نبارك للمسلمين جميعا ذكرى ولادة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) في الثالث عشر من شهر رجب الأصب.
من المبادىء السياسية الأساسية لدى علي(ع) التزام الحق والقانون والعمل به وسيادته على الجميع.
فالقانون في نظر علي (ع) هو ضرورة اجتماعية لا يمكن الاستغناء عنها في جميع الاحوال، لانه هو الذي ينظم علاقات المجتمع، ويحمي حقوق الافراد، ومصالح الناس وحياة الناس، كما يمنع الفوضى والتسيب والفلتان الاجتماعي والاقتصادي والتجاري والامني وغيره، ولا بد من سلطة ودولة تعمل وتسهر على تطبيق القوانين ورعاية المجتمع وضرب المرتكبين والمخلين والفاسدين.
ولذلك يقول الامام علي (ع) رداً على الخوارج الذين قالوا لا حكم الا لله , كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا اَلْبَاطِلُ، نَعَمْ إِنَّهُ لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ، وَلَكِنَّ هَؤُلاَءِ يَقُولُونَ لاَ إِمْرَةَ إِلاَّ لِلَّهِ، وَإِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ اَلْمُؤْمِنُ وَ يَسْتَمْتِعُ فِيهَا اَلْكَافِرُ وَ يُبَلِّغُ اَللَّهُ فِيهَا اَلْأَجَلَ وَ يُجْمَعُ بِهِ
اَلْفَيْءُ وَ يُقَاتَلُ بِهِ اَلْعَدُوُّ وَ تَأْمَنُ بِهِ اَلسُّبُلُ وَ يُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ اَلْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ.
واحترام القانون والالتزام به من قبل عامة الناس هو امر ضروري وواجب شرعي ووطني، وليس لاحد اياً كان ومهما علا شأنه تجاوز القوانين المرعية والتعدي عليها والاخلال بها وتجاوز ما هو مرسوم من قبل الدولة، حتى لو كانت القوانين قوانين وضعية في دولة غير اسلامية ..
فالقوانين الوضعية في الدول غير الاسلامية اذا كانت غير مخالفة للشرع، وكانت مخالفتها تسبب تجاوز الحقوق ، وتعطيل المصالح، ووقوع الأضرار والحوادث فإن الالتزام بها واجب شرعاً، وهذا هو رأي جميع فقهائنا ومراجعنا العظام ومنهم الأمام القائد السيد علي الخامنئي حفظه الله والسيد علي السيستاني حفظه الله.
ولا يجوز لأحد أن يتجاوز القانون ويشعر أنه محمي بطائفته او حزبه او زعيمه او علاقاته، فالجميع في النظام الديمقراطي العادل يجب ان يكون تحت سقف القانون والقانون فوق الجميع.
وسيادة القانون على الجميع هو مبدأ من مبادئ الامام علي بن ابي طالب(ع) السياسية الذي التزمه ومارسه في تجربته في الحكم ، فلا احد في حكم علي (ع) فوق القانون مهما علا شأنه، ولا احد معفو من تطبيق القانون حتى لو كان أقرب الناس اليه .
يقول (ع) وهو يشير الى ذلك في كتاب له إلى اُمرائه على الجيوش: إلّا وإنّ لكم عندي أن لا أحتجزّ دونكم سِرّاً إلّا في حزب ، ولا أطوي دونكم أمراً إلّا في حُكم ، ولا أؤخّر لكم حقّاً عن محلّه ، وأن تكونوا عندي في الحقّ سواء .
ويقول(ع): {الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه}.
الحاكم العادل والدولة العادلة لا تدع احدا يفلت من تحت القانون اذا اخطأ او ارتكب جرماً او مد يده الى المال العام بغير وجه حق، حتى لو كان من أقرب المقربين حتى لو كان رئيساً أو زعيماً أو وزيراً أو نائباً أو مسؤولاً كبيراً، بل حتى لو كان اخو الحاكم او ابنه او زوجته، اما الحاكم غير العادل والدولة المزرعة، فان كل من يتصل بزعيمها وينتمي الى سياسييها بشكل او بآخر، فهو محمي ازاء القانون حتى اذا قتل ونهب وارتكب اعظم الجرائم بحق الناس، لان الحاكم غير العادل يتعامل مع السلطة وكأنها ملكه الخاص، وتسري هذه الحالة الى غيره ممن ينتمون اليه، فابنه لص لا يطاله القانون، وزوجته فاسدة لا يطالها القانون ، وجماعته يتصرفون بالمال
العام من دون حسيب ولا رقيب، ومن ينتمي اليه او الى حزبه أو طائفته أو جماعته يستطيع أن يسرق ويفسد بلا وازع من قانون، واذا صادف ان وقع احدهم في فخ القانون متلبساً بالجرم المشهود، تدخلت الوساطات.. وقد يتدخل المسؤول نفسه لانقاذه من ورطته، وأحياناً تتحول القضية الى قضية طائفية او مذهبية او سياسية، ويصبح اعتقال ومحاسبة المجرم والمرتكب وكأنه موجه ضد هذه الطائفة أو ضد هذا المذهب أو ضد هذه الجهة السياسية أو تلك، كل ذلك من أجل حماية المجرمين والمفسدين وانقاذهم من العقاب.
اما في تجربة علي(ع) فلا احد فوق القانون، بل القانون فوق الجميع وفوق اقرب المقربين.
وكمثال على تطبيق مبدأ (القانون فوق الجميع) أن النجاشي الشاعر الذي كان يمدح الامام عليه السلام بشعره ونثره ، ويهجو معاوية، ويحقره، انقلب في لحظة امتحان، فاصبح يهجو علياً(ع) ويمدح معاوية، بسبب أن شرطة الامام القت القبض عليه بالجرم المشهود وقد سكر في شهر رمضان فاحضروه الى الامام ، فأمر الامام بجلده ثمانين جلدة وزاد عليها عشرين، فهاله هذا الجزاء من أمير المؤمنين، اذ لم يتصور ان الامام الذي طالما مدحه في شعره وهجا عدوه، سيعاقبه بسبب خطأ ما، على اعتبار انه وامثاله كانوا دائما فوق القانون في الحكومات السابقة بسبب علاقتهم الحميمة بالحاكم، فاحتج وقال: يا امير المؤمنين؛ اما الحد فقد عرفته، فما هذه العلاوة؟ فقال له الامام: لجرأتك على الله، وافطارك في شهر رمضان.
فغضب وغضب بعض جماعته فجاؤوا الى الامام يحتجون وينكرون عليه ما كان، فقالوا: يا امير المؤمنين؛ ما كنا نرى ان اهل المعصية والطاعة، واهل الفرقة والجماعة عند ولاة العدل ومعادن الفضل سيان في الجزاء، حتى راينا ما كان من صنيعك باخي الحارث.
فأجابهم الامام قائلاً: {يا اخا نهد، وهل هو الا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرمات الله} .
وعلي (ع) كما أنه حافظ على سيادة القانون وجعله فوق الجميع، فإنه أيضاً لم يتساهل مع المخلين بالقوانين والمخالفين والمتجاوزين، ولم يتراخى مع الفاسدين والمفسدين والمجرمين الذين كانوا يهددون مصالح الناس ويعرضون امنهم وحياتهم للخطر، فقد طارد علي (ع) كل من ثبت انه مخل بالامن والقانون وأمر بملاحقة كل المجرمين والفاسدين والقاء القبض عليهم وسجنهم ومحاسبتهم وانزال العقوبة التي يستحقونها بهم.
فقد كتب (عليه السلام) إلى زياد بن خصفة وهو قائد أمني كان قد امره بمطاردة مجموعة من الفارين بقيادة الخريت بن راشد، و كانوا قد ارتكبوا جرائم قتل وتعرضوا لأمن الناس :
(أما بعد فقد كنت أمرتك أن تنزل دير أبي موسى حتى يأتيك أمري، وذلك إني لم أكن علمت أين توجه القوم، وقد بلغني أنهم أخذوا نحو قرية من قرى السواد، فاتبع آثارهم وسل عنهم، فإنهم قد قتلوا رجلا من أهل السواد مسلما مصليا، فإذا أنت لحقت بهم فارددهم إلي، فإن أبوا فناجزهم واستعن الله عليهم فإنهم قد فارقوا الحق، وسفكوا الدم الحرام، وأخافوا السبيل والسلام).
هذه هي سياسة أمير المؤمنين(ع) تجاه المتورطينبالقتل والجريمة والفساد والإفساد وإخافة الناس وإرعابهم والإعتداء على ممتلكاتهم ومصالحهم.. نعم علي(ع) لم يكن يأخذ على التهمة أو يعتقل أو يعاقب على مجرد الظن او الإتهام والإخبار، كان(ع) يتثبت من ارتكاب المخالفة ومن المجرم وينزل العقوبة بمن ثبت تورطه واجرامه.
اليوم ملاحقة ومطاردة تجار المخدرات واللصوص والمجرمين واصحاب الخوات ومن يهددون أمن الناس ومصالحهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم هو من واجبات الدولة والقوى الأمنية اللبنانية في كل المناطق.
تطهير المجتمع والبلد من الفاسدين والمفسدين والمعتدين وفرض القانون على الجميع، وحماية مصالح الناس وامنهم وحياتهم، هو مسؤولية الدولة والاجهزة الامنية وليس مسؤولية اي احد اخر، ويجب ان تفرض الدولة وجودها وهيبتها في كل المناطق ليشعر الناس بحضورها وليعيش الناس الاطمئنان وراحة البال وليستعيد الناس ثقتهم بالدولة.
الحملة الامنية والاجراءات التي بدأتها القوى الامنية في الضاحية والبقاع وغيرها من المناطق ضد المجرمين وتجار المخدرات والمفسدين هي أكثر من ضرورية، وقد انتظرها الناس منذ زمن طويل ،وتُشكر القوى الأمنية على عودتها المتأخرة وعلى إهتمامها بأمن هذه المناطق، فأن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، لكن لا بد من استكمال هذه الحملة ومتابعتها وتفعيلها على المدى الطويل بالرغم من سقوط بعض الشهداء..
فقد سقط في الاسبوع الماضي شهيدان من القوى الامنية في هذه الحملة، ودماء شهداء القوى الامنية يجب ان تكون حافزاً للمضي في هذه الحملة واستكمالها، ودافعاً للاصرار على تطهير المناطق من بؤر الفساد والمخدرات والاجرام وعدم التراجع في هذا الامر.
نحن لم ولن نكون بديلاً عن الدولة، ولم ولن نغطي احداً من المرتكبين والمفسدين أياً كانوا، والناس يجب أن تتعاون لأن الامر يتعلق بصورة هذه المنطقة وسمعة هذه المنطقة وأمن هذه المنطقة وأمن اهلها..
أما ضرب سوريا فجر هذا اليوم بحجة الدفاع عن السوريين فهو عمل عدائي إرهابي لا يختلف عن إرهاب داعش والنصرة ، اذا كانت أمريكا حريصة على الشعب السوري الى هذا الحد فلماذا لا تزال تدعم الجماعات الإرهابية التي تقتل الشعب السوري في كل يوم بالسلاح الكيميائي وغير الكيميائي؟ ولماذا كانت تغطي ولا زالت تغطي الجرائم والمجازر التي ارتكبتها اسرائيلي في فلسطين ولبنان.. والمجازر التي ترتكبها السعودية في كل يوم بحق أطفال اليمن ؟
لقد كانت اسرائيل والسعودية اول المرحبين والمهللين والمباركين لهذه الضربة لأنها تخدم أهدافهما في سوريا وتعطي جرعة معنوية لأدواتهم الإرهابيين من داعش والنصرة وأخوتهما، خصوصاً بعد الإحباط الذي أصاب هذه الجماعات الارهابية نتيجة الهزائم المتلاحقة التي منيت بها مؤخراً في حلب وتدمر والبادية السورية ودمشق وحماة.
العدوان الأمريكي على سوريا تعبير عن الفشل الامريكي الاسرائيلي السعودي في سوريا وعجزهم عن اسقاط النظام ، هو محاولة فاشلة لإنقاذ ادواتهم التكفيريين الارهابيين المحبطين الذين هزموا في كل تلك المواقع، لكن لن يستطيع هذا العدوان كسر ارادة الشعب السوري ولا تحقيق ما عجز عن تحقيقه أدواتهم التكفيريون خلال ست سنوات من القتل والذبح والتدمير، ولن يحصدوا منه سوى المزيد من الإحباط والخيبة واليأس.
المصدر: موقع المنار