حملة إعلامية وسياسية، فاحت منها رائحة نوايا خبيثة، ترافقت مع مجريات الأحداث الميدانية والديبلوماسية في الموضوع السوري خلال الأيام الأخيرة الماضية، ما هي إلا محطة جديدة من محطات تهدف لتغيير سير المجريات الحالية.
للوقوف على ما تشهده “حملة خان شيخون الكيماوية” الشرسة بتفاصيلها، ولمعرفة الفاعل الحقيقي، لا بد من تقسيم المحاور إلى شق إعلامي، وسياسي، وميداني، يوضح ما يجري فعلاً على الأرض السورية.
الإعلام أول المستنفرين في حملة خان شيخون..
“لم يعد الامر خافياً على المختصين في الشأن الإعلامي، فحين يوجد أي نوع من الهجوم السياسي أو العسكري – بأي شكل كان، لا بد من وجود دعم إعلامي له، يضاهي أي دعم آخر في جبهة تعد الأساس لمثل هذه الهجمات، وهو الدعم الأخطر من بين الجبهات المفتوحة على طرف ما”، هذا ما يؤكده الإعلامي إياد خلف خلال حديثه الخاص مع موقع قناة المنار، إذ يلاحظ بشكل واضح “استباقا غير منسق بشكل متكامل، لحملة إعلامية، بدأت بالإعلان وتناقُل خبر الهجمة الكيماوية في خان شيخون”.
هذه الحملة الإعلامية وصفها خلف بالشرسة والكثيفة ومن خلال مراقبته المركزة والدقيقة لجميع وسائل الإعلام العربية والغربية، خاصة المحطات التي تُحرض بشكل علني على الدولة السورية، منذ بداية الأحداث.
إنها ليست المرة الأولى كما يقول خلف، حيث “تجري التغطية الإعلامية من باب التأثير النفسي على عواطف الجمهور المتلقي، من خلال انتشار الصور ذات التأثير العالي التي يُستخدم بها الأطفال بشكل خاص، والأخبار المركزة والعاجلة بكثافة عالية ووتيرة متسارعة، ثم سرعان ما تتحول صفحات التواصل الاجتماعي إلى روافد عشوائية لهذه الأخبار الملفقة تزيد من تأثيرها، طبعا بعد وضع المؤثرات عليها للزيادة من فعاليتها”.
كما أن الخبر في أغلب الأوقات يسبق وقوع الحادثة، ما يوحي بأنّ هناك من أعطى الإيعاز، من داخل غرفة عمليات إعلامية واحدة، لا يمكنها ضبط ساعة البث المناسبة وتزويد وسائلها بها بسبب كثرتها، ويورد الإعلامي إياد خلف، أمثلة واضحة منها الأخيرة في خان شيخون، ومنها خان العسل وغيرها من أحداث مثل قصف المشافي والمدنيين.
طريقة الطرح قبل وقوع الحادثة تكشف عن ثغرات تؤكد “وجود خطة إعلامية مسبقة لحادثة افتراضية ستقع في وقت قريب لاحق”. والهدف من هذه الحملات الإعلامية المركزة محاولة تغيير الحقائق والتغطية على جوانب حقيقية بطريقة تؤثر عاطفياً وتلفت الأنظار بشدة وبسرعة أساسها العنصر الإنساني كسلعة جاهزة وسهلة التسويق.
مجريات الميدان السوري.. الأرض والسيطرة..
خلال سؤال موقع المنار للخبير العسكري الدكتور قاسم حسن قنبر، عن رأيه في حادثة خان شيخون يشير الى تأثير الانتصارات الميدانية في جميع الجبهات ابتداءً من الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، وفشل المسلحين في هجماتهم منها، وتقدم الجيش السوري في تلك المناطق، وهذا ما حدث أيضاً في جبهة درعا بمنطقة المنشية، والقنيطرة أيضاً، إضافة لارتداد الهجمة بريف حماه، علاوة على استمرار تحقيق تقدم كبير وكاسح للجيش السوري على الأرض في أرياف حلب.
هنا يقول الخبير العسكري أن الجيش السوري استطاع فرض خارطة عسكرية جديدة على الأرض وواقع ميداني وتوزع جغرافي، يفرض مجالاً واحداً للعمل العسكري وهو الكلاسيكي، اي بالأسلحة التقليدية وليس أسلحة الدمار الشامل، التي لم تعد سورية أساساً تمتلكها منذ دخلت الاتفاق الدولي حول حظر انتشار الكيماوي.
تعاطي النظرة السياسية مع هذه الحادثة
في ذات السياق يقول الدكتور أبو عبدالله أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق، لموقع قناة المنار انه “بغض النظر عن الحالة الميدانية، فإن السلاح الكيماوي مرفوض أخلاقياً”. ويكمل، في عام 2012 رغم أن الوضع الميداني في سورية كان أصعب بمراحل مما هو عليه الآن، فلم تُقدم حينها الدولة السورية على استخدام السلاح الكيماوي رغم امتلاكها له آنذاك. فكيف بعد ان أصبحت بلداً خالياً من السلاح الكيماوي، ووضعها الميداني أفضل بكثير، خاصة ما أقره مجلس الأمن الدولي، بعد انضمام سورية اتفاقية حظر الكيماوي.
يضيف أبو عبدالله، أن بعض الدول الغربية أبقت هذا الملف مفتوحاً، لاستخدامه كورقة ضغط افتراضية، كلما احتاجوها. وهذا ما يحدث في كل مرة.
ماذا يقول التاريخ في المسألة الكيماوية؟
بتدريج تاريخي ربط أبو عبدالله الأحداث، منذ عام 2013 حادثة خان العسل، يُذكّر في بدايتها أن القيادة السورية هي من طلبت فتح تحقيق عن استخدام الكيماوي، وتم طي الملف من قبل بان كي مون آنذاك بعد مماطلة طويلة، ثم أورد محدثنا معلومات كتبها الصحفي الأمريكي “سيمون هيرش” في أيلول 2014 ، ضمن تحقيق شهير عن موضوع الكيماوي في خان العسل، قال فيها أن “مصادر مقربة جداً من لجنة التحقيق الدولي قالت له بأن جميع المعلومات في خان العسل تشير إلى أن التنظيمات المسلحة والتي يطلقون عليها (المتمردين)، هي من استخدمت السلاح الكيماوي” ولكن ليس من مصلحة الجهات الداعمة للعدوان على سورية أن تنشر هذه المعلومات، وهذا الاقتباس أيضاً أورده الخبير السياسي في حديثه لموقعنا من تحقيق “هيرش”. وهنا يؤكد أبو عبدالله أن تلك الجهات تعرف تماماً من استخدم السلاح الكيماوي منذ أول حادثة.
في 21/8/2013 وقعت الحادثة الثانية، استخدم الكيماوي في الغوطة الشرقية، أي على بعد كيلومترات فقط من مقر تواجد لجنة التحقيق الدولية، فيتساءل أبو عبدالله “أي عاقل يمكنه فعل هذا وهناك من يحقق بحادثة من هذا النوع؟!” وهنا يتحدث عما كشفه هيرش في تحقيقه، عن معلومات حول من قام بتمرير غاز السارين عبر سورية، من ثم مصلحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدفع الولايات المتحدة لشن عدوان على سورية. وما جاء خلال الاجتماع بعد كيماوي 2013 مع الرئيس أوباما ورئيس استخباراته، مع أردوغان وجملته “لقد تجاوزا الخط الأحمر”، قاصدا فيها تقدم سورية ميدانياً.
بعد حوالي ثلاث سنوات عن حادثة الغوطة الشرقية، يقول أبو عبدالله “المجريات لا تناسبهم، أن كان سياسياً أو ميدانياً. الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب يدلي بتصريحات صادمة لهم، فكان لا بد من حادث يغير المزاج داخل البيت الأبيض، فكان حادث خان شيخون، وهذا ما حصل فعلاً”.
التأثير لحملة خان شيخون على السياسة..
يقول أبو عبدالله “أثبتت محادثات جنيف – خاصة الجولة الخامسة منها-، بأن هؤلاء لا يريدون حلاً سياسياً، وهنا لم يقصد المعارضين لأنه ينظر إليهم على أنهم لا يملكون أي قيمة أو تأثير على الإطلاق، إنما يقصد الدول التي تموّل العدوان وتقف وراءه، وما زالت تعتقد أن الإدارة الامريكية الجديدة يمكن ان تفعل شيئا، باعتبارها أكثر قوة وحزما من سابقتها.
ومن اجل قلب الملف السياسي وتحويل موقف ترامب، كان لا بد من فعل شيء في الميدان، يستطيعون الضغط من خلاله على الدولة السورية سياسياً، فأتت ذريعة الكيماوي في خان شيخون.
واليوم احتمال إعادة طرح منطقة عازلة جوياً وحظر طيران بتوظيف الكيماوي بات أمراً أصعب اكثر مما كان عليه في السابق، إذ أن روسيا الحليفة لسورية موجودة في المنطقة، بكامل عتادها، فموسكو لن تسمح أبداً بمثل هذه المسألة على الإطلاق كما هو حال القيادة السورية، لا في الشمال ولا أي منطقة أخرى ، فالحظر الجوي يعني بداية تقسيم، وهذا الامر غير مسموح النقاش به نهائياً.
المسؤول عن وجود الكيماوي في مستودعات المسلحين
كل المعلومات والتقارير الدولية تشير إلى انتقال المواد الكيماوية عبر الأراضي التركية بتمويل سعودي، لاتهام الدولة السورية. بدءًا من حادثة 2013 وتفاصيلها، إضافة إلى وجود معلومات استخبارية بنقل مواد كيماوية من العراق ومن تركيا إلى مناطق أخرى، لم تحدد نقاط تخزينها بشكل دقيق طبعاً، والدليل ضبط قسم من هذه المواد من شرق حلب وفي غيرها من مناطق حررها الجيش السوري من الإرهابيين، وجميع تلك المواد مكتوب عليها من مصادر عدة منها سعودية وتركية وغيرها.
الهدف والمصلحة واضحة برأي أبو عبدالله، فمن أدخل المواد هي أجهزة استخبارات غربية وإقليمية، لدول العدوان المعروفة، والتي عددها أبو عبدالله بالاسم “بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وقطر والسعودية والأهم رأس الأفعى “اسرائيل” التي تباكى رئيس وزرائها على ضحايا خان شيخون وذعر قبل ذلك عند الاقتراب من حل سياسي”.
المصدر: موقع المنار