ما تزال الضجة قيد التزايد، رغم محاولات إدارة البيت الأبيض الأمريكي منع انتشارها أكثر، ضجيج ليس بمجرد إعلامي، ولا يُصنف ضمن باب الهرطقة السياسية، إنما ناجم عن إيراد المعلومات المخفية داخل بيت دونالد ترامب، قبل وبعد انتقاله إلى أروقة البيت الأبيض ، هذه المعلومات لو تم تأكيد ملابساتها، لكانت صفحات كتاب المؤلف “مايكل وولف”، مدخل سرداب أسود لتاريخ ترامب بعد كل الجدل في مسيرته.
ومن ضمن هذه المعلومات الواردة بكتاب “النار والغضب في بيت ترامب الأبيض” هناك حقائق تتعلق بالحرب على سورية لجهة التطورات الأخيرة، وما يرتبط بها للجهة الإقليمية المتبلورة مع النصف الثاني من العام الأول لحكم الرئيس الأميركي، كلها تعكس سياسية متخبطة لترامب، وهذا الوارد داخل الكتاب، يتوزع ضمن اتجاهات رئيسية ثلاثة، ذكرها الدكتور أسامة دنورة الكاتب والباحث السياسي في حديثه لموقع قناة المنار.
ففي المجمل بدأ بالحملة الانتخابية لترامب والتي حملت عيوباً عديدة، وإن المحيطين بترامب لا سيما أسرته، كانوا يستبعدون نجاحه تماماً، حتى ترامب نفسه رفض منح مبالغ مالية كبيرة للحملة الا في حالة “الفوز المضمون”.
شخصية ترامب غير مؤهلة لشغل منصب رئيس الولايات المتحدة على الاطلاق، فهو مزاجي وارتجالي في قرارته، غير مهني ولا مسؤول في تعامله، ولا يتمتع بالحد الادنى من الاحتراف السياسي في عملية صناعة القرار.
إضافة إلى الاتجاهين السابقين معاناة إدارة البيت الأبيض الحالية من مشاكل بنيوية، أهمها غياب المستشارين المؤهلين، وصراع الأجنحة، والأخطر تداخل الحالة العائلية في صناعة القرار.
منعكسات المشاكل في إدارة ترامب..
يرى دنورة مجموعة من العلل عرضها الكتاب، قد انعكست على قضايا الشرق الاوسط في اكثر من اتجاه. فيما يتعلق بالأزمة السورية، أوضح الكاتب “وولف” كيف ان ترامب اولاً لم يكن متأكداً من كيفية التصرف، وبعد ذلك جاءت كل من “ايفانكا ترامب” و “دينا پاول” المستشارة المساعدة لشؤون الأمن القومي، وقدمتا للرئيس الأميركي عرضاً بطريقة “الپاورپوينت” أو عرض شرائح، وعلى الرغم من أن بانون وصف المشاهد بأنها “ليس اكثر من صور لأطفال يخرج من افواههم الزبد”، لكن ترامب يبدو انه فتن بالعرض واعاد استعراضه مرة تلو الأخرى، وتحول موقفه باتجاه شن ضربة عسكرية، متناسياً التوضيحات البراغماتية المتكررة لـ “ستيف بانون” بأن هذا الهجوم ليس اكبر من سابقيه ولا يتطلب التدخل، ومع ذلك أقدَم ترامب على توجيه الضربة العسكرية، وتبع ذلك إقالة “بانون” من منصبه في اليوم التالي.
هذا الرصد لأداء ترامب فيما يتعلق بحادثة خان شيخون وتفاعل ترامب معها يمثل انعكاساً للعلل التي سبق الحديث عنها: فترامب لم يكن يدري كيفية التعامل مع الموضوع، واعتمد آلية غير احترافية لصناعة القرار، وانتهى لاتخاذ قرار غلب عليه طابع المزاج الشخصي، الأمر الذي يظهر غياباً هائلاً للتبصر فيما يتعلق بآلية صناعة القرار الاستراتيجي من جهة، وبالمعرفة ولو في حدودها الدنيا بحيثيات الازمة السورية.
السلم الدولي وخطورة في موقف غير مدروس..
مما يراه دنورة من نقاط هامة وردت في كتاب النار والغضب، عرض عملياً السلم الدولي للخطر عبر شنه عدوانا غير مبرر قانونياً، بدون اي تفويض قانوني دولي او داخلي امريكي، وحتى دون انتظار اي نتائج لأي تحقيق، ودون اجراء اي مشاورات تذكر مع القوى الدولية، وغامر بذلك بحصول احتكاكات محتملة او ردود فعل غير محسوبة من قوة عظمى اخرى تتواجد بقواها العسكرية على بعد عشرات الكيلومترات فحسب من القاعدة المستهدفة (الشعيرات) وهذه تعني القوات الجوية الروسية.
كما أن ترامب وجه رسالة غير محسوبة العواقب على مستوى الامن الدولي تتضمن دعماً عملياً للمجموعات الارهابية وتشجيعاً لها على محاولة فبركة حوادث اخرى ما دامت ستفضي الى تدخل عسكري امريكي يصب في مصلحتها ويأتي دون تمحيص.
مؤشران مقلقان آخران ظهرا في الكتاب فيما يتعلق بالشرق الاوسط وسياسة الادارة الامريكية تجاه هذه المنطقة، استخلصهما د. دنورة، اولهما ان صراع الاجنحة، وما وصفه هينري كيسنجر، بأنه حرب ما بين اليهود وغير اليهود (صراع بين تأثير بانون وكوشنر)، وهذا الصراع حُسم لمصلحة كوشنر الذي هو فعلياً مستوطن اسرائيلي وخريج معاهد اليشيفوت التلمودية، ولعل ذلك لعب دوراً هاماً في تفعيل قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية الى القدس، وهو ما أضرّ عملياً بموقع الولايات المتحدة في عملية السلام، كما انه رفع من درجات التوتر الديني والسياسي في الشرق الاوسط، وبدا أنه لا يحظى بموافقة الأطر التكنوقراطية في وزارة الخارجية.
في حين يتعلق المؤشر الثاني بدور ترامب في تتفيذ انقلاب على الاسرة الحاكمة السعودية لوضع من اسماه ترامب “رجلنا” (محمد بن سلمان) في سدة الحكم، وهذا الخيار بدا انه غير مدروس لما سببه من توترات هائلة داخل الاسرة الحاكمة السعودية نتجت عن ضعف خبرة بن سلمان في بناء منظومة الولاء الداخلية والتحالفات ضمن أمراء آل سعود، كما أن بن سلمان يوصف على نطاق واسع في الاوساط الغربية قبل غيرها بأنه متغطرس وضعيف الخبرة وادخل المملكة في سلسلة من الصراعات الاقليمية والمغامرات الفاشلة والورطات الاستراتيجية، منها الغرق في الوحل اليمني، والخلاف العنيف مع قطر، ومحاولته فرض الاستقالة على الحريري، وهنا يبدو “رجل” ترامب في السعودية منتجاً للأزمات بالنسبة لبلاده والولايات المتحدة أكثر من أن يكون حليفاً متوازناً ومفيداً.
كل ما سبق من استخلاص للمضمون الاهم في كتاب النار والغضب لكاتبه “مايكل وولف”، وفي حال كانت معلوماته دقيقة بما يكفي، وفي حال لم تنجح الغدارة الامريكية باحتوائها والسيطرة عليها، يتكون بداية لا تسر ترامب ولا تناسب ما يطمح إليه من إتمام مشاريع عالمية دعمها لتدخل العالم في سرداب الفوضى ولكن هذه المرة فوضى داخل البيت الأمريكي.
المصدر: موقع المنار