التوقيت والاستراتيجية، مراسم الاستقبال، طريقة الظهور خلال الاجتماعات، وكثير من المعاني والرسائل جاءت واضحة وقوية وموجهة نحو أهدافها بدقة ومباغَتة، كل هذا يمتد من قمة أمس في سوتشي الروسية وبلمسات من الاسد – الرئيس، وبوتين – الحليف.
على ضوء لقاء المنتصرين، وقمتهم التي سبقت القمة الثلاثية في روسيا بين رؤساء الدول المعنية في حل الأزمة، التقى موقع قناة المنار مع الباحث والمحلل السياسي الدكتور أسامة دنورة.
الزيارة وما يقوله التوقيت اللاحق للانتصار والسابق لاجتماع الضامنين..
انطلاقاً من توقيت الزيارة، يقول دنورة خلال لقائه موقع المنار، هذه الزيارة أتت في لحظة تحول وعبور للمنطقة نحو مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد داعش بكل ما تحمله هذه المرحلة من متغيرات تفرض التنسيق العميق بين الطرفين الروسي والسوري، ويأتي دنورة من ناحية هذه القمة التي فاجأت الجميع بشكلها ومضمونها أنها حملت معاني “قمة المنتصرين”، وهذا الانتصار برأيه يمكن ان يحدد ضمن عدة معالم.
من جهة تأكيد كسر العمود الفقري للإرهاب بالقضاء على داعش الارهابي، ومن جهة أخرى يتأكد اسقاط مشروع التقسيم القائم على اساس استخدام الطرح الطائفي والمجموعات الارهابية الوهابية، وأيضاً اسقاط مشروع تغيير الحكومة الشرعية في سورية بالقوة التي هدفت منذ البداية لتعميم الفوضى الأمريكية لتشمل ال (levant) (سوريا + لبنان) – وهذا مصطلح استعماري يستخدم من قبل الغرب – ، وتتكرس في العراق وبالتالي كان مخطط لتحويل المنطقة برمتها الى سلسلة متصلة من الدول الفاشلة، والقوى تحت الدولانية المتصارعة، الأمر الذي لو تحقق لكان الكيان الصهيوني هو المستفيد بالدرجة الأولى، كما سقط مشروع تحويل الحرب في سورية الى بؤرة استنزاف مزمن لروسيا وسورية والمقاومة اللبنانية وايران والعراق.
جاء أيضا من مضمون قمة الأسد – بوتين، حسب تحليل الباحث دنورة، اسقاط الاستثمار في ظاهرة الارهاب العالمي الديني عبر منحه ملاذا آمناً شرق المتوسط كظاهرة متدحرجة تتسع رقعةً ومدىً لتصل الى القوقاز الروسي وآسيا الوسطى وربما الى القرم والى تركستان الشرقية في الصين.
يتابع ضيف موقع المنار، أنه عملياً تكرست هذه المروحة الواسعة من الانتصارات مع انتهاء داعش وتم تكريس الاعتراف والاحتفال بها رسمياً على أعلى مستوى في هذه القمة.
مضمون ما بعد الإعلان عن قمة الأسد – بوتين الأخيرة ..
برز العديد من المواقف المتفاوتة حسب دنورة بعد الإعلان وخلال اللقاء التاريخي، حيث اتضح أن صَمْت الاطراف الغربية يكرس اقراراً ضمنياً بالانتصارات سابقة الذكر، وبسقوط محاولات النَيل من القيادة السورية بالدرجة الاولى، واقرار ضمني برسوخ القيادة السورية وشرعيتها الوطنية وقوتها العسكرية والسياسية، واقرار ضمني آخر ببداية عودة سورية تحت قيادة الأسد للعب دورها على الساحتين الاقليمية والدولية.
المحور باق بقوته رغماً عن الكيان الصهيوني..
الاستياء الاسرائيلي واضح ومصرح عنه في الحديث عن انتصار القيادة السورية، وبالتالي فشل محاولات تفكيك محور المقاومة والحد من قوته عبر النيل من العقدة السورية، وخروج محور المقاومة من المعركة بقوة أكبر، اي فعلياً بنتيجة تعاكس الهدف الاسرائيلي، وهو ما دعا وزير الحرب الاسرائيلي ليبرمان لطلب زيادة ميزانية الحرب الاسرائيلية زيادة طارئة تفوق المليار دولار لمواجهة الاوضاع المستجدة.
من شكل الزيارة.. بروتوكول خاص بالحلفاء الأقوياء..
جميع اللقاءات التي تجمع الزعماء، دائما تقيدها مراسم بروتوكولية معروفة لذوي الاختصاص، فيقول دنورة مستأنفا حديثه عن الزيارة، ظهر واضحاً في لغة جسد الزعيمين وابتسامتيهما العريضتين اجواء النصر الاحتفالية وعمق التنسيق الاستراتيجي والتحالف بين البلدين، أما السابقة البروتوكولية باجتماع الرئيسين بوجود ضباط الاركان العليا العسكرية الروسية ، تشير الى حجم وعمق التحالف العسكري والشراكة المصيرية بين الجيشين والقيادتين السياسية والعسكرية، وتشير ايضاً الى مستوى الثقة والاعتمادية التي حققها الجيش العربي السوري كحليف قوي واساسي للجيش الروسي.
خلاصة الزيارة والقول بوضوح..
الحل السياسي على ايقاع قمة المنتصرين، وعلى ايقاع انعكاسات الانتصارات الميدانية تفرض بدء مرحلة جديدة ومنظور مختلف للحل السياسي، واحدى اهم الحقائق التي ترسخت كمعالم لهذه المرحلة الجديدة: سقوط محاولات تغيير الحكومة الوطنية في سورية وأُفول الخطاب السياسي المعبّر عنها بشكل نهائي، سقوط الطبقة السياسية المأجورة التي جعلت نفسها مطيةً وعنواناً لهذ الخطاب، وهو ما عبر عنه استبعاد رياض حجاب وبعض العملاء الآخرين من “الهيئة العليا للمفاوضات”، ومن المنتظر ان يستكمل التعبير عنه بتحولات في الخطاب السياسي والشخصيات المعبرة عنه التي ستظهرها مخرجات الرياض ٢ الذي يعقد اليوم، علاوة على سقوط المواقف الاقليمية الصفرية والتحولات الملحوظة في هذه المواقف تجاه الاقرار بالنصر السوري و التعامل معه كأمر واقع جديد، وهو ما ينطبق على المواقف التركية والامريكية والخليجية على حد سواء. فلا حلول ولا قرارات لما تتمخض عنه بقية الاجتماعات مع أي طرف آخر إلا ما يقرره الأسد، وحتى ما يطرح او سيطرح عن تنازلات فلن تكون إلا كما يريدها الرابح في هذه الحرب السياسية والعسكرية بآن معا.
المصدر: موقع المنار