كَثُرَت بعد خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النووي أمام المجمع الفدرالي، تصريحات مسؤولين أميركيين مناديةً ببدء مفاوضات فورية مع روسيا توقاً لتحقيق “الإستقرار الإستراتيجي في العالم” الذي زعزع أركانه التفوق الروسي، وكتب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ رسالة لوزير الخارجية ريكس تيليرسون يعتبرون فيها أن الوقت قد حان لمفاوضات إستراتيجية مع روسيا بعد إعلان الرئيس بوتين حيازة روسيا أسلحة إستراتيجية نووية جديدة لا يمكن إعتراضها او مجاراتها.
“بات الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر واقعيةً بعد خطاب الرئيس بوتين في الأول من مارس آذار الحالي، حين ذكر بعدة أنواع جديدة من الأسلحة النووية التي نُقِلَ أنه يجري تتطويرها في روسيا، منها صواريخ جوالة مجنحة وغواصات نووية غير مأهولة مسيرة عن بعد لا يتم حظرها في الوقت الراهن من خلال الإتفاق النوووي الأخير ستارت 3 (المعمول به حالياً) تزعزع الإستقرار إن تم نشرها.”
هذا ما ورد في رسالة أعضاء الكونغريس الأميركي جيف ميركلي، دايان فانستين، إدوارد ماركي وبيرني ساندرز لريكس تيليرسون. فنظام الدرع الصاروخي الأميركي الحالي غير قادر على إبطال فعالية الترسانة النووية الروسية والصينية والكلام كذلك لنائب وزير الحرب الأميركي جون رود.
أصداء الصدمة النووية الروسية تُرجِمَت إلحاحاً أميركياً للتفاهم مع موسكو التي ما زالت تشكك في مصداقية نوايا واشنطن ومناوراتها، أما الدعوة الفورية للبدء بمفاوضات مع روسيا فتزداد تردداً في الأوساط الأميركية بالرغم من تأزم العلاقات على خلفية الأتهامات الأميركية لروسيا بالتدخل المزعوم لمواطنين روس في إنتخابات رئاسة الولايات المتحدة و”غزو روسي لأوكرانيا” فضلاً عن مواجهة روسية أميركية غير معلنة في ميدان الحرب السورية وغيرها من أوجه المواجهة.
الإتهامات الأميركية بات تعبر عن ضعف قدرة الأمساك بزمام الأمور والتأثير حتى على الحلفاء الذين باتوا يتفلتون من الهيمنة الأميركية عندما تكون الفرصة مؤاتية وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط باتت دول كتركيا ومصر وقطر وغيرها تميل لتعزيز التقارب مع السياسة الروسية وتعالت أصوات تطالب بدور روسي في ليبيا على غرار دورها في سوريا.
الإدارة الروسية سمعت التصريحات الأميركية تواتراَ وعبر رسائل غير مباشرة أو مباشرة نقلتها أقنية التواصل الإحتياطية المعتمدة بين الجانبين التي لا ترقى لمستوى الخطاب الدبلوماسي الرسمي المعتمد في الدعوات الجادة للتفاوض. لذلك روسيا الواثقة من ترسانتها الرادعة المتفوقة تقنياً بآلاف الصواريخ النووية الغير تقليدية والمستعيدة نفوذها الفاعل في منطقة الشرق الأوسط من خلال إنجازات الإنتصارات المشتركة مع حلف المقاومة في سوريا ليست معنية في فك أزمة الإرباك الأميركي الذي حاول بدايةً تخفيف ترددات زلزال خطاب بوتين.
ويدعي أعضاء الكونغرس في رسالتهم أن محاولات إدارة أوباما السابقة في بدء مفاوضات حول هذا النوع من السلاح كانت تواجه بمقاومة روسية وبالرغم من عدم توفر ظروف سياسية للتوصل لإتفاقية رسمية أو وثيقة ملزمة مع روسيا يرى الساسة الأميركيون في رسالتهم لتيليرسون أن عليه مناقشة سبل زيادة شفافية وضع الأسلحة النووية وتطويرها.
من ضمن مؤشرات التراجع الأميركي، تنبؤ قائد قوات الناتو في أوروبا الجنرال كيرتيس سكاباروتي في التاسع من آذار مارس الحالي بأن وجود الولايات المتحدة العسكري في أوروبا ممكن أن يُحرَم في العام 2025 من التفوق على روسيا وبحسب كلام سكاباروتي فإن روسيا خلال سبع سنوات سيمكنها منافسة القوات العسكرية الأميركية في كافة المجالات.
وأضاف جنرال الناتو ” بالنظر إلى سرعة التحديث التي يقومون بها لا يمكننا التباطؤ في تطوير قواتنا المسلحة” مشيراً إلى عمل روسيا المستمر للسيطرة على الطرق والمنافذ البحرية في القطب المتجمد الشمالي فيما الولايات المتحدة تتخلف عن التقدم الروسي في هذا الإتجاه.
في هذا الصدد يمكن رصد ضغوطات برلمانية إيجابية في الولايات المتحدة أشار إليها رئيس لجنة العلاقات الدولية في المجلس الفدرالي الروسي كونسطنتين كوساتشوف:
” الخبر الموحي بالأمل بعد عدة أشهر بل سنوات من الخطابات الشديدة اللهجة من جانب أعضاء الكونغرس الأمريكي وأعضاء مجلس الشيوخ ضد روسيا وصلت لحد مطالبات بقطع العلاقات، هناك مؤشرات على وجود ضغط برلماني “إيجابي” وليس “سلبي” ، على الرئيس الأمريكي ، وليس على بلدنا.” وتمنى البرلماني الروسي حدوث تطور عاقل في السياسة الأميركية في مجال الإستقرار الإستراتيجي والأمن الجماعي.
قد تكون من بين إجراءات إدارة ترامب لحرف الأنظار عن العجز النووي الأميركي الذي أظهره خطاب بوتين التاريخي/ الذهاب لمفاوضات وقمة مع كوريا الشمالية التي تمتلك بضعة رؤوس نووية فقط إدخرتها للحفاظ على سيادتها ما قد يؤثر على أوراق القوة التي تمتلكها الصين التي لفت مراقبون عدم رضاها عن تقارب أميركي كوري شمالي.
وفي كل الأحوال تسجل هذه المناورة في سجل الأخفاقات الأميركية إذ يرى مراقبون في تلك المؤشرات دلالة على بدء أفول زمن الهيمنة الأميركية الأحادية القطبية رغم محاولات التغطية على فشل سياسات واشنطن وتراجع نفوذها في أكثر من مكان لا سيما الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنطقة التي لم تعد تتسع للهيمنة الأميركية التقليدية.
المصدر: موقع المنار