آيرين غندوير: التوق إلى النسيان – النفط، السلطة، فلسطين وأسس سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
Irene L. Gendzier, Dying To Forget: Oil, Power, Palestine & The Foundation Of U.S. Policy In The Middle East. Columbia University Press, New York 2015. Digital Edition (388 pages)
يتعامل هذا المؤلَّف مع حقيقة كون النفط عاملاً أساسياً في تطور موقف واشنطن من القضية الوطنية الفلسطينية بين عامي 1945 و1948 كما يلي لاحقاً.
الكاتبة وأستاذة العلوم السياسية في “جامعة بوسطن” آيرين غندوير، تفتتح مؤلفها بالتنويه إلى حقيقة أن وكالة الأمن القومي الأميركية أكدت أن عدوان “إسرائيل” على غزة عام 2014 كان من المستحيل حدوثه من دون الدعم السخي وحماية الإدارة الأميركية.
تنطلق الكاتبة من تلك الحقيقة، مستندة إلى المراجع والوثائق المعروفة، لكن الكثير من البحاثة اختاروا تجاهلها، لتأكيد حقيقة أن دور واشنطن في المشكلة الفلسطينية جزء لا يتجزأ من تاريخ الإقليم، ومواجهته لا يمكن الاستغناء عنه لفهم سياسات واشنطن الحالية حيث يمارس استمرار تدفق النفط دوراً رئيساً فيها.
تناقش الكاتبة في مختلف فصول مؤلفها خلفيات سياسات واشنطن تجاه القضية الفلسطينية وإن كانت، ولا تزال، خارجية أو داخلية، وكذلك دور ضغوط اللوبي الصهيوني وشركات النفط في تشكيل سياسة واشنطن تجاه الإقليم، ودوافع تغيير واشنطن سياستها قبل إعلان قيام كيان العدو حيث كانت تسعى لإلغاء قرار التقسيم وتبني قرار يضع فلسطين تحت الوصاية الدولية، إلى أن تنجح في وضع أسس قيام دولة عِلمانية موحدة!
هذا يعني، دوماً بحسب الكاتبة، ضرورة إعادة التفكير في ما نعرفه أو ما اخترنا تجاهله. فمَن المستفيد من إنتاج هذه المعرفة وأي أطراف تخدمها؟ ومن يخدم فرض الرقابة عليها ومن يتحدى صدقيتها؟
بالعودة إلى مطلع هذا العرض، تؤكد الكاتبة معرفة واشنطن بكل جرائم العصابات الصهيونية في فلسطين والتطهير العرقي، ومآلها في حال استمرار الإجرام الصهيوني، وهو ما أكده القنصل الأميركي في القدس طوماس وسن، الذي اغتالته العصابات الصهيونية في 10/04/1948 بعدما أرسل تقريراً إلى وزارة الخارجية في واشنطن عن الأمرين. كما تشير الكاتبة إلى تأكيد تقرير وكالة الاستخبارات المركزية عام 1947 أن إسرائيل، في حال قيامها، ستواصل التوسع إلى أن تحتل كل فلسطين ومن ثم شرق الأردن.
كما تؤكد الكاتبة على ضرورة الانتباه الكامل لإسهامات القنصل الأميركي المغدور في القدس ومساعديه روبرت مكاتي وغوردون مريام، إذ كان الأخير ذا خبرة في عالم النفط ومشاركاً في رئاسة المجموعة المكلفة بصياغة سياسة واشنطن تجاه فلسطين بين عامي 1945 و1948، والتي ضمت قيادات عسكرية منها وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ورئيس أركان القوات الجوية، ورئيس العمليات البحرية.
موقف واشنطن من قضية فلسطين، وفق الكاتبة، يتلخص في ثلاث مراحل هي الاكتشاف والإنكار والإذعان، أما بنية المؤلف فكما يلي:
الجزء الأول «عامل النفط ومسألة فلسطين 1945-1946»: يركز على دور النفط المهيمن على سياسات واشنطن بعد الحرب ودوره في تشكيل سياسة واشنطن في الشرق الأوسط بما في ذلك فلسطين. الفصل الأول يظهر إصرار واشنطن على المحافظة على سيطرتها على منابع النفط في الشرق الأوسط. الفصل الثاني يحلل تقرير إيرل هريسن، وتقرير اللجنة الأنغلو ــ أميركية وخطة مورسن-غرادي، مع التركيز على المعارضين لتلك السياسة.
الجزء الثاني «مسألة التقسيم والرابطة النفطية، 1947-1948»: يبحث في موقف واشنطن بين 29/11/1948 ومطلع كانون الثاني 1948 عندما ظهر الشك في إمكانية تنفيذ التقسيم وضرورة التخلي عنه، والذي أدى إلى مبادرة ممثل الوكالة اليهودية في لقائه التاريخي مع مدير قسم النفط والغاز في وزارة الداخلية الأميركية. الفصل الثالث يعرض الحجج الرئيسة التي قدمتها وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات الأميركية دعماً لتقسيم فلسطين، أما الرابع، فيناقش المرحلة المضطربة التي أعقبت صدور قرار التقسيم وزيادة الشكوك حول إمكانية تنفيذه واستبداله بوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية. الفصل الخامس يثبت أن تلك الشكوك هي التي أدت إلى اللقاء بين ممثل الوكالة ومدير قسم النفط والغاز في وزارة الداخلية والتي تثبت وجود «الرابطة النفطية».
الجزء الثالث، «وضع شاذ، 1948»: يحلل سياسات واشنطن تجاه فلسطين بين قرار التقسيم واعتراف واشنطن بإسرائيل. لذا، فإن الفصل السادس يعرض مخاوف واشنطن والاستخبارات من احتمالات عدم تطبيق قرار التقسيم وتقديم إثباتات على معرفة واشنطن بمسألة اللاجئين المهجَّرين من ديارهم.
الفصل السابع يظهر مدى التوافق العريض بين صناع سياسة واشنطن بعدم إمكانية تطبيق قرار التقسيم والتركيز على ضرورة الوصول إلى هدنة واستبدال برنامج وصاية أممية على فلسطين حتى يتم التوافق بين الأطراف بقرار التقسيم.
الفصل الثامن يلخص النقاش التاريخي الذي نظمه البيت الأبيض بين مجموعة من المستشارين المنتخبين ومسؤولين أميركيين بخصوص سياسة واشنطن. قرار ترومان الاعتراف بإسرائيل أذهل المسؤولين الأميركيين في الأمم المتحدة الذين كانوا يحضرون أرضية قرار وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية، المدعومة أميركياً. كما يظهر الفصل دراية واشنطن الكاملة بموازين القوى على الأرض ونتائج الحرب الكارثية من المنظور الإنساني.
أما الجزء الرابع «إعادة النظر في سياسة واشنطن تجاه فلسطين/إسرائيل، 1948»، فتواصل الكاتبة في الفصل التاسع ردود فعل واشنطن تجاه تطورات الموقف في فلسطين وتقرير وكالة الاستخبارات المركزية الذي أكد أن إسرائيل لن تتوقف عن سياسة التوسع الجغرافي وانتهاك الهدنة. خصصت الأكاديمية الفصل العاشر للحديث في ردود فعل واشنطن والأمم المتحدة تجاه استمرار إسرائيل في توسعها والتطهير العرقي الذي تمارسه.
الفصل الحادي عشر يضع النقاط على الحروف بخصوص مشكلة اللاجئين ومواقف كل من وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية وإذعان واشنطن لتل أبيب وتبني سياسات ترتكز إلى الأمر الواقع الذي فرضته.
الجزء الخامس «النهاية بدايةً، 1948-1940» يضم الفصلين 12 و13 ويتعامل مع دور «لجنة التوفيق» و«مؤتمر لوزان» وأهمية موقف البنتاغون المؤيد لإسرائيل واستعمالها القوة للتوسع وطرد الفلسطينيين والموقف من القدس.
من الأمور الملفتة أن سفير واشنطن في السعودية أبلغ حكومته عام 1948 أن موقف ملكي السعودية وشرق الأردن من قضية فلسطين ومستقبل الدولة اليهودية يشكل مصدر ارتياح لشركات النفط ووزارة الخارجية وللدولة اليهودية المستقبلية.
المصدر: جريدة الاخبار