رغم ان التصريحات الاميركية الجديدة بشأن مستقبل الرئيس السوري جاءت بمثابة الحدث العلني فإن ما قبلها من سياقات وسياسات كان بمثابة الحدث “الضمني” الذي كان يفرض احتمال ان يؤدي في النهاية الى الخروج العلني بهذا الموقف. ومن المعروف في عالم السياسة ان خروج الموقف الى العلن هو اخر حلقة في ذروة الالتزام بسياسات معينة امام الملأ وفي العلاقات الدولية، وانطلاق الموقف الى العلن له وقعه الخاص ، مما يعني ان انبثاق هذا الموقف الاميركي اللافت أمام العالم يوضح جوانب اكثر من سياسات ادارة ترامب تجاه سوريا، لكن موضوع الموقف الاميركي من الاسد وخروجه الى الاعلام في تصريحات من اعلى المستويات يتوج سياقا بدأ منذ شهور وحتى قبل انتهاء ولاية اوباما.
وطبعا فكل ولاية رئيس جديد يمكن ان تشكل انفصالا عن سياسة ادارة الرئيس السابق لكن يبدو ان هناك امتدادا في بعض الامور الخاصة بسوريا بين ولايتي كل من اوباما وترامب، لا سيما الاقرار بموضوع التفاوض مع النظام منذ جنيف -1، اضافة الى الحديث في عهد اوباما عن الحرب على داعش. وطبعا لم تكن هناك جدية في عهد اوباما في الحرب على داعش وبقي “التحالف الدولي” صوريا ضد الارهاب ويستمر في عهد ترامب التشكيك بفعاليته .
كما انه منذ الحملة الانتخابية لترامب بدأ اصدار مواقف تقول ان الاولوية ستكون الحرب على داعش ، وجاء الموقف بالامس اتصالا مع هذه المواقف السابقة ولكن بشكل اكثر وضوحا بشان الرئيس السوري ولا شك سيثير امتعاض الكثير من الحلفاء والتابعين. اما موضوع التقارب الترامبي مع روسيا فهو يؤثر ايضا على توجهات الادارة الاميركية بشأن سوريا.
ما جاء من موقف عبر البيت الابيض والخارجية في اميركا حول عدم اولوية اسقاط الاسد هو اقرار علني بالواقع بعد ان كان الاقرار ضمنيا. اما القول الاميركي ان مستقبل الرئيس السوري بيد الشعب السوري فالسؤال الذي يطرح مقابله هل انه قبل ذلك لم يكن موضوعا بيد الشعب السوري وهل هو اقرار بمحاولات فرض ارادة خارجية رغم التحجج سابقا بارادة الشعب السوري في “التغيير”.
الموقف الاميركي جاء بعد مواقف تركية قريبة من هذا السياق بعد ان كانت في طليعة المتطرفين بهذا الشأن الا ان التوصل الى الرعاية الثلاثية التركية الروسية الايرانية لوقف النار كان بمثابة انعكاس لتغيرات الموقف التركي والموقف الاميركي ضمنا. كما كان لافتا تزامن الموقف الاميركي مع موقف فرنسي شبه مطابق على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت الذي دعا الى عدم التركيز فقط على مصير الرئيس السوري بشار الاسد في اطار المساعي للتوصل الى اتفاق سلام في سوريا.
اما تبرير الادارة الاميركية للاعلان الجديد فقد استند الى نقطتين: الاولى القبول بالواقع وهو فعلا تعبير عن ما فعله الميدان، وما انجزه الجيش السوري وحلفاؤه في العديد من الميادين، والنقطة الثانية التحجج بان الادارة السابقة اضاعت الكثير من الفرص في هذا الخصوص -كما جاء على لسان المتحدث باسم البيت الابيض- اي بما معناه ان الادارة السابقة عبر سياستها الفاشلة في سوريا جعلت الامر علينا اكثر صعوبة وهذا ما اجبرنا على مثل هذا الموقف.
وفي سياق قراءات للموقف الاميركي يقول مستشار نائب الرئيس الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي، كولين كول، أن الرئيس الأميركي ترامب تخلى عن مسألة الإزاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، معتبرا أن مثل هذا السيناريو لم يعد مطروحا لدى الإدارة الأميركية الجديدة. وقال ” إدارة ترامب قالت بوضوح إنها لن تحاول إزاحة الأسد. من البديهي أنهم تخلوا عن مسألة مستقبل الأسد. ستركز الإدارة الجديدة على مكافحة “داعش” والجماعات التي على صلة بتنظيم “القاعدة” في سوريا”.
موضوع اولوية الحرب على الارهاب هو بمثابة نقطة الارتكاز لاعلان فشل السياسات الاميركية في سوريا ، هذا ما تناولناه في تقارير سابقة اشرنا فيها الى ان المبرر والمخرج سيكون موضوع الحرب على داعش حتى ولو لم يكن هناك جدية فعلية في الحملة على داعش واخواتها. وفي الفترة المقبلة سيكون الترقب لما ستؤول اليه الامور في الشمال السوري سيما في ظل التركيز الاميركي على موضوع الرقة وكذلك الترقب لما سيكون عليه الموقف التركي في هذا الاطار. لكن الجيش السوري في كل الاحوال يواصل توسيع وتثبيت انتصاراته ضد داعش والنصرة وحلفائهما في اكثر من منطقة وميدان. أما سياسيا فلا يزال هناك مراوحة في جولات جنيف ولكن السؤال حول مدى التاثير المتوقع للموقف الاميركي وانعكاسه على الجولات التفاوضية المقبلة ورسم معالم توافقات معينة.
الثابت ان الشعب السوري لا ينتظر اعترافا بالرئيس الاسد من اي طرف .. القيادة السورية ثبتت امام العواصف والميدان قال ويقول كلمته والشعب السوري قال كلمته وهو قرر “مصير الاسد” مسبقا وسيقرره في اي انتخابات مقبلة ليثبت مجددا ان الشعب السوري وليس اي احد هو من يقرر مستقبل بلده؛ السياسات الواقعية هي ما ادت الى تغير المواقف وليس ذلك منّة من احد .
المصدر: موقع المنار