“… نستطيع أن نقول إن الحدود اللبنانية .. من الجنوب إلى البقاع إلى الشمال إلى البحر باستثناء منطقة جرود عرسال .. خرجت من دائرة التهديد العسكري.. حتى التهديد الأمني أستطيع أن أقول إنه تراجع بدرجة عالية جدا وكبيرة جدا..”، هذا جزء مما اعلنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته خلال احتفال يوم الجريح المقاوم في 2-5-2017.
كلام السيد نصر الله يؤكد ان العمل الذي بذل لتطهير المنطقة المحيطة بالحدود الشرقية للبنان كبير جدا حيث تم إبعاد الخطر الارهابي عن هذه الحدود بشكل فعال، باستثناء جرود بلدة عرسال البقاعية التي تعتبر باعتراف الجميع “محتلة” من الجماعات الارهابية، وهي تنتظر القرار السياسي لتطهيرها، اما باقي المناطق الحدودية على السلسلة الشرقية لجبال لبنان كانت قبل ما يزيد عن السنتين تمثل خطرا ليس فقط على المناطق الحدودية اللبنانية بالشكل المباشر انما ايضا على الداخل اللبناني.
عناصر قوة لبنان..
ولكن كيف تمكن لبنان من إبعاد هذه الاخطار التي تشعل المنطقة ككل عنه بهذه السرعة الفائقة نسبة لما يحصل حولنا؟ واي استراتيجية اعتمد لبنان لابعاد الخطر التكفيري كما الخطر الاسرائيلي عنه؟ والأكيد ان العدو الاسرائيلي يحسب حسابات كثيرة قبل ان يقدم على اي خطوة تمس لبنان بأي جانب من الجوانب، وليس ما أثبتته وسائل الاعلام المختلفة خلال الجولة الاعلامية على الحدود من اجراءات احترازية ودفاعية للعدو إلا تأكيد المؤكد ان العدو يجري الحسابات الدقيقة جدا في اي فعل يمس لبنان من قريب او من بعيد، فما الذي يردع العدو الاول ويردع الادوات التكفيرية؟ وهل لبنان يتميز بأشياء لا توجد لدى غيره من الدول الاقليمية بل دول العالم؟
الحقيقة ان السيد نصر الله اجاب بما لا يقبل مجالا للشك ان من عوامل نجاح هذا الامر هو المعادلة الذهبية “الجيش والشعب والمقاومة” لأنه عندما نتحدث عن حدود وعندما نتحدث عن الأمن والاستقرار الأمني في البلد وعندما نتحدث عن مواجهة التهديد العسكري والتهديد الأمني، فهنا نتحدث عن تضافر جهود الجيش والأجهزة الأمنية والمقاومة والمساندة الشعبية بمعزل عن كل الآراء التي تعترض أو تخالف أو تعبّر عن موقف مختلف في هذه المسألة، وبالطبع ان قدرة هذه المعادلة على تحقيق ما حققته يرتكز على تضحيات جسام تقدم من الجميع دون استثناء سواء من شهداء الجيش والمقاومة والشعب او حتى من الجرحى من المجاهدين والعسكريين بالاضافة الى ثبات المواطنين بمواجهة العدو التكفيري كما صمدوا ويصمدون اليوم بوجه العدو الاسرائيلي، بما يشكل شبكة امان وطنية تحصن الساحة الداخلية وتدعم المعادلة الذهبية بالوحدة اللبنانية الصلبة.
ولكن ما الاهمية العملية لتأمين الحدود على مجمل الوضع اللبناني؟ وهل للامان في هذه المنطقة بعده السياسي والاقتصادي الاجتماعي خاصة اننا نقف على مقربة من انطلاق موسم السياحة الواعد ام ان الامر يقتصر على الامور العسكرية والامنية فقط؟ وهل بقاء جرود عرسال مقرا لجماعات من الارهابيين يشكل انتكاسة لهذا الانجاز الذي تحقق بتضافر جهود جميع اللبنانيين؟ ام انه بالعكس ما تحقق يشكل دافعا قويا لمن يقف بوجه تطهير جرود كي يتنازل لمصلحة لبنان ويرفع الغطاء ويطلق يد الجهات الامنية والعسكرية اللبنانية لتطهير كامل المنطقة المحاذية لسوريا؟
تحرير الجرود.. وتحصين الساحة الداخلية
الاكيد ان تحرير جرود بلدة عرسال سيكون واجبا وضرورة في آن، لان بقاء هذه المنطقة تحت سيطرة الارهابيين يعني ان عرسال ستبقى رهينة الارهاب واللاستقرار الامني ما يضر بشكل مباشر بأهالي عرسال في يومياتهم وارزاقهم وامنهم الاجتماعي، كما ان هذه المنطقة ستشكل نقطة ضعف او خاصرة رخوة يمكن ان يعود من خلالها الارهاب ليحاول التسلل الى القرى المحيطة والى الداخل اللبناني كي يزعزع الاستقرار الذي يقال انه حاجة ومطلب دولي كما هو حاجة محلية.
إلا ان تحرير عرسال يحتاج بالدرجة الاولى الى قرار سياسي تحكمه الطبيعة الخاصة للمنطقة، ففي السابق كان هناك من يعرقل اعطاء مثل هذا القرار كي يتم انهاء اي تواجد للارهاب بشكل فاضح على الاراضي اللبنانية، ولكن هل هذا الرفض ما زال مستمرا حتى اليوم ام ان هناك تبديلات حصلت خاصة بعد الاستقرار السياسي الذي شهده لبنان منذ انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جمعت غالبية الاطراف؟ علما ان المصالحات التي حصلت في سوريا لا سيما في مناطق كالزبداني القريبة لحدودنا من الجهة السورية قد تشكل احد النماذج لانهاء الحالة الغريبة عن عرسال، ويكون بالتالي الحل سياسيا عبر اخراج المسلحين الى مناطق محددة كما حصل مع مسلحين مضايا والزبداني وسرغايا وغيرها من المناطق السورية، اي ان التحرير قد يحصل بناء على اتفاقات معينة بدون إراقة نقطة دم واحدة ومن دون تعريض اهل عرسال للخطر فيما لو فكرت الجماعات الارهابية أخذ البلدة وأهلها كدروع بشرية بمواجهة الجيش والقوى الامنية اللبنانية.
يبقى ان هذه الايام تشهد ذكرى استشهاد القائد الجهادي الكبير الشهيد القائد السيد مصطفى بدر الدين(السيد ذوالفقار) الذي قضى في سوريا بمواجهة الارهاب التكفيري في سبيل منع هذا “الوباء” من الوصول الى لبنان والتحكم بأمنه واستقراره، وما نعيشه اليوم في لبنان من امن وامان بمواجهة هذا الخطر كان للسيد ذوالفقار اليد الطولى به مع اخوته وتلامذته من المجاهدين، كما كان للسيد الشهيد الدور الفعال في حماية لبنان من العدو الاسرائيلي منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى اليوم نتيجة ما أسسه وبناه مع أخوته في قيادة المقاومة من مؤسسة ومنظومة عمل كاملة لحماية الوطن.
المصدر: موقع المنار