أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري أن الإدارة الأمريكية تدفع بالحرب الإرهابية المفروضة على سورية نحو مستويات خطرة من خلال الانتقال من العدوان بالوكالة إلى العدوان بالأصالة مشيرا إلى أنها عندما شعرت بتقهقر المجموعات الإرهابية ارتكبت عدوانها المبيت والسافر على قاعدة الشعيرات الجوية.
وقال الجعفري في كلمة له خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي اليوم بشأن مشروع قرار أمريكي بريطاني فرنسي حول استخدام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون بمحافظة إدلب “يبدو أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يدفعها للبحث عن دور جديد يتمثل في هذا الخطاب المتطرف غير العقلاني في هذا المجلس بما يذكرنا بالدور الإجرامي لرئيس الحكومة البريطانية الأسبق طوني بلير في غزو العراق قبل 14 عاما بعد فبركة خرافة أسلحة الدمار الشامل العراقية ودفع الفيل الأمريكي إلى تكسير الخزف الحضاري العراقي الغني بهمجية ما زال الشعب العراقي يدفع ثمنها حتى هذا اليوم”.
وأضاف الجعفري “كنا نعتقد منذ أسبوع فقط أننا قادمون إلى هذه الجلسة لمشاركتكم لما تم إنجازه مؤخرا في أستانا وجنيف وإعطاء الدفع والدعم اللازمين للمبعوث الخاص دي ميستورا وللأطراف الجادة في السعي للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة في سورية ولتنسيق الجهود في مكافحة الإرهاب”.
وأوضح الجعفري “إنه في خضم هذا التفاؤل أبت الإدارة الأمريكية إلا أن تسعى لتكرار المسرحية الدامية التي مارستها في هذا المجلس بالذات ضد العراق منذ 14 عاما والتي تحمل عنوان كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية وإن الإدارة الامريكية اليوم تدفع بالحرب الإرهابية المفروضة على سورية نحو مستويات خطرة غير مسبوقة وذلك من خلال الانتقال من العدوان بالوكالة عبر الجماعات الإرهابية المسلحة التي تشغلها منذ سنوات إلى العدوان بالأصالة عبر العمل العسكري المباشر ضد سورية”.
وتابع الجعفري “لقد دأبت الولايات المتحدة التي تدير الإرهاب في سورية مع حلفائها وعملائها في المنطقة على تقديم كل أشكال الدعم للمجموعات الإرهابية كي ترتكب أفظع الجرائم بحق المدنيين والبنى التحتية في سورية والتي تندرج في إطارها ممارسات ما يسمى “التحالف الدولي” الذي أثبتت الأحداث انه لم يفعل شيئا سوى تدمير البنى التحتية وقصف المدنيين بل تقديم الغطاء الجوي لتنظيمي جبهة النصرة و”داعش” الإرهابيين والمجموعات الإرهابية المرتبطة بهما كما حصل عندما تم قصف موقع الجيش السوري في جبل الثردة بديرالزور بتاريخ 17-9-2016.
وبين الجعفري “إن تقديم الدعم العسكري المباشر والغطاء الجوي للمجموعات الإرهابية المسلحة لن يقتصر فقط على ما يسمى “التحالف الدولي” بل كانت “إسرائيل” سباقة له في نيل شرف دعم الإرهاب حين عملت منذ انطلاق أنشطة المجموعات الإرهابية في منطقة الفصل في الجولان السوري المحتل وعلى رأسها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي إلى تقديم كل أشكال الدعم لهذه المجموعات بما فيها الإسعاف والرعاية الطبية لجرحاها من الإرهابيين وكذلك على نفقة النظام القطري كما تعرفون وتأمين الغطاء الجوي من خلال شن الغارات على مواقع الجيش السوري كلما تقدم في معاركه ضد هذه الجماعات الإرهابية”.
وأشار الجعفري إلى أن ما زاد الطين بلة كان تقديم الدعم الإسرائيلي لتنظيم “داعش” الإرهابي مباشرة من خلال الغارات التي شنتها الطائرات الإسرائيلية بتاريخ 17-3-2017 على مواقع للجيش السوري في تدمر وذلك بهدف دعم تحركات التنظيم الإرهابي في تلك المدينة ثم تكرر نفس المشهد فجر يوم الجمعة 7-4-2017 حينما شعرت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها أن المجموعات الإرهابية التي سلحتها ودربتها ومولتها قد بدأت تتقهقر تحت وطأة الضربات الموجعة لجيشنا السوري وحلفائنا فارتكبت عدوانها المبيت والسافر على قاعدة الشعيرات الجوية بذريعة استخدام الأسلحة الكيمياوية في خان شيخون التي يسيطر عليها أساسا تنظيم جبهة النصرة الإرهابي.
وبين الجعفري أن الإدارة الأمريكية لم تكتف بهذا العدوان بل سبقته بوقاحة سياسية تمثلت باستغلال آليات الشرعية الدولية في مجلس الأمن من خلال تقديم مشاريع قرارات استفزازية تنحو نحو تحميل الحكومة السورية مسؤولية الاستخدام المروع للأسلحة الكيماوية وإبعاد الشبهات عن المجرم الحقيقي من الإرهابيين والدول الداعمة لهم.
وقال الجعفري “لقد تم التخطيط لهذا العدوان الخطير بعناية منذ عدة أشهر في الغرف السرية لأجهزة استخبارات تل أبيب والرياض والدوحة وأنقرة وعمان وواشنطن ولندن وباريس وهي العواصم التي عملت على مدار السنوات الماضية على تزويد أدواتها الإرهابية في الداخل السوري وعلى رأسها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي بالمواد الكيماوية السامة لاستخدامها واتهام الحكومة السورية بها كما حصل في خان العسل بتاريخ 19 آذار عام 2013 وفي الغوطة الشرقية بتاريخ 21 آب عام 2013 وفي تل منس بتاريخ 21 نيسان عام 2014 وفي سرمين بتاريخ 16 آذار عام 2015 وفي قنينص بتاريخ 16 آذار عام 2016.
وأضاف الجعفري “لن أطيل عليكم الآن في إنعاش ذاكرة المجلس بأكثر من 90 رسالة وجهناها لكم منذ بداية الأزمة وحتى اليوم حول حيازة المجموعات الإرهابية لمواد كيماوية سامة بغرض استخدامها ضد المدنيين من أجل اتهام الحكومة السورية بارتكاب هذه الفظائع وذلك لشيطنتها في عيون الدول الأعضاء في مجلس الأمن وفي عيون الرأي العام العالمي ومن ثم تبرير التدخل في شؤونها الداخلية” لافتا إلى أن “بعض هذه الرسائل تناول تهريب السارين من ليبيا عبر تركيا على متن طائرة مدنية بواسطة شخص سوري مجرم اسمه هيثم القصار وتم إيصال ليترين من السارين القادم من ليبيا عبر تركيا إلى المجموعات الإرهابية في سورية.. أعطيناكم الأسماء والتواريخ والأحداث وطريق السير الذي حمل هذه المادة الإرهابية من ليبيا إلى سورية”.
وأشار الجعفري إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولان ديما في حزيران عام 2013 والتي كشف النقاب فيها عن اطلاعه خلال زيارة له إلى لندن على وجود مؤامرة على سورية لتدميرها وعزل حكومتها بسبب مواقفها المعارضة لـ إسرائيل قبل بدء الأزمة في سورية بعامين اثنين.
كما لفت الجعفري إلى التقرير الذي نشرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية في كانون الثاني 2013 ثم سحبته حينها من التداول على موقعها الالكتروني وتضمن عرضا لرسائل الكترونية متبادلة بين مسؤولين كبار في شركة “بريتام ديفنس” البريطانية وفيه تم عرض مخطط وافقت عليه واشنطن آنذاك مضمونه أن قطر وبالتعاون مع تركيا ستمول قوات المتمردين في سورية لاستخدام الأسلحة الكيميائية “حينها ما كان على الرئيس الأمريكي السابق إلا أن يخلق ما سماه خطا أحمر بأنه لن يتسامح مع استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية من أجل تبرير أي عدوان عسكري علينا ولكنه لحسن الحظ تراجع في اللحظات الأخيرة حين تخلى عنه أقرب حلفائه الأوروبيين نتيجة ضغط الرأي العام ورفضه أي تدخل عسكري لبلاده في سورية”.
وأوضح الجعفري أن الوثائق التي سربها موقع “ويكيليكس” أثبتت أن البيت الأبيض أعطى الضوء الأخضر لهجوم بالأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية بضواحي دمشق بحيث يكون من الممكن إلقاء اللوم على الحكومة السورية وهو الأمر الذي سيحفز بدوره العمل العسكري الدولي ضد سورية.
وأضاف الجعفري “أما اليوم فإن الإدارة الأمريكية الجديدة التي كنا نتفاءل بوصولها إلى واشنطن والتي تزعم بأن مكافحة الإرهاب أولوية لها لم تجد مع حلفائها ذريعة إلا أن تستعين من جديد بخدعة الخط الأحمر وفبركة حادثة استخدام المواد الكيماوية السامة في خان شيخون من أجل شن العدوان على سورية وإفشال المحادثات في أستانا وجنيف لإنقاذ المجموعات الإرهابية المسلحة من مأزقها ومساعدة جماعات “المعارضة” المرتبطة بها في الهروب من استحقاقات التسوية السياسية ومن مكافحة الإرهاب.. لأننا استطعنا في جنيف أن نضيف سلة مكافحة الإرهاب إلى جدول أعمالنا”.
وتابع الجعفري “لم يرق هذا الأمر لأعداء المسار السياسي وإلا كيف يمكن لأي تفكير عاقل ومنطق سليم أن يقبل الكذب والتضليل واتهام سورية باستخدام سلاح كيميائي لا تملكه أساسا حسب بيان البعثة المشتركة للتخلص من الأسلحة الكيميائية في سورية.. وفي حزيران عام 2014 أمام هذا المجلس بالذات قالت سيغريد كاغ إنه لم يبق سلاح كيميائي في سورية.. والأنكى من ذلك والمفارقة العجيبة هي أن من دمر السلاح الكيميائي آنذاك هي السفن الأمريكية في البحر المتوسط”.
وقال الجعفري يأتي هذا “في الوقت الذي يحقق فيه الجيش السوري وحلفاؤه انتصارات ساحقة على الإرهاب وفي الوقت الذي تتحقق فيه مصالحات وطنية على امتداد المدن والمناطق في سورية وفي الوقت الذي أنجزت فيه اجتماعات أستانا خطوات مهمة لجهة التأكيد كما قال دي ميستورا على سيادة ووحدة أراضي سورية بما يعني ضبط الحدود مع الدول المجاورة وخاصة تركيا والأردن ومنع تدفق الإرهابيين ووقف الأعمال العدائية وفصل المجموعات المسلحة عن تنظيمي النصرة و”داعش” وتوحيد الجهود في الحرب على الإرهاب.. هذه هي نتائج أستانا.. لو طبقت هذه النتائج لانتهت الأزمة في سورية خلال 24 ساعة”.
وقال الجعفري “إنه في الوقت الذي بدأت فيه اجتماعات جنيف بالسعي الجاد نحو بلورة رؤية سياسية وخريطة طريق للتسوية في سورية وفي الوقت الذي تشهد فيه سورية انفتاحا دبلوماسيا وزيارات من وفود برلمانية بما فيها وفود غربية باتت تتحدث إلى الرأي العام العالمي عن حقيقة ما يجري في سورية وتدعو إلى دعم الحكومة السورية في الحرب على الإرهاب.. إنني أترك هذا السؤال عهدة وأمانة لدى كل من لا يزال يحتكم إلى العقل والمنطق والقانون في هذا المجلس في تفسير هذا الجنون الأعمى وهذه الشهية المتوحشة نحو إحراق سورية والمنطقة وإدخال العلاقات الدولية في مرحلة جديدة من الصراعات والحروب التي لن ينتصر فيها إلا الإرهاب وعقيدة التطرف والكراهية ومنطق القوة العسكرية وشريعة الغاب”.
ولفت الجعفري إلى أن الحكومة السورية وفي مواجهة هذا التزوير والتضليل لتبرير العدوان العسكري وجهت أمس للمجلس رسالة تشير فيها إلى دعوة الحكومة السورية مدير عام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي لإيفاد بعثة فنية إلى كل من خان شيخون وقاعدة الشعيرات الجوية لاستجلاء حقيقة ما حدث و”هذا يعني أننا نريد نحن كحكومة سورية أن نعرف من الذي استخدم الغاز الكيمياوي في سورية” مضيفا “يجب أن نقول جميعا لا ثم لا ثم لا للحرب التي يروج لها تجار الحروب وأعداء القانون على أنها خيار عادي وهم جاثمون في الدفء والأمان مع امتيازاتهم وأرباحهم وغرورهم”.
وبين الجعفري أن الحكومة السورية قدمت خلال الجولة الأخيرة في جنيف أوراقا عديدة لدي ميستورا كانت أولاها ورقة مبادئ عامة للحل السياسي في سورية تتعلق بإيجاد أرضية منطقية وطبيعية للبدء بمناقشة كل القضايا والتي كانت جزءا أساسيا من النقاش حول السلال الأربع إضافة إلى أوراق أخرى من ضمنها ورقة تتعلق بمكافحة الإرهاب مشيرا إلى أن ذلك تم خلال الأيام التسعة التي تم فيها مناقشة كل بنود جدول الأعمال المتفق عليه ولكن لم يكن هناك في المقابل شريك جاد يسعى فعلا لمكافحة الإرهاب والتوصل إلى حل سياسي ناهيك عن وجود معارضات وليس معارضة سورية.
وقال الجعفري إن “سورية تستنكر مساعي كل من الإدارة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا لإفشال جهود المبعوث الخاص وعرقلة المحادثات في أستانا وجنيف وهي المحادثات التي انخرطت الحكومة السورية فيها بكل جدية وصبر وإحساس لمسؤولية لأن شعبنا يحملنا مسؤءولية تاريخية في الدفاع عن البلاد ووقف سفك الدماء”.
وأكد الجعفري أن العدوان الأمريكي لن يثني الحكومة السورية وحلفاءها عن الاستمرار في مكافحة الإرهاب ولا عن المشاركة الفعالة في الجولات المقبلة لمحادثات أستانا وجنيف وفي مناقشة جدول الأعمال المتفق عليه والانخراط بشكل فعال في مواضيع الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب بشكل متواز “كما لن نألو جهدا لمساندة كل جهد صادق يهدف إلى الوصول إلى حل سياسي يقرر فيه السوريون أنفسهم وحدهم مستقبلهم وخياراتهم بما يضمن سيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها”.
وقال الجعفري “إنني أستغرب ما تحدث عنه مندوب فرنسا عن عزمه والدول الأخرى الثلاث تقديم مشروع قرار اليوم وطرحه على التصويت بخفة دبلوماسية مخجلة لأن خطوة استفزازية كهذه تأتي قبل التحقيق الدولي النزيه من جانب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ولذلك فإن تقديم مشروع قرار هو سوء استخدام فظ لآليات مجلس الأمن ويذكرنا بسوء استخدام آليات مجلس الأمن من قبل بريطانيا وأمريكا ضد العراق قبل 14 عاما.
المصدر: وكالة سانا