يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾.
لقد خلق الله تعالى الكون في منتهى الروعة والجمال، خلق أرضاً ذات طبيعة خلاّبة جميلة تمتلىء أرجاؤها بألوان الأشجار والنباتات المثمرة والزاهية، وخلق سماءاً تزينها الكواكب والنجوم، (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) الصافات:6
لقد خلق الله تعالى كل ذلك من اجل أن يتنعم الانسان، واراد من الانسان في المقابل ان يحافظ على جمال الطبيعة، ونظافة البيئة، وروعة المظهر العام، بأن يكون مظهراً نظيفاً وجميلاً ومرتباً وأنيقاً، ورفض الاسلام أي مظهر من مظاهر القذارة والبؤس وتلوث البيئة وقبح المظهر العام .
والبيئة هي: كل شيء يحيط بالإنسان. وهي: الإطار الذي يمارس فيه الإنسان حياته من أرض وماء وهواء وكائنات، هذه البيئة الطبيعية خلقها الله سبحانه وتعالى ووضعها في خدمة الانسان، وعلى الإنسان أن يحافظ عليها، فلا يفسد فيها ولا يعبث بها أو يلوثها ولا يعمل على تدمير مواردها وخيراتها، بل يستفيد من خيراتها من دون أن يخربها ويفسد جمالها، هذه الطبيعة التي نعيش في أحضانها، خلقها الله تعالى لنا جميعا، الثروات والإمكانات، الهواء والماء والكائنات الحية والنباتات والأشجار والغابات والمحميات والأنهار والمستنقعات.. ويجب أن نحافظ عليها وان نتصرف فيها بالشكل الذي لا يضر بها.
مثلا يجب الاعتناء بمصادر المياه، والحفاظ عليها وعلى الثروات المائية، وأن نقتصد في استعمالها ،فلا نهدر المياه كما نفعل هنا في لبنان حيث ان معظم مياه الأنهار تذهب الى البحر في الوقت الذي يتاج الناس الة نقطة الماء!.
إلى جانب ذلك، فقد دعا الإسلام إلى ضرورة المحافظة على نظافة المياه وذلك من خلال عدم تلويثها، كونها تعتبر من الثروات الجماعية التي لا يجوز للفرد أن يتصرف بها وكأنها من الممتلكات الخاصة والشخصية.
وحث الإسلام على ضرورة ممارسة نشاط الزراعة، فالزراعة تجلب فوائد كثيرة للإنسان ولسائر الكائنات الحية.
وأمر الإسلام بالحفاظ على مختلف أنواع الكائنات الحية والحيوانات، وفي تاريخنا الإسلامي نماذج هامّة من اعتناء المسلمين بالحيوانات؛ كإنشاء أماكن تشبه المحمّيات الطبيعية من أجل رعيها ورعايتها وتكثيرها.
وجعل الإسلام المحافظة على نظافة الطرقات والشوارع والمرافق العامة شكلا من اشكال الصدقة والتقرّب إلى الله تعالى، لما في ذلك من خير يفيد كل الناس.
وحث الاسلام على غرس الأشجار في كل مكان، والحفاظ على الأشجار المعمرة والمحميات الطبيعية التي تعتبر ثروة لا تقدر بثمن، والحفاظ على البيئة البحرية ونظافة الشواطىء، وعدم التعدي غليها أو البناء فيها او في المحميات الطبيعية والمساحات الخضراء وذلك حتى لا تعدم المساحات الخضراء من محيطنا كما هو الحاصل الآن في بيروت وفي معظم المدن الكبيرة في لبنان حيث لا تجد حدائق ولا محميات ولا أحراش ولا مساحات خضراء بل لا تجد سوى المباني والحجر بدل الشجر وهذا أمر مضر بالبيئة.
الأشجار لها فوائد كثيرة فهي تنقي الهواء من السموم والإنبعاثات السامة التي تخرج من المعامل والمصانع والسيارات والشاحنات والدراجات النارية وغيرها، وهي أيضا تجلب الأمطار، وتضفي على البيئة والطبيعة جمالا ورونقا خاصا.
المطلوب من كل الناس أن يهتموا بغرس الأشجار في مناطقنا وأحيائنا، وكل من يقدر على زرع ولو شجرة أمام بيته ولو في مساحة ضيقة فليفعل، فهذا أمر مطلوب من الجميع كما هو مطلوب من البلديات والجمعيات البيئية ولجان المباني السكنية وغيرهم.
وعندما تقوم البلديات او الجمعيات أو الجهات المختلفة بحملات للنظافة والتشجير وخلق بيئة لائقة بمناطقنا، على الجميع أن يدعم مثل هذه الحملات ويساهم في إنجاحها من أجل خلق بيئة نظيفة وبعيدة عن الفوضى.
هناك جهات إما بدافع الطمع والجشع، أو بدافع الجهل لا تزال تمارس التدمير للثروات الطبيعية، وتتعدى على مواردها، خاصة الثروات العامة التي تستهلك في الكسارات وغيرها فهذه الثروات ليست ملكك وحدك، بل هي لكل الناس ولكل الأجيال هي للوطن كله، والناس والدولة والجمعيات والبلديات مسؤولون عن حمايتها والمنع من العبث بها إن كانت أملاكا عامة.
وهذا ما أكدت عليه الأحاديث والروايات الكثيرة. بل ان النبي (صلى الله عليه واله) نهى عن قطع الاشجار واحراق النخل واتلاف المزروعات حتى في الحرب .
وقد تضمنت وصايا النبي (صلى الله عليه واله) إلى قادة وعناصر الجيش الاسلامي العديد من الوصايا المتعلقة بعدم احراق المزروعات والبساتين، وتلويث مياه الانهار والبحار، وقتل الثروات الحيوانية، والقاء السم في المياه، وغيرها من الامور التي حذر النبي (صلى الله عليه واله) من ممارستها في الحروب فضلا عن ممارستها في حالات السلم.
بل اهتمت بعض الأحاديث بالحث على رعاية نظافة الحيوانات ونظافة بيئتها ومرابضها، فهي جزء من البيئة، ولا ينبغي أن تعرض صحة الإنسان وسلامته لأية مخاطر.
فعن النبي (ص) أنه قال: (امسحوا رغام الشاء، ونقّوا مرابضها من الشوك والحجارة) .
والرغام هو التراب، أي امسحوا التراب وأزيلوه عنها.
يقول أمير المؤمنين: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ وبِلادِهِ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ والْبَهَائِمِ)،
وقد وبخَّ القرآن الكريم، المفسدين للبيئة والمعتدين عليها يقول تعالى: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾.
ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾، فالإضرار بالحرث والنسل مصداق للفساد،نخن مؤتمنون على هذه البيئة وخلافاء الله في هذه الأرض، والمطلوب منا عمارة الكون، ﴿هو أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، وكل مورد من موارد الارض وكل نبتة وكل مخلوق في هذه الحياة له دوره وقيمته، لان الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئاً عبثاً، لذلك على الإنسان أن يحافظ على كل هذه البيئة.
وكما يجب ان ننظف البيئة الطبيعية من القذارات والاوساخ ، علينا ان ننظف ارضنا وبلدنا من الارهابيين الذين يهددون وطننا وكل أبناء بلدنا.
ومن هنا خضنا معركة جرود عرسال ضد جبهة النصرة الارهابية .
هذه المعركة التي خاضتها المقاومة في جرود عرسال هي معركة وطنية، جرت بجهود لبنانية دفاعا عن لبنان بكل طوائفه، ودفاعا عن أرض لبنانية، وضد مجموعات ارهابية طالما شكلت تهديدا لكل اللبنانيين، والانتصار الذي تحقق في هذه المعركة هو انتصار وطني جديد للبنان، لا لايران ولا لسوريا ولا لأي أحد آخر، يضاف الى جملة انجازات وانتصارات المقاومة التي حققتها خلال السنوات الماضية، لقد شكك البعض في هذه المعركة لأن المطلوب منه أن يشكك في كل شيء تقوم به المقاومة وأن يكيل الإتهامات للمقاومة وأن يشوه صورتها ويزور الحقائق والتاريخ.
البعض تصرف وكأنه لا وجود لارهابيين في جرود عرسال ولا وجود لإرهابيين يحتلون أرضاً لبنانية ولا وجود لتهديد حقيقي يشكله الارهاب على لبنان..
هل كان المطلوب ابقاء هؤلاء في ارضنا يحتلونها ويرسلون انطلاقا منها السيارات المفخخة والانتحاريين والأحزمة الناسفة الى الداخل ليقتلوا الناس من كل الطوائف وفي كل المناطق؟
ألم يستنزف وجود هؤلاء وخلاياهم في الداخل الجيش والأجهزة الأمنية وأعصاب الناس، وهم الذين كانوا يحاولون كل يوم اختراق الداخل من اجل التفجير وقتل الناس؟
لقد أُعطيت فرص كثيرة لإخراج هؤلاء التكفيريين من الأراضي اللبناني وابعاد خطرهم عن لبنان من دون معركة، ولكن كل الاتصالات والوساطات السابقة لم تؤدي الى نتيجة.
ما هو المطلوب؟ ان ننتظر هؤلاء ليرسلوا المزيد من الانتحاريين وليدخلوا الى قرانا ومدننا وبيوتنا؟؟
اليوم المقاومة انتصرت على جبهة النصرة وابعدت خطرها عن لبنان وحققت هذا الانجاز الوطني الجديد ودفعت في سبيل ذلك أعز الناس لديها، وهم الشهداء الين بذلوا دمائهم دفاعا عن سيادة لبنان وعن كل اللبنانيين وليس عن أحد آخر، وهزمت النصرة ومن معها من المجموعات الارهابية، واذا كان البعض يصر على ان يضع نفسه في موقع المنهزم او المتواطئ او المتهم الذي يظهر وكأنه يتبنى الارهابيين ويدافع عنهم فهذا شأنه وليتحمل هو مسؤولية مواقفه.
واليوم اللبنانيون باتوا يدركون من تهمه مصلحة لبنان ومن يفرط ويتهاون ويتبع ما تمليه عليه دول خارجية.
أغلب اللبنانيين تضامنوا والتفوا حول المقاومة والجيش في هذه المعركة، لكن بقيت هناك اصوات ومواقف لا تعبر عن ضمير اللبنانيين وقناعاتهم، وهذه الأصوات طالما كانت موجودة ليس ضد المقاومة بل ضد الجيش نفسه! ألم يشككوا بدور الجيش عندما قام ببعض العمليات الاستباقية قبل اسابيع في مخيمات النازحين ؟!
إننا نأمل أن تصمت هذه الأصوات وألا تضع نفسها في دائرة المتضرر من هزيمة الارهابيين ، لأننا لا نريد لهم أن يكونوا في هذا الموقع.
نريد للجميع أن يؤدوا واجبهم الوطني والإنساني في مواجهة الخطر الصهيوني والتكفيري الذي يتهدد كل اللبنانيين بلا استثناء، وان يقفوا الى جانب المقاومة والجيش والشعب ويتمسكوا بهذه المعادلة التي أثبتت في كل المحطات والاستحقاقات الصعبة أنها قادرة على مجابهة الأخطار وعلى حماية لبنان.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع المنار