلية سريعة جداً، في موضوع إطلاق النار في الهواء، نحن ندعو إلى معالجة وطنية شاملة، ثقافياً، اجتماعياً، إعلامياً، سياسياً، تنظيمياً، حزبياً، السلاح منتشر في كل لبنان، هذا الموضوع لا يخص حزباً أو تنظيماً دون جهة أخرى، يعني لا أحد يستطيع أن يقول هذا السلاح ليس عندي منه، كل العالم عندها “كلشينات”، تمام، والذي ليس عنده “كلشن” عنده M16 كل العالم عندها سلاح، بيوت اللبنانيين مليئة بالسلاح، والكل يخرج ويطلق الرصاص، على البروفية، الذي ابنه ناجح يطلق الرصاص والذي ابنه راسب يطلق الرصاص، هذا فرح وهذا غضب، إن شاء الله لا يطلق الرصاص على ابنه، فهذه ظاهرة لبنانية قديمة من عشرات السنين من قبل أن يخلق حزب الله، أن البعض يحاول أن يحملنا ويلبسنا هذا الثوب، هذا والله من زمن أبي وجدي وجد جدي أيضاً. لذلك يحتاج إلى معالجة وطنية كاملة وشاملة.
نحن في حزب الله أخذنا قراراً، هذا الموضوع نريد أن ندخل فيه بقوة، إعلامياً، ثقافياً، اجتماعياً، تربوياً، توجيهياً، بمناطقنا، بقرانا، بمدننا، بأحيائنا، وعلى مستوى أفرادنا وتنظيمنا، بدأنا حملة واسعة على هذا الصعيد.
الشيء الذي أريد أن أعلنه اليوم، هو من أجل ذلك أريد أن أحكي بالنقطة، أريد أن أستفيد من الاحتفال وأريد أن أقول لكل شباب حزب الله، هذه أيضاً رسالة دماء الشهداء من مصطفى بدر الدين إلى عماد مغنية إلى الشهيد السيد عباس إلى الشهيد الشيخ راغب إلى كل الشهداء، نحن هذا الأمر بشكل قاطع نرفضه وسنواجهه، حسناً، حكينا، بلّغنا، عمّمنا، بحمد لله يمكن هذه الجمعتين الثلاثة من يوم ما أصدرنا التعميم الداخلي هناك نسبة إلتزام 100%، 99.99% يعني أحتاط، لكن مع ذلك نحن لم نكتفِ بالتوجيه الأخلاقي أو بالإشارة إلى العقوبة، لا، اجتمعت قيادة حزب الله وأجمعت، أخذت قراراً بالاجماع، من الآن فصاعداً، هذا بلاغ رسمي يعني، طبعاً نحن سنوزعه خطياً على كل أفرادنا والآليات الإجرائية الخاصة به، من يطلق النار في الهواء ويرتكب هذا العمل الحرام والمشين والمهين والمؤذي والمذل، لأنه برأيي، أنا قلت للإخوان وإخواننا موافقون، هذا بات أمراً مذلاً، واقعاً، أصبح أمراً مهيناً ومذلاً. من يطلق النار في الهواء من أفرادنا سيفصل من تشكيلاتنا، “حنزعبه يعني”، يطرد من صفوفنا، إن شاء الله يكون أًصبح له 30 سنة، إن شاء الله يكون قاتل إسرائيل 30 سنة، إن شاء الله يكون تاريخه الجهادي عظيماً جداً، هذه الخطيئة ستكون كافية بالنسبة إلينا لطرده من صفوفنا. نحن نأمل من الأحزاب والتنظيمات والحركات والفصائل السياسية في لبنان أن تبادر إلى اتخاذ خطوات مشابهة لكي نتعاون كلبنانيين جميعاً على إنهاء هذه الظاهرة الأثيمة والخطيرة والمؤذية في مجتمعنا.
النقطة الثانية، في الموضوع المالي وموضوع المصارف والقانون الأميركي.
من البداية، قبل أن يصدر القانون ويرسله الأميركان للبنانيين، كان هناك كلام واضح أن أميركا تتجه بهذا الاتجاه، وكان بدايات التصويت، أنا تكلمت وإخواننا تكلمنا بالإعلام وحذرنا من هذا الأمر. طبعاً من المسلمات التي لا تحتاج إلى تأكيد أننا نرفض هذا القانون جملة وتفصيلاً، لأسباب لها علاقة بالسيادة ولها علاقة بالقانون، ولها علاقة بنظرتنا لأميركا وموقع أميركا في العالم، الآن لا أريد أن أدخل فيه ليس عندي وقت، فهذا مرفوض إلى قيام الساعة، هذا القانون مرفوض.
النقطة الثانية بهذا السياق، أنا يومها حكيت، الآن أعيد وأذكّر، لأنه هناك أناس أيضاً هم يركّبون، يحلمون وبعد ذلك يذهبون ويكتبون ما حلموا ويصدقون ما حلموا به ويبنون عليه، يعني قرأنا مثلاً خلال الأسابيع الماضية عناوين مثلاً حزب الله ينهار مالياً، حزب الله ينهار اقتصادياً، يعني “تعوا يا عالم لمّونا” يا محسنين، يا كرام، سنموت الجوع، الحقونا.
للأسف الشديد هناك طفولية وهناك غباء وهناك قبح إلى هذا المستوى في بعض الإعلام اللبناني والعربي. حسناً، يومها أنا ماذا قلت، قلت هذا القانون حتى لو طبقته المصارف اللبنانية وبالغت في تطبيقه، بالنسبة لنا كحزب، فلأكون دقيقاً، لأن هذا سيبنى عليه هذا الكلام، بالنسبة لنا كحزب، كبنية تنظيمية وجهادية، هذا القانون لا يقدّم ولا يؤخر، ونحن لا نتضرر ولا نتأثر، نعم ضغط معنوي صحيح، ضغط معنوي، لكن ليس له أي أثر مالي ومادي على حزب الله، وشرحت لماذا، أعيد وأذكّر هؤلاء الأغبياء بما يلي: أنا قلت نحن لا يوجد عندنا مشاريع تجارية ولا عندنا مؤسسات استثمارية تعمل من خلال البنوك، حتى إذا عطلتموها ينكسر ضهرنا، أصلاً ليس عندنا، نحن وعلى المكشوف ويمكن هكذا في العالم كله لا يوجد، أنه واحد يطلع علناً وبشكل شفاف وصادق، ويقول للعالم كلها: :نحن يا خيي على راس السطح موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران، تمام؟”.
لا علاقة لأحد بهذا الموضوع، طالما يوجد في إيران “فلوس” يعني نحن لدينا “فلوس”، هل تريدون شفافية أكثر من هذا، ومالنا المقرر لنا يصل إلينا، وليس عن طريق المصارف، وكما تصل إلينا صواريخنا التي نهدد بها إسرائيل يصل إلينا مالنا، ولا يستطيع أي قانون أن يمنع وصول هذا المال إلينا.
الآن يوجد أناس يريدون أن يعترضوا فليعترضوا، هذا البحر، ما شاء الله، البحر الابيض المتوسط، اشربوا منه. وبين هلالين، نحن نتوجه بالشكر الجزيل، أبناء المقاومة وجمهور المقاومة وشعب المقاومة إلى أمام الأمة، سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي (دام ظله الشريف)، وإلى قيادة الجمهورية الإسلامية، إلى رئيس الجمهورية وحكومتها وبرلمانها ومراجعها وعلمائها وشعبها على دعمها الكريم لنا طوال سنوات المقاومة والذي ما زال مستمراً إلى اليوم، شكر كبير وجزيل.
ولذلك لا، أنتم لا تدفعون معاشات، نحن ندفع، أنتم موازناتكم متوقفة، نحن ندفع موازناتنا، أنتم الذين ما زلتم لم تدفعوا أعباء انتخابات عام 2009 نحن انتهينا من (أعباء) الانتخابات البلدية، نحن ليس لدينا أي مشكلة و”لا ينحرق قلب أي أحد علينا”.
نعم، أحياناً يمكن أن ننضغط لأن مصاريفنا تزداد، لأن مصاريف القوة المحلية تختلف عن مصاريف القوة الإقليمية، يعني جسمنا قد كبر ويجب توسعة قميصنا، يا أخي نحن غير قادرون على توسعته “ماشي الحال”، نحن إذا كنا مضغوطين لأن مصاريفنا زادت، وليس لأننا لدينا مشكلة مالية، نحن ليس لدينا مشكلة مالية، ولا تقدر كل مصارف الدنيا أن تعيق هذا الأمر.
عندما كانت العقوبات مفروضة على إيران، كان المال المخصص لنا يصل إلينا، عندما كان العالم كله يحاصر إيران.. لذلك لا تراهنوا على هذا الموضوع، “ريّحوا أعصابكم” ستجدوننا ما زلنا نشيطين، و”المَي بوجهنا” ولكن طبعاً لا يجب أن “نتخن” أكثر من هكذا.
الأمر الثالث هو الذي حذرنا منه، قلنا: الناس، البيئة، الجمهور، هذا الذي نحن حذرون منه وخائفون عليه، نحن لسنا خائفين على أنفسنا، على مسؤولي حزب الله وشباب حزب الله وبنية حزب الله وموازنات حزب الله ومراكز حزب الله، أبداً. الناس، لا تستهدفوا الناس، خيراً إن شاء الله، ما الذي حصل؟ اسمحوا لي أن أقول لماذا غضب حزب الله وكتلة الوفاء للمقاومة غضبت وأصدرت مواقف، وبعدها صار هناك مشكلة كبيرة في البلد. لأنه بصراحة وبشفافية أيضاً يوجد مصارف في لبنان ذهبت بعيداً، كانوا أميركان اكثر من الأميركان، بل عملوا شيئاً حتى الأميركيون لم يطلبوا منهم ذلك، طبعاً أنا لا أوافق حتى لو طلب الاميركان تعملوا، ولكن يا أخي الأميركان لم يطلبوا منكم، “أنتم وسّعتم البيكار”، أنتم ذهبتم إلى مؤسسات وإلى اسماء لم يشملها هذا القانون الاميركي الذي تقولون أنتم بأنكم محرجون بعدم تنفيذه، يوجد مؤسسات خيرية وجمعيات خيرية لم يرد اسمها في القائمة الاميركية قامت مصارف بحذف حساباتها، هذا عمل انساني؟ هذا عمل قانوني؟ هذا عمل وطني؟ هل يحمي هذا الاقتصاد اللبناني؟ هذا يحمي النظام المصرفي في لبنان؟ أو هذا اعتداء؟ اعتداء على الجمعيات الخيرية وعلى المؤسسات الخيرية وعلى الناس.
يوجد مصارف باتت تلحق الشخص إذا كان أبوه أخوه أخته ابنته صهره ينتمي لحزب الله ، تطلب منه أن “يلغي” الحسابات، هذا قانون؟ هذه وطنية؟ وهذه سيادة؟ أو هذا استغلال سيء، هذا اعتداء على أناسنا وعلى جمهورنا وعلى عائلاتنا، ونرفض نحن هذا الاعتداء ولن نقبل بهذا الاعتداء ولن نسمح بهذا الاعتداء، ومن يقول إنه حريص على الاقتصاد اللبناني، استهداف ثلث الشعب اللبناني أو نصف الشعب اللبناني، لانه غداً سيقول لك إن هذا السني يحب حزب الله وهذا المسيحي حليف لحزب الله وهذا الدرزي لديه موقف مشترك مع حزب الله، وتقوم المصارف بجلب صور مسؤولين سياسيين مع صور مسؤولي حزب الله لتحذف لهم حساباتهم من المصارف.
هل يحمي الاقتصاد اللبناني الاعتداء على شريحة واسعة من اللبنانيين؟ أو يدمر الاقتصاد اللبناني؟ من يقوم بتدمير الاقتصاد اللبناني؟ أنتم من يدمر النظام المصرفي في لبنان؟ التصرف اللامسؤول والعدواني من قبل بعض المصارف في لبنان.
نحن منفتحون على الحلول والعلاجات منذ اليوم الاول وفتح حوار مع المسؤولين المعنيين الرسميين ويوجد نقاش ويوجد بحث عن مخارج وليس على قاعدة قبولنا بالقانون، على قاعدة رفضنا للقانون ولكن نحن واقعيون، نحن أيضاً حريصون على البلد واقتصاد البلد وأمن البلد وسلامة البلد، ولذلك نحن ذهبنا إلى الحوار وما زلنا نتحاور ونتكلم ويوجد وسائط ويوجد جهات مسؤولة تقوم ببذل الجهود على هذا الصعيد، وهناك أمور يتم حلّها وهناك أمور إن شاء الله سيتم حلّها، والمسار الخاص بها مسار إيجابي.
ولكن أنا أريد أن أنبّه إلى هذا الموضوع، وطبعاً نحن نعلم أن هناك لبنانيين ذهبوا إلى واشنطن وحرّضوا على إصدار هذا القانون، ويوجد أعداء قد عملوا على هذا الموضوع، ولكن ضعوا هذا كله جانباً، يوجد لبنانيون حرّضوا على أكثر من الموضوع المالي ووضعنا الموضوع على جنب، نحن لا نقبل بأي تصرف عدواني تجاه أناسنا، تجاه جمهورنا، وفي الوقت نفسه نحن منفتحون على أي حوار لمعالجة هذا الملف.
النقطة الأخيرة قبل الخاتمة، نقطة إقليمية، طبعاً كان في بالي أن أتكلم قليلاً عن اليمن وغير اليمن، أتركه ليوم القدس، موضوع البحرين، الذي حدث في الأيام الأخيرة تطور خطير جداً، إسقاط الجنسية عن سماحة العالم الجليل والطاهر والشجاع والذي تحمّل خلال السنوات الماضية مسؤولية تاريخية، سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم (حفظه الله وحرسه الله) هو عمل بالغ الخطورة من قبل السلطة في البحرين.
تعرفون إخواني وأخواتي أنه منذ بداية الحراك، أي أكثر من خمس سنوات، الحراك في البحرين كان حراكاً شعبياً سلمياً بحتاً رغم أنه تعرض للقمع، تم الرد على الحراك الشعبي السلمي في البحرين منذ الأسابيع الأولى بالقتل وباستقدام قوات سعودية تحت عنوان “درع الجزيرة”. وحتى دوار اللؤلؤة، هذه اللؤلؤة التي كانوا يفتخرون بها “قبعوها” (أزالوها)، لأنها باتت ترمز إلى هذا الحراك وهذه الإرادة الشعبية، وكل مطالب هذا الحراك الشعبي السلمي هي مطالب عادية وطبيعة، يتحدث عن إصلاح، يتحدث عن حقوق، يتحدث عن معالجة الفساد، يتكلم عن عدالة اجتماعية، المطالب التي رفعها الحراك الشعبي البحريني هي بكل المعايير مطالب محقة بالمعايير الإنسانية والدينية والأخلاقية والقانونية والمعايير الدولية، والشعب البحريني لم يلجأ للعنف ولم يستعمل العنف ولم يحمل السلاح، ومشى في المظاهرات وقتلوه، ومشى في المظاهرات واعتقلوا قياداته وعلماءه وزجوا بهم في السجون، واعتدوا على أعراضه ايضاً، وزجوا بنسائه في السجون، وصولاً إلى كبار العلماء، كبار القادة، كبار الرموز،
ولجأوا إلى إسقاط جنسية عدد كبير من العلماء، وبعضهم من كبار العلماء ووكلاء المراجع، واستخدم هذه السياسة، وكل مساعي طلب الحوار من قبل المعارضة كانت تصدّ من قبل السلطة، لانه يوجد قرار طبعاً ـ سوف نُشتم هذين اليومين من قبل السلطة، لا مشكلة ـ الحقيقة أنه لا يوجد شيء اسمه في البحرين آل خليفة، آل خليفة ينفذون قرار آل سعود. هناك قرار من آل سعود: ممنوع الحوار في البحرين، ممنوع الإصلاح في البحرين، ممنوع إعطاء الحقوق للشعب البحريني، ممنوع عملية سياسية حقيقية في البحرين لسبب بسيط، لأن هذا سيفتح الباب أمام الشعب في المملكة العربية السعودية، الشعب في المملكة العربية السعودية المحروم من أي عملية سياسية، من أي عملية ديموقراطية، من أي مشاركة سياسية، وإذا رأى أن هذا النموذج في البحرين نجح، ستمتد المسألة إلى داخل المملكة، وكلنا نعلم بأن المملكة وآل سعود حاربوا هذا النموذج ولحقوه من أول ما بدأ في تونس، حاربوه في تونس وحاربوه في مصر وحاربوه في كل الأماكن الأخرى وتآمروا عليه.
دائماً كانت ترد أيدي قادة المعارضة في البحرين إلى أفواههم، وتتالت الاعتقالات والاعتداءات، ولم يذهب مسار الحراك الشعبي السلمي إلى مسار غير سلمي، إلى مسار عنفي، والسبب الحقيقي هو قيادة العلماء، قيادة كبار العلماء في البحرين، وعلى رأسهم سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم، وأيضاً الثقافة العامة التي عملت بها الجمعيات السياسية، وفي مقدمها جمعية الوفاق وشخص الشيخ على سلمان فرّج الله عنه.
وإلا، فالظلم والقمع والسجن والقهر والعدوانية وهدم البيوت وهدم المساجد في البحرين كان يدفع الشباب في البحرين إلى الغليان، لأن هذا شباب لديه حماس ولديه استعداد للتضحية ولا ينقصه شيء حتى ينفذ عمليات استشهادية ورجال شجعان وقبضايات، ولكن من الذي عمل على ضبط والسيطرة ومن أمسك بزمام الشارع؟ وهذه ليست عملية سهلة، أنا وأنتم، نعرف نحن اللبنانيين، نعرف أن الإمساك بمشاعر الناس وعواطف الناس وغضب الناس وحماسة الناس أمر من أصعب الامور، ولذلك هناك الكثير من القيادات الناس تقودها وليست هي من تقود الناس، لأن هذه عملية صعبة. سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم وكبار العلماء ومن معهم في البحرين خلال خمس سنوات مارسوا أروع وأعظم عملية قيادية في ضبط الشارع الذي يُعتدى عليه لمنعه من الذهاب إلى العنف.
إذا كان يوجد أحد في الكون اليوم يستاهل بأن تُقدم له جائزة نوبل للسلام أو جائزة الدفاع عن حقوق الإنسان فهو الشيخ عيسى قاسم.
في المقابل ماذا؟ صمت دولي، صمت عربي، بالعكس عندنا في العالم العربي صنعوا من القصة قصة طائفية، أي أن هذه مشكلة الشيعة مع نظام آل خليفة السني. كلا المشكلة ليست مشكلة طائفية.
في ظل الصمت العربي وفي ظل التدخل السعودي المباشر في البحرين، كان المطروح دائماً: أيها الشعب البحريني اذهب إلى منزلك، استسلم، لا تتكلم بأي شيء، وبعد ذلك نرى ما إذا كنا سنقوم بشيء من الاصلاحات، نفس المنطق الذي هو موجود الآن في الكويت على طاولة المفاوضات اليمنية، منذ متى؟ منذ شهرين تقريباً أو أكثر والوفد التابع لعبد ربه منصورـ أي وفد الرياض ـ أي وفد السعودية (يكرر المطالب): الانسحاب من المدن، تسليم السلاح، بعد ذلك ندخل إلى العمل السياسي، الاستسلام، استسلموا، سلّمونا اليمن واعطونا كل شيء وسلّطونا على رقابكم وأطفالكم وعلى أعراضكم، بعد ذلك نجلس لكي نتكلم بالسياسة. هل هناك مجنون في العالم يقبل بهذا؟ وليس عاقلاً، مجنون لا يقبل، ولكن هذا العقل السعودي هكذا يتصرف مع العالم.
في البحرين كذلك الأمر المطلوب استسلام، لكن الشعب البحريني لم يستسلم، اعتقل علماءهم واعتقل رموزه، هجّروا وحاصروا، وحلّت جمعياتهم، ولم يستسلم وأكمل بحراكه الشعبي بوتيرة معقولة ومتزنة، ودليل الهدوء والاتزان والعقل الاستراتيجي. ضاق صدر آل سعود بهذا الحراك الشعبي السلمي، ولأن آخر رهان ماذا كان؟ وفي البداية ـ لكي نقول فقه المسألة ـ آخر رهان ماذا؟ كان أن أتركوهم وفي النهاية سوف يملّون وييأسون، فتنتهي المسألة لوحدها. ليس هناك حوار وليس هناك اصلاح ولا يوجد أمل. يأس، ما شاء الله ينتهي الحراك ويذوب وينتهي ويتلاشى.
هذه كانت استراتيجية آل سعود وآل خليفة، لكنهم وجدوا بعد خمس سنوات ونيّف أن الحراك مستمر، والنفس لم ينقطع، رغم الاعتقالات والسجون وهدم المنازل وإسقاط الجنسية. في النهاية ضاق صدرهم وخصوصاً المجموعة الحاكمة الآن في السعودية، منذ أن جاء هذا الملك وفريقه شُنّت الحرب على اليمن، في الوقت الذي وقبل يوم من وفاة الملك عبد الله كان وفد أنصار الله موجوداً في الرياض، وكان هناك اتفاق على حل سياسي في اليمن، وعندما جاء الفريق الجديد ألغى الحل السياسي وذهب إلى الحرب. في سوريا كانت الأمور تتجه نحو اتجاه إيجابي، أعادوا إحياء الحرب وتمويل الحرب وإعلان الحرب من جديد في سوريا. في العراق، الملك السابق كان متحمساً للحرب على داعش. الفريق الحالي غير معني، وبالحد الأدنى أستطيع أن أقول إنه غير معني بالمعركة مع داعش في العراق.
هذا أداؤهم وهذا سلوكهم، وبالتالي المنهجية التي تعتمدها المملكة حالياً، هذا النظام السعودي، هي منهجية الإذلال والإخضاع لفرض الاستسلام على اليمنيين وعلى البحرينيين وعلى السوريين وعلى العراقيين وعلى اللبنانيين. ولكن كل هؤلاء قالوا: لن نستسلم لا لآل سعود ولا لسادة آل سعود، لن نستسلم ولن نخضع ولن نركع إلا لله سبحانه وتعالى. هذه هي صرخات اليوم، الناس في البحرين الذين يحتشدون في الليل وفي النهار في محيط منزل سماحة الشيخ عيسى القاسم، لماذا البلدة التي يسكنها كلها الآن سجن كبير ومحاصرة من كل الجهات والعالم صامت. سجن كبير، ماذا يعني هذا في القانون الدولي؟ ومع ذلك لأنهم يخافون أن يصل أهل البحرين إلى هذا المكان وسيرى العالم مشهدا مختلفاً. اليوم الشعب البحريني الذي استطاع أن يصل والذي لم يستطيع أن يصل عبّر عن موقفه، شعاراته ” الشيخ عيسى خط أحمر، لن نسلّمك، نفديك بأرواحنا، لا طيّب الله العيش في بلد ليس فيه عيسى قاسم”. هذا الموقف النبيل من شعب البحرين وشباب البحرين هو موقف طبيعي ومتوقع جداً لأن شعب البحرين شعب الحميّة والغيرة والحماسة والفداء والتضحية والطاعة والولاية، هو الشعب العاشق لأبي عبد الله الحسين (ع)، وعشاق أبي عبد الله الحسين (ع) لا يتركونه ليلة العاشر أو في وسط الصحراء. هذا هو الموقف الطبيعي.
طبعاً أنا لا أحدد تكليفاً لشعب البحرين. الذي يحدد التكليف لشعب البحرين هم علماء البحرين، لأن ما يجري في البحرين هو حركة وطنية حقيقية. الشيخ عيسى القاسم وعلماء البحرين لا يتلقون أوامرهم من أحد. التابعون هم آل خليفة، الذين يتلقون أوامرهم من آل سعود ومن المندوب الإنكليزي في المنامة. أما الشيخ عيسى قاسم والعلماء الكبار في البحرين فهم الذين يقررون سقف مطالبهم وتحركاتهم وطبيعتها وماهيتها وما يقبلون وما يرفضون، ولا يملي عليهم أحد في هذا العالم شيئاً، بل لا يقترح عليهم أحد في هذا العالم شيئاً، لماذا؟ لأن هؤلاء العلماء هم علماء وفقهاء وأهل معرفة بالزمان وخبرة بالسياسة ومخلصون وصادقون وشجعان، وعندما يمتلك شعب متل شعب البحرين قيادة مثل هذه القيادة هم ليسوا بحاجة لأي أحد في العالم.
إذا كان هناك حراك وطني حقيقي في البحرين هو هذا الحراك الذي يقوده الشيخ عيسى قاسم. أما أنتم يا آل خليفة، أنتم العملاء، أنتم الأقزام الصغار الذين تخضعون لمندوب المخابرات البريطانية الموجود في المنامة وتنفذون أوامر أمراء صغار من آل سعود، ولا يحتاج الملك سلمان أن يتكلم معكم، هذه التفاصيل نعلم بها.
لذلك العلماء هم الذين يحدّدون التكليف، هم الذين يقررون أي خطوة، والشباب في البحرين والشعب في البحرين والأوفياء في البحرين معنيون أن يتبنوا قرار العلماء وأن ينفذوا وأن يدافعوا عن قرارات العلماء ـ حتى ولو اقتضى الأمر ـ بدمائهم الزكية وصدورهم العارية، ويجب أن يتحمل العالم مسؤولية منع تنفيذ هذا القرار، لأن القرار هو ليس فقط إسقاط الجنسية، هو ترحيل سماحة الشيخ عن بلده.
العالم يجب أن يتحمل المسؤولية. هذه خطوة خطيرة جداً. الرسالة الخاطئة تقول لشعب البحرين ولأصدقائه في العالم، وليس فقط لشعب البحرين: ليس هناك حوار ولا حقوق ولا أفق سياسي ولا أمل سياسي وإلى أين.؟ عندئذ سيصبح الجميع في حِلّ، في حل من هذا الالتزام، وفي حل من هذا الموقف، وكل شخص حر أن يعبر عن موقفه وعن قناعته وعن التزامه بالطريقة التي يراها مناسبة، العالم يجب أن يتحمل مسؤوليته في هذا المجال.
أيها الإخوة والأخوات، في ذكرى شهيدنا القائد نقول له: سوف تبقى حياً بقوّة في وجداننا، في ضمائرنا، في قلوبنا، في أرواحنا، كما كل الشهداء القادة، كالسيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد والحاج حسان وكل القادة الذين مضوا وسبقوا. بدمائكم سنواصل الطريق، سنصنع الإنجازات، سنحقق الأهداف، سنحفظ أمانتكم مهما بلغت التضحيات.
رحم الله الشهداء، والشفاء والعافية للجرحى، والحرية للمعتقلين.
النصر والبركة والكرامة لشعوبنا وأمتنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.