عاد أحمد سليمان إلى لبنان بعد قضاء محكوميته في السعودية بتهمة الجلوس على «ورقة جريدة» تبيّن أنها تحمل صورة للملك السعودي. بالنسبة إليه، إن ثمانية أشهر وسبعة أيام من التحقيق والترهيب والسجن في كفة وتزويد القنصلية اللبنانية في جدة إخراج قيده للمباحث السعودية للتمييز ما إذا كان شيعياً أو سنياً، في كفة أخرى. الفاجعة اكتملت باكتشافه لبنانياً منسيّاً محكوماً بسنة سجن، إلا أنه دخل في السنة السجنية السابعة.
عند مدخل منزل أحمد سليمان، ارتفعت سعف النخيل والزينة ترحب بعودته من حج بيت الله الحرام. عاد الحاج أحمد في الثلاثين من الشهر الماضي، متأخراً أكثر من ثمانية أشهر.
حينها، جهزت زوجته الزينة والخراف، لكنه تخلّف عن ركب العودة مع حملة الحجيج التي رافقها من مسقط رأسه في البياض (قضاء صور)، لأن مباحث المدينة المنورة أوقفته قبل عودته بساعات في محيط الحرم المكي.
والسبب ضبطه يجلس على ورقة من جريدة عليها صورة الملك السعودي. يروي سليمان لـ»الأخبار» فصولاً من «استضافته الملكية»، بدءاً من الثاني من تشرين الأول الماضي.
بعد إتمام المناسك، انصرف مع رفاقه للاستعداد للعودة. خرجوا من أحد الفنادق المقابلة للحرم يرتشفون القهوة وينتظرون صديقاً لهم. طال الانتظار تحت حر شمس الظهيرة. وجد نسخة من جريدة.
فتح أوراقها ووضعها على الأرض وجلس فوقها بوضعية المتربع وهو يشرب القهوة. سرعان ما حضر عنصران يرتديان الزي الأمني وطوقاه. واجهاه بصورة «طال عمره» الموجودة على صفحات الجريدة.
«لم أنتبه لوجودها ولا أحد يقرأ الجريدة قبل أن يجلس عليها» قال. تبريراته لم تقنع العنصرين اللذين ركزا على سؤال واحد: «أنت لبناني شيعي أم سني؟». استدعيا دورية من المباحث إلى موقع الحادثة. بعد السؤال الثابت عن مذهبه، لم يتعرض للضرب، بل للتهديد والوعيد بسبب فعلته. كبلوا يديه واقتادوه إلى مركز الشرطة في المدينة المنورة حيث كبلوا رجليه. عند الثانية من فجر اليوم التالي، حضرت المباحث لاستجوابه. «جلوسك قبالة الحرم يعني برأسك شيء». اشتبه المحقق بنيات سليمان، ولا سيما بعد أن ادعى أنه سني المذهب.
استعان المحقق بكاميرات المراقبة التي رصدت حركته داخل الحرم المكي. «الكاميرات أظهرت صلاتك على الطريقة الشيعية»، قال المحقق. لكن الأخير تمكن من فك اللغز المذهبي بمساعدة القنصلية اللبنانية في جدة. بحسب سليمان، فإن المحقق أبرز أمامه نسخة من إخراج قيده تظهر أنه شيعي! التركيز على المذهب «لأن الانتماء إلى المذهب الشيعي بمثابة انتماء إلى جهة معادية لسياسة المملكة».
واحد وعشرون يوماً أمضاها سليمان في مركز إدارة الادعاء والتحقيق العام. جلسات تحقيق متواصلة من قبل المباحث من وزارة الداخلية بتهمة «دَوس صورة الملك وإهانتها وإطفاء السيجارة عليها». الأيام الأربعة الأولى من التوقيف قضاها في السجن الانفرادي. وبعد انتهاء التحقيق حُوِّل إلى المحكمة ونقل إلى سجن المدينة المنورة العام، حيث نزل مع سجناء تتنوع تهمهم بين مخدرات وسطو، إلى إرهاب والانتماء إلى «داعش».
بعد أسبوع من توقيفه، استخدم هاتف أحد السجناء المهرب واتصل بعائلته لثوانٍ معدودة ليطمئنهم إلى أنه بخير. طوال الأشهر الماضية، كان يتصل بعائلته بالطريقة ذاتها، لأن هاتف السجن معطل. المحقق الرئيسي أوصى في ختام تقريره بأنّ «دوافع الجريمة ليست سياسية».
بعد ثلاثة أشهر، مثل سليمان أمام القاضي وهو رجل دين. «يا رافضي يا كافر يا مال نصرالله تجلس على صورة الملك؟» واجهه القاضي، مدعماً بإخراج قيده. الحكم الأولي الذي لوح به القاضي بحق سليمان «تنفيذ القصاص تعزيراً».
ثم خفض في جلسة المحاكمة الثانية الحكم إلى السجن لمدة ثلاث سنوات ونصف و200 جلدة. وبعد وساطات مع القاضي قام بها أشخاص سعوديون، حكم القاضي عليه بالسجن ثمانية أشهر وترحيله من المملكة.
في ذلك الحين، كانت عائلة سليمان في لبنان تجري اتصالات مع وزارة الخارجية التي وعدتها خيراً. وبعد أن طال انتظارها، تواصلت مع السفارة اللبنانية في الرياض والقنصلية في جدة.
أكثر من تجاوب معها «المواطن السوداني إدريس عوض الذي يتلقى اتصالات الجالية ومراجعاتهم»، قال شقيقه زهير. عند اقتراب انتهاء محكوميته، علمت العائلة بأن إدارة السجن «تقرر على مزاجها تنفيذ إجراءات الإفراج عنه وترحيله».
أصدقاء له داخل السعودية استحصلوا على إفادة من المحكمة بانتهاء محكوميته وحجزوا له تذكرة سفر إلى لبنان وقدموها إلى إدارة السجن التي أفرجت عنه بعد أسبوع إضافي على محكوميته وأرسلته مباشرة إلى المطار بمواكبة أمنية رافقته حتى باب الطائرة.
أكثر ما صدم سليمان في «الغابة التي أفلتت منها»، ليس فقط تنفيذ أحكام الإعدام كل يوم جمعة في ساحة السجن أو تحكّم فئة من السجناء بالآخرين ومحاولة تلفيق تهمة شتمه محمد بن نايف قبيل الإفراج عنه لتمديد سجنه، بل تعاطي السفارة اللبنانية معه ومع السجينين اللبنانيين اللذين كانا برفقته خلال فترة سجنه (علي سباط الذي أفرج عنه لاحقاً وعلي نصرة).
يذكر كيف كان السفيران الإيراني والمصري يتفقدان مواطنيهما، فيما سفارته غائبة. والأسوأ أن «دورها اقتصر على تزويد المباحث بإخراج قيد أثّر سلباً في موقفي».
المصدر: جريدة الاخبار