اعتبر السيد علي فضل الله، في خطبتي صلاة الجمعة ان “القدس التي لا تزال ترزح تحت وطأة قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني، والذي جاء ليعطي ضوءا أخضر لهذا الكيان، لتصعيد إجراءاته في هذا الاتجاه، وهو لذلك يستعد لجولة تهويد جديدة، عبر إصدار تشريعات وقوانين جديدة تهدف إلى سلخ الفلسطينيين المقدسيين عن القدس، وتشديد إجراءات الضغط والحصار عليهم، لدفعهم إلى الخروج منها، والتهيئة لـ”ترانسفير” جديد.
وفي هذا الوقت، يبرز إلى العلن الحديث عن الصفقة الأميركية التي عرضت على السلطة الفلسطينيَّة لإعطاء الفلسطينيين بلدة أبو ديس بدلا من القدس، ما يوحي بما كنا أشرنا إليه بأن قرار الولايات المتحدة اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، لم يأت اعتباطا، بل يراد لهذه الخطوة أن تكون بمثابة كرة الثلج التي تنطلق بعدها خطوات أخرى بشكل تدريجي وتصاعدي، لفرض أمر واقع جديد على الأرض”.
وأضاف السيد فضل الله “على الرغم من أهميَّة القرار الَّذي اتخذته الجمعية العموميَّة للأمم المتحدة بإبطال قرار الرئيس الأميركي، وهو ما شكل صفعة له، فإن الإدارة الأميركية التي تعاملت مع المنظمة الدولية باستهتار واحتقار، عندما استخدمت الفيتو بكل صلافة ضد كل الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن، ها هي تعاقب المنظمة على تحديها للقرار الأميركي بخفض مساهمتها المالية في ميزانية الأمم المتحدة. ومع هذه المواقف المعادية للحق الفلسطيني، نتساءل: ماذا أعددنا كعرب ومسلمين وكقوى تحرر لمواجهة كل ما يجري؟ وللأسف، لم نشهد أي خطة أو موقف على مستوى خطورة ما يجري، بل ربما نشهد محاولات لتمييع الرفض العربي، وثمة من يضغط على الفلسطينيين ليوقف احتجاجاتهم ونضالهم”.
ورأى أن “المطلوب أن يثبت العالم العربي والإسلامي أنه على مستوى التحدي، وأن يواصل رفضه، ويستمر في تحركاته الإقليمية والدولية لإبقاء جذوة الرفض لهذا القرار.. ولكننا نبقى نشدد على أن الثقل الحقيقي في عملية الرفض يتمثل في الشعب الفلسطيني نفسه.. هذا الشعب الذي لم يكل ولم يمل منذ احتلت أرضه، ولا يزال يتحرك في حركة انتفاضة تتصاعد حينا وتخفت أحيانا، ولكنها لا تتوقف”.
وقال ان “هذا الشعب بحاجة إلى كل الطاقات العربية والإسلامية ليشعر بأن له سندا كبيرا، يعينه على الصمود، بتقديم المساعدات التي توفر أسباب العيش الكريم، ورفد الانتفاضة بكل ألوان الدعم المالي والسياسي، والحضور في الساحات، ورفع صوت الاحتجاجات.. واستخدام الضغوط على الدول المفرطة بحقوق الشعب وحرية القدس”.
وتابع السيد فضل الله “نعود إلى لبنان الغارق في تفاصيل الخلاف الجاري بين أهل الحكم.. هذا الخلاف الذي كنا ولا نزال نأمل أن يعالج ضمن الأطر الدستورية، وبما يحفظ التوازن المطلوب داخل هذا البلد بين الطوائف والمذاهب، فلا تشعر أي جهة أو مكون بأن هناك من يريد تجاوزها، وخصوصا في ظل استمرار الهواجس المتبادلة بين الأفرقاء، والتي نأمل أن تغيب”.
وقال إن “لنا ملء الثقة بحكمة أركان الدولة بتجاوز هذه الانتكاسة في مسار الحكم، والعودة إلى أجواء الوفاق التي حكمت المرحلة السابقة، التي استطاع الفرقاء اللبنانيون من خلالها أن يواجهوا مأزق تلك المرحلة ويواجهوا التحديات الكبيرة التي تنتظرهم، وما أكثر هذه التحديات في الداخل والخارج”!
وأضاف ان “اللبنانيين، وعلى أبواب السنة القادمة، ينتظرون من القيادات السياسية أن تبدأ بفتح صفحة جديدة مع المواطنين، وإيلاء مشكلاتهم المعيشية والأوضاع الاقتصادية والمالية للبلد اهتماما غير مسبوق، يستعيد بوجوده اللبنانيون ثقتهم بالدولة؛ دولة القانون.. دولة التخلص من الفساد والهدر، دولة المؤسسات.. وأن تطوى الصفحة السابقة التي ملئت بالصفقات والمحاصصات والمزايدات، وعطلت إنجاز الكثير من القضايا الضرورية، فهل يعقل أن يبقى ملف الكهرباء من دون معالجة لمدى عقدين من الزمن! وهكذا مسألة النفايات التي لا تزال تؤرق اللبنانيين وتفاقم أوضاعهم الصحية”؟
واوضح السيد فضل الله الى إننا “نتطلع إلى أن يكون العام الجديد القادم مختلفا عن العام الذي سبقه، بأن يكون محطة انطلاق حقيقية لبناء خطة متكاملة لمعالجة قضايا المواطنين العالقة، والنهوض بالاقتصاد اللبناني، والاهتمام بالقطاعات الإنتاجيَّة بعد أن ضعفت الإيرادات الخارجية، وبالمشاريع الإنمائية المتوازنة التي تشمل المناطق اللبنانية كافة، ولا سيما الأطراف التي تعيش في ظل معاناة أكثر قسوة من بقية المناطق”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام