تجاوزنا التحالفات ونحن على بُعدِ أسبوعين من الإنتخابات النيابية، ومع وجود استقرار يتراوح بين الكُلِّي والنسبي لوضع اللوائح الحزبية على المستوى الجماهيري وضمن الماكينات الإنتخابية، فإن هذه اللوائح سواء كانت تضمّ حزبيين بالكامل أو ضمَّت مستقلِّين، تعمل وفق الإنتظام العام للحزب والإلتزام التام ببرنامج عمله الإنتخابي، خاصة متى كانت هالة القيادة الحزبية التي تتمتَّع بالمصداقية بنظر الحلفاء والخصوم على امتداد لبنان، هي المُرشِد والموجِّه وهي التي تأخذ على عاتقها كامل المسؤولية المعنوية أمام الناخبين والشعب اللبناني، وتضمن أداءً مميَّزاً وشفافاً لنوابها، ووزرائها لاحقاً، في التعاطي مع مبدأ بناء الدولة، وهذا ما تعهَّد به، على سبيل المثال، صاحب الوعود الصادقة سماحة السيد حسن نصرالله.
وأبعد من التحالفات الإنتخابية الآنية، نتلمَّس واقع التحالفات في مرحلة ما بعد الإنتخابات لتشكيل الكُتل النيابية، وهي غاية بحدّ ذاتها لتحقيق هدف بناء الدولة، ومن هنا يتبيَّن لنا الفارق الكبير بين التحالفات المبدئية الإنتخابية وتحالفات المبادىء.
خلال التحالفات المبدئية الإنتخابية لعشرات اللوائح على مستوى لبنان، 338 مرشَّحاُ استُبعدوا عن الإنتخابات بعد إقفال أبواب إستقبال وتسجيل اللوائح، مما يعني أن الكثيرين ممَّن انضووا ضمن لوائح بهدف “قوننة” استمراريتهم في السباق، استخدموا لوائحهم كوسائل نقل الى ساحة النجمة، أو ما كان يُعرف في القوانين السابقة بالبوسطة الإنتخابية، لكن المُلفت في اللوائح/ البوسطات في ظلّ القانون النسبي، أن من اجتمعوا مبدئياُ ضمن لائحة واحدة لن يصل منهم الى المجلس النيابي سوى من يحظى بالصوت التفضيلي على حساب زملائه في اللائحة، وقد لا يصل أحد من أعضاء لوائح التوافق المبدئي الإنتخابي، لأن لا مبادىء عمل وطني مشترك تجمع بين شخصيات تعتبر تحالفها مع بعضها مجرَّد رفقة طريق فرضها واقع الترشُّح ضمن لوائح، وهذا ما انعكس سلباُ منذ الآن على الناخبين، وتؤكده كل يوم بورصات “التصويت الإلكتروني الإفتراضي”، وتحليلات واقع الأرض لخبراء الشأن الإنتخابي.
نحن لا نستطيع التصوُّر، أن لائحة توافق انتخابي مبدئي ومؤقت سوف تكون جاذبة لعددٍ وفيرٍ من الناخبين، وأنهم سيلتزمون بها لمجرَّد أنها تضمّ الصوت التفضيلي الذي يرغبون بوصوله، ولا نرغب التصديق أننا، في عصر الأحزاب والبرامج السياسية والإجتماعية والإقتصادية للدول المتقدِّمة، يُمكن أن نجد وفرة ناخبين يُراهنون على شخص وليس على مؤسسة حزبية، ونكتشف فعلاُ أننا نُعاني من أزمة ثقافة وطنية، لأن تفسيرنا لكلمة “سياسة” يأتي ضمن سياق السلطة والهيمنة والمُماحكة بين الأحزاب والأحزاب، أو بين الأفراد والأفراد، بينما مفهوم السياسة منذ الفارابي وبناء “المدينة الفاضلة”، هو حُسن إدارة الشأن العام ضمن كيان دولة.
وإذا كانت تقديرات بعض المراقبين أفضت، الى أن ثلث المجلس النيابي القادم سيكون من غير الحزبيين، فهذا يُغني التنوّع السياسي ضمن المجلس، لأن كفاءات عالية من المستقلِّين هي ضمن الخط الوطني لبعض الأحزاب الكبرى، وهي بطبيعة الحال ستكون ضمن الكُتل النيابية لهذه الأحزاب، وضمن ورشة العمل لبدء مسيرة بناء الدولة ولكن، تبقى المشكلة في بعض المستقلين الذين سوف يكتفون بالوصول الى المجلس والجلوس على “عرش النيابة” دون أن يكونوا جزءاً من الكل، وهنا تبرز أزمة التباعد في التضامن النيابي على مبادىء مشتركة، تؤسس لحوار المجموعات النيابية والتوافق على الخُطط والتشريعات التي تُنتج مشاريع القوانين الإيجابية.
مسؤولية الناخب كبيرة يوم يقف خلف الستارة لتحديد خياراته، ومنح صوته التفضيلي ضمن اللائحة التي يؤمن بخياراتها هو صوابية رؤية، لكن أن يحصل العكس ويلجأ الناخب الى إعطاء الصوت التفضيلي للمرشَّح المفضَّل لديه وبالتالي إلزام نفسه باختيار اللائحة التي يجد نفسه غير مقتنع بباقي أعضائها واختارها مُرغماً من أجل مرشِّحٍ واحدٍ، فهو لا يؤسس لإنتاج فريق عمل مُتجانس لديه رؤية لبناء دولة.
مشكلتنا في هذه الإنتخابات بالذات، أننا بعد انقطاع 9 سنوات عن ممارسة هذا الحق الديموقراطي، لدينا وفرة فائضة من المرشَّحين، ولدينا فيضانات من الوعود الإنتخابية، التي لا نعتبرها مضمونة التحقيق إستناداً الى البرامج الإنتخابية السابقة، ونحن الذين لا “نشتغل إنتخابات”، ولا نحن من جماعة بون البنزين و”فلشة الزفت” وأوراق “الأخضر الأميركي”، وإنطلاقاً من إيماننا بلبنان الوطن العزيز السيِّد الكريم، نجد أن خلف تلك الستارة في 6 أيار، سيقف الشعب العظيم ويختار نواباً هُم نواة دولة قائمة على المبادىء الوطنية ويستحقها لبنان العظيم الذي كتب مجده بدماء شبابه ليكون لنا وطن..
المصدر: موقع المنار