11 عاما مرت على توقيع التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله في كنيسة مار مخايل في 6 شباط/فبراير 2006 الذي وقعه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والرئيس العماد ميشال عون، تفاهم مر بعدد من المحطات أثبت خلالها متانته وانتاجيته في آن، ولعل الذكرى السنوية للتفاهم هذا العام لها “طعم خاص” حيث انتخب العماد عون رئيسا للجمهورية.
والاكيد ان انجاز الاستحقاق الرئاسي بالشكل الذي تم عليه أسهم في إراحة الوضع الداخلي اللبناني والحفاظ على الاستقرار وتمتين العيش الوطني المشترك، فكان التفاهم هو صمام الامان في العديد من المحطات لا سيما في الفترات حيث أصاب الشلل معظم المؤسسات الدستورية في البلاد، الى حين تشكيل حكومة وحدة وطنية جمعت اكبر شريحة ممكنة من الافرقاء السياسيين تمهيدا لاجراء انتخابات نيابية حيث اسماها البعض انها “حكومة انتخابات”.
صمام الامان وتنظيم الحياة الديمقراطية..
وانطلاقا من ذلك يتفاعل البحث اليوم حول القانون الذي على أساسه ستجرى هذه الانتخابات، وهذا القانون لما له من اهمية في انتاج الطبقة السياسية في لبنان ودوره الكبير في الحياة الديمقراطية، كان احد البنود التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، حيث نص التفاهم على ان “.. إصلاح وانتظام الحياة السياسية في لبنان تستوجبان الاعتماد على قانون انتخاب عصري، قد تكون النسبية أحد أشكاله الفعالة، بما يضمن صحة وعدالة التمثيل الشعبي..”، وبحسب التفاهم فإن من اهداف مثل هذا القانون هو: تفعيل عمل الأحزاب وتطويرها وصولا الى قيام المجتمع المدني، الحد من تأثير المال السياسي والعصبيات الطائفية وتأمين الوسائل اللازمة لتمكين اللبنانيين المقيمين في الخارج من ممارسة حقهم الانتخابي.
كما ان القانون العصري الذي يوصل للتمثيل العادل والحقيقي للبنانيين سيساهم بشكل أكيد الى تحقيق بند تحدث عنه التفاهم بين التيار الوطني وحزب الله، حول “.. بناء الدولة العصرية التي تحظى بثقة مواطنيها وقادرة على مواكبة احتياجاتهم وتطلعاتهم وعلى توفير الشعور بالأمن والأمان على حاضرهم ومستقبلهم، يتطلب النهوض بها على مداميك راسخة وقوية لا تجعلها عرضة للاهتزاز وللأزمات الدورية كلما أحاطت بها ظروف صعبة، أو متغيرات مفصلية..”.
فهل سيتمكن التفاهم من الدفع لاقرار قانون انتخابي جديد عصري ويؤمن عدالة التمثيل؟ هل سيتمكن التفاهم من دفع الافرقاء لتجاوز العوائق الجديدة المتعلقة باقرار قانون جديد؟ وكيف سيتمكن كل من التيار الوطني وحزب الله من إقناع باقي الافرقاء الذين يرفضون القانون العصري والمنصف القائم على النسبية للسير بمثل هذا القانون؟ وكيف تمكن التفاهم من تجاوز كل تلك المطبات الطبيعية او المصطنعة التي وضعت في طريقه؟ وماذا حقق حتى اليوم هذا التفاهم؟ وأي مستقبل للبنان في ظل هذا التفاهم؟
التكامل الوجودي وتصحيح العلاقات بين اللبنانيين..
حول كل ذلك اعتبر القيادي في “التيار الوطني الحر” الدكتور بسام الهاشم ان “التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله هو تفاهم للتكامل الوجودي بين الطرفين وقد ساعد على توسيع رقعة التوافق والتفاهم بين اللبنانيين”، ولفت الى ان “هذا التفاهم خلط الاوراق في البلد وقلب المعطيات وأنهى سنوات طويلة من الصراعات المفتوحة المعلنة والمضمرة وصحّح مسار تاريخي في العلاقات بين اللبنانيين”.
واكد الهاشم في حديث لموقع “قناة المنار” ان “التفاهم بعد 11 سنة من توقيعه طرح القضية الوطنية على بساط البحث وظهّر تكامل الارادة الوطنية بين اللبنانيين وفرض على الاعداء احترام السيادة الوطنية”، وتابع “التفاهم ساهم بوضع الاسس لاصلاح الدولة وللشراكة الحقيقية القائمة على الثقة بين الاخوة والشركاء في الوطن”، وأوضح انه “بعد هذا الاتفاق بات المسيحي ينظر للمسلم على انه شريك وشقيق والعكس صحيح وقد كسر الحواجز بين اللبنانيين وأدى الى توسيع دائرة التفاهم بين اللبنانيين من كل الطوائف”، ورأى انه “بسبب هذا التفاهم الجميع بات يتسابق نحو المحبة والتصالح والتحاور”.
واعتبر الهاشم ان “هذا التفاهم حافظ على البلد في كثير من المحطات وكان أولها العدوان الاسرائيلي في تموز 2006 حيث كان الهدف سحق المقاومة وفتح الباب على فتنة داخلية مدمرة”، وتابع “النتيجة كانت واضحة بزيادة اللحمة الوطنية والتواصل بين اللبنانيين وبناء العلاقات الوطيدة بين مختلف الشرائح”، واضاف “هذه التجربة أكدت صدق النيات بين الطرفين وجعلت العلاقة اساسها الثقة فأي طرف يعبر عن مواقفه مرة واحدة ولا يحتاج من ثم لاعادة الشرح او التوضيح باعتبار ان الثقة مطلقة ولا شكوك متبادلة بين الطرفين وكل طرف يستطيع الرهان على الآخر الى أبعد حد”، وهذا ما أثبتته التجربة في مجمل الاستحقاقات ولا سيما في الاستحقاق الرئاسي.
الاستحقاقات الدستورية والتفاهمات الوطنية..
فبعد 11 سنة من التفاهم، أثمر هذا الاتفاق بشكل أو بآخر انتخاب رئيس الجمهورية الأجدر والذي يمثل الشريحة الاكبر من المسيحيين باعتراف الجميع، ومهما حاول البعض اختزال انجاز الاستحقاق وتسجيله بإسمهم والادعاء أنهم هم من أسهموا بإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، إلا ان التفاهم المتين بين الحزب والتيار كان هو الاساس الذي اوصل الرئيس عون الى المكان الذي يستحقه، وباعتراف كلا طرفي الاتفاق، وقد يكون من مزايا هذا التفاهم انه أسس القاعدة الصلبة لانتاج التفاهمات التي اعلن عنها لاحقا على الساحة اللبنانية.
وفيما نوه الهاشم بالعلاقة بين الحزب والتيار، أكد ان “هذه العلاقة هي نموذج فريد وغير مسبوق في العلاقات السياسية في العالم وليس فقط في لبنان”، وأكد ان “هذه العلاقة ستدفع نحو الاصلاح والتغيير في البلد لان الطرفين يعتبران ظهيرين لبعضهما ويتكاملان في كل شيء بما يعتقدانه انه يحقق مصلحة لبنان سواء من حماية لبنان بوجه الارهاب او بتحقيق الاصلاح والتغيير في الداخل”، وراى انه “بهذه العلاقة نستطيع تحقيق المعجزات والذهاب بعيدا جدا بما يحقق مصلحة لبنان”.
وحول قانون الانتخاب والبحث الجاري حوله اليوم، قال الهاشم إن “التيار والحزب يتفقان على المواصفات العامة لقانون الانتخاب خاصة فيما يتعلق بتصحيح التمثيل وعدالته وباعتماد النسبية ولكن يبقى فقط عملية تخريج الامور مع الحفاظ على الجميع بدون إلغاء او إقصاء أحد”، مشيرا الى ان “النسبية هي الضامن لتمثيل الجميع من كل الطوائف والمذاهب وإن حصل ان خسر فريق او تيار او حزب بعض المقاعد”.
والحقيقة ان العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني بعد كل هذه السنوات باتت كالذهب الخالص تزداد تألقا كلما مر عليها الوقت وترتفع قيمتها السياسية والمعنوية والوطنية في مصلحة لبنان واللبنانيين دون البحث عن مآرب خاصة او مصالح شخصية، ولذلك باتت تشكل شكلا خاصا من العلاقة السياسية الخاصة المبنية على الصدق والاخلاق والمصارحة.
المصدر: موقع المنار