في اليوم الثالث عشر من شهر جمادى الثانية نلتقي بذكرى وفاة أم البنين وهي فاطمة بنت خزام زوجة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأم أبي الفضل العباس(ع)، التي قدمت أبناءها الأربعة شهداء في كربلاء فداءً للحسين(ع) ولدين جده الذي خرج الى كربلاء من أجله.
هذه المرأة الجليلة والشريفة والطاهرة والشجاعة والمضحية وأيضاً الفصيحة والشاعرة، تنحدر من بيت عريق في العروبة و الشجاعة والفروسية، وقد قال عنها عقيل بن أبي طالب : ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس .
لقد ترعرعت أمّ البنين ونشأت في كنف قبيلةٍ من أشرف القبائل العربية وأكرمها وأشجعها؛ حيث عرف آباؤها بالسيادة والفصاحة والشعر ، فهي من ذلك البيت العريق الذي يتميّز بالكرم والشجاعة والنبوغ، فقد كان أبواها شريفين، وعرفا بالأدب والنباهة والعقل، لذلك تحلّت أم البنين بعقل راجح ووعي كبير وصفات وخصائص نبيلة وطهارة وعفة وذكاء باهر.
وقد تزوَّج بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بعد شهادة فاطمة الزهراء(ع) بإشارة من أخيه عقيل بن أبي طالب، فقد كان عقيل نسابة وعالماً بأخبار العرب وأنسابهم ، فطلب منه الإمام ( عليه السَّلام ) أن يختار له امرأةً قد ولدتها الفحولة من العرب ليتزوّجها فتلد له غلاماً فارساً شجاعا، فاختارها له،
فتزوجها أمير المؤمنين(ع) وولدت له أربعة أبناء ذكور هم : العباس و جعفر و عبد الله و عثمان ، وهولاء جميعهم استشهدوا مع الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء.
كنّاها علي بن أبي طالب بأمّ البنين بناءً على طلبها، كي لا يتذكّر الحسن والحسين أمهما فاطمة عند سماع اسمها، ويشعرون بالحزن عليها.
كانت أم البنين رمزا للولاء والوفاء والتضحية.
لقد تجلى ولاؤها ووفاؤها لأهل البيت في العديد من المواقف :
اولاً: في رعايتها للحسن والحسين(ع) في بيت امير المؤمنين وتقديمهما حتى على أولادها، فعادة يقال: أن زوجة الأب أي الخالة لا تملك عاطفة وحناناً تجاه أبناء زوجها وأحيانا قد تكون ظالمة لهم..! إلا أن أم البنين (عليها السلام) بسطت قلبها الطاهر للإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، وأحاطتهما بعنايتها وعطفها وحنانها واهتمامها وكانت تحسن اليهما كما تحسن الأم لأولادها، إنها إمرأة استثنائية.. إمرأة مؤمنة، عارفة، وذات إيمان راسخ بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وبولايةالحسن والحسين(ع)، لذلك كانت تقوم برعايتهم وخدمتهم بأفضل ما يكون إنطلاقا من محبتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجاء شفاعة أمهما السيدة فاطمة الزهراء، سلام الله عليها.
لم يعرف التاريخ امرأة كأم البنين (عليها السلام) في كرم أخلاقها، وطيب منبتها، وإيمانها بمبادئ الرسالة ، كانت تهتم بالحسنين(عليهما السلام) باعتبار أن ذلك تكليفها ومسؤوليتها لأنهما حجج الله وأولياء الله.. لذلك لم ينس الحسنان (عليهماالسلام) ولا أختهما العقيلة زينب (سلام الله عليها) هذا المعروف، فكانت السيدة زينب تهتم بها بعد وفاة أبيها وتتردد لزيارتها باستمرار.
ثانيا: من وفائها لزوجها عدم زواجها من احد بعده(ع) فقد اعتزلت الزواج وفاءا لأمير المؤمنين(ع) بالرّغم من تقدم البعض لخطبتها، وممن تقدم لخطبتها أبو الهياج بن أبي سفيان الحارث، وقابلت طلبه بالرفض القاطع وأكملت حياتها على ذكرى زوجها علي بن أبي طالب(ع).
ثالثاً: من وفائها أيضا تعلقها الخاص والشديد بالحسين(ع) وحبها له، فقد كانت أم البنين تحب الحسين ( عليه السَّلام ) حباً شديداً، و مما يدلّ على ذلك موقفها البطولي لدى وصول خبر إستشهاد الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) إلى المدينة ، الموقف الذي لا ينمحي من ذاكرة التاريخ أبداً ، هذا الموقف الذي رفع من شأنها و منحها منزلة رفيعة في قلوب المؤمنين .
يقول المامقاني في تنقيح المقال : ويستفاد قوّة إيمانها و تشيّعها من أنّ بشراً بعد وروده المدينة نعى إليها أحد أولادها الأربعة.
فقالت ما معناه : أخبرني عن أبي عبد الله الحسين ( عليه السَّلام ) ، فلمّا نعى إليها الأربعة .قالت : قطّعت نياط قلبي ، أولادي ومَن تحت الخضراء كلّهم فداء لأبي عبد الله الحسين ( عليه السَّلام ) .
هذا الموقف يكشف عن إيمان راسخ لا يملكه سوى عوائل الشهداء والمضحون في سبيل الله.
أما تضحيتها فقد تجلت في كربلاء، فهي لم تكن في كربلاء ولم تشهد واقعة الطف ، إلاّ أنّها واست أهل البيت ( عليهم السلام ) و ضحَّت من أجل الدفاع عن الدين بتقديم أولادها الأبطال الأربعة فداءً للحسين ( عليه السَّلام ) ولأهدافه السامية . ثم واصلت جهادها الإعلامي بعد مقتل سيد الشهداء و وصول أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى المدينة المنورة ، فكانت تخرج كل يوم إلى مقبرة البقيع و معها عبيد الله ولد ولدها العباس ، فتندب أبناءها الأربعة أشجى ندبة ، فيجتمع الناس إليها فيسمعون بكاءها و ندبتها و يشاركوها العزاء ، كما كانت تقيم مجالس العزاء في بيتها فتنوح و تبكي على الحسين ( عليه السَّلام ) و على أبنائها الشهداء الأربعة ، ولم تزل على هذه الحال حتى التحقت بالرفيق الأعلى .
الولاء والوفاء والتضحية نتعلمها من ام البنين ومن كل أمهات الشهداء اللاتي قدمن فلذات أكبادهن في سبيل الله.
نتعلم منها ومن كل عوائل الشهداء، كيف نكون أوفياء لنهج الولاية، وكيف نكون اوفياء للشهداء وعطاءاتهم وتضحياتهم، وكيف نكون أوفياء للذين حملوا قضايانا ودافعوا عنا وعن ارضنا وبلدنا وكرامتنا وحريتنا.
إن أقل الوفاء للشهداء ان نلتزم خطهم ونهجهم، وان نحفظ وصيتهم، وان لا نحيد عن ذلك مهما كانت الضغوط والتحديات، وان لا نصغي لكل الافتراءات والمغالطات التي تقال هنا وهناك من أجل التشويش على المقاومة وتشويه سمعتها والتقليل من أهمية انجازاتها وانتصاراتها، خصوصاً ان الأعداء يريدون لأهلنا ان يبتعدوا عن المقاومة وخيارها ونهجها ، ويعلنون انهم يعملون على ذلك، وأبواق التحريض في الداخل والخارج نسمعها في كل يوم وسنسمعها بشكل اكبر خلال هذين الشهرين على أبواب الانتخابات النيابية.
الكلام المعسول الذي سمعناه من الموفد السعودي بحق لبنان ومحاولة تصحيح المسار السياسي مع لبنان من خلال الاحتفاء برئيس الحكومة في الرياض يجب ان لا يخدع أحداً، ويجب أن لا يمحو من ذاكرة اللبنانيين ما ارتكبته السعودية قبل مدة قصيرة بحق لبنان من تدخل سافر بشؤونه الداخلية، وتحريض اللبنانيين ضد بعضهم، واحتجاز رئيس الحكومة؟، وتوجيه إهانة لكل اللبنانيين من خلال التهديدات والتحريض والاساءات التي وجهها مسؤولون سعوديون وفي مقدمهم الوزير السبهان للبنان قبل أشهر قليلة.
واليوم لا يزالون يتدخلون بالشؤون اللبنانية واليوم أتوا من اجل اعادة لم شمل 14 اذار على ابواب الانتخابات النيابية، من اجل حشد الجميع في مواجهة حزب الله، والمفارقة أن أدعياء السيادة والاستقلال في لبنان هم من يفتح الأبواب للسعودية للتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية وفي الانتخابات النيابية، وقد بدأوا بإغداق الأموال عليهم من أجل شراء الضمائر وتحريض الناس للتصويت ضد مرشحي المقاومة وحلفائها، وهم يعلنون بوضوح أن معركتهم هي ضد المقاومة وحزب الله، حيث لا يريدون أن يكون لحزب الله النصيب الأكبر في البرلمان القادم.
إنّ كل المال السياسي السعودي والأمريكي لن يستطيع شراء ضمائر الناس الذين وقفوا في المراحل الصعبة إلى جانب المقاومة وتمسكوا بخيارها، وقدموا الشهداء على طريقها وحفظوا الوصية، وحموا المقاومة ولبنان.
لن تستطيعوا شراء أصوات الشرفاء بأموالكم لأنّ أصواتهم لا تباع ولا تشترى. وكل المال الانتخابي لن ينفع أزلامكم، ولن يثني اللبنانيين عن التمسك بالمرشحين الذين يلتزمون خيار المقاومة.
لقد أغدقتم وأنفقتم أموالاً كثيرة في السابق من أجل تحقيق أهدافكم وإبعاد الناس عن المقاومة وحزب الله وفشلتم، وازداد حزب الله حضوراً ونفوذاً وقوة وانتشاراً ورسوخا في المعادلات الإقليمية، واليوم ستفشلون من جديد وستصابون بالاحباط والخيبة والهزيمة إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: بريد الموقع