من الشائع، أن نرى رضيع يرفض الأكل، وبكاؤه وصراخه لا ينتهيان إلا عندما تحمله أمه، كما قد يبدو خاملاً، أو يَظهر كأنه يشعر بالعجز، ويجد صعوبة في النوم، وتأخراً في تعلم المشي، ويقل وزنه عن الأطفال الطبيعيين، ولم يُظهر فحصه الجسدي أي أعراض مَرَضية، بينما تستمر هذه الأعراض لدى الطفل لأسابيع. فإن قابلت كل ما سبق، فغالباً تتعامل مع رضيع مكتئب.
فلذلك، قد يعاني الطفل الرضيع قلة النوم، ونوبات غضب وتهيج، ومشكلات في التغذية، ولا يتفاعل مع الآخرين، كما تجده عبوس الوجه.
لم يعترف الطب النفسي بوجود الاكتئاب عند الأطفال، إلا بعد عدة دراسات كشفت أنه مرض خطير على الأطفال، وصحتهم العقلية ونمو أدمغتهم.
لا يزال سبب الشعور بالاكتئاب عند الرُضع غير مفهوم تماماً، لكن هذا يرتبط بوجود خلل في توازن المواد الكيميائية بالدماغ، ما يؤثر على الحالة المزاجية، وتشمل العوامل التي قد تسبب عدم توازن هذه المواد الكيميائية أدوية معينة، مثل الستيرويدات، أو الأدوية المخدرة المضادة للألم، والتاريخ العائلي؛ فيكون الاكتئاب عند بعض الأطفال وراثياً.
وهناك عامل متعلق بالبيئة المحيطة بالرضع؛ فيصابون بالاكتئاب عندما يبلغون نحو 8 أشهر، فبعد الولادة يحاطون برعاية كاملة من الأم، ثم يتدخل آخرون فجأة، سواء في الحضانة، أو الإخوة بالمنزل، أو المربية، فيشعر الطفل بأن أمه ابتعدت عنه، ويتولد بداخله القلق والخوف.
وفي دراسة أجراها باحثون من جامعة الشمال الغربي مدرسة فينبرغ للطب الأميركية، ونشرتها دورية علم نفس الأسرة والأزواج، تبيّن أنّ اكتئاب ما بعد الولادة Postpartum depression، الذي يصيب بعض الأمهات يؤثر كذلك في الرضيع ومشاعره، إذ عمد الباحثون إلى تقييم حالة 200 زوج وزوجة، لديهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 3 سنوات، فيما أظهرت النتائج أنّ الأهل الذين عانوا اكتئاب ما بعد الولادة، أصبح أبناؤهم الرضع أكثر عصبية، وحزناً، ويبكون أكثر من غيرهم.
وفي هذا السياق، يشير الباحثون إلى أنّ الأولاد أكثر حساسية وتأثراً بمشاعر ذويهم؛ إذ إن الأهل الذين يعانون الاكتئاب أقلّ ابتساماً وتواصلاً مع أولادهم، من هنا، تتبين ضرورة خضوع الأهل الذين يعانون اكتئاب ما بعد الولادة للعلاج؛ لئلا يكون لذلك آثار سلبية في نفسية الطفل وسلوكه.
قد يضغط الأجداد مثلاً، وغيرهم على الوالدين بفكرة أن الاهتمام بالرضيع، وكثرة حمله، وإغداق الحنان عليه في سنواته الأولى، يخلق منه طفلاً مدللاً.
وهذا عكس القاعدة التربوية الشهيرة “you can’t spoil a baby “، ومضمونها أن كل ما تغدق به على طفلك، من حب وأحضان وتدليل وتلامس وعاطفة، لن يجعله مدللاً أبداً، بل العكس هو الصحيح، فسيكون طفلك سويّاً، ومشبعاً عاطفياً، وواثقاً بنفسه، وشاعراً بالتقبل، وكلما احتُضن الطفل الرضيع، ولمس جلده جلد أمه، أو القائم على رعايته، رضع بشكل أفضل، وقل بكاؤه، وتحسّن تنفسه، ونما عقله على نحو أفضل.
وهناك قاعدة هامة من قواعد علم النفس، تُعرف بالـresponsiveness أو الاستجابة، وهي من أكثر ما يؤثر في علاقة الرضيع بوالديه على مدار حياته فيما بعد، وفي شعوره بالأمان، وثقته بنفسه، وحالته النفسية، وثقته بمن حوله، وتتمثل الاستجابة في الفترة الأولى لاحتياجاته الجسدية، من طعام، ونوم، ونظافة، ودفء.
بجانب احتياجاته النفسية والعاطفية من قلق، وخوف، واحتياج للاطمئنان، وشعور بأن هناك من يرعاه دوماً ويظهر التعبير عن كل هذه الاحتياجات بالبكاء. لذا، إن أردت طفلاً سوياً غير مكتئب، فأغرقه حناناً، وأغدق عليه عاطفة، وذلك بتأمين بيئة ثرية حول الطفل وفرص لممارسة النشاط، مثل الألعاب، والصور، والاستماع للموسيقى، والتحدث معه.
وتطور أسلوب علاج مشاعر الاكتئاب لدى الرضع بدايةً من سن 8 أسابيع، عن طريق قيام الأم بتدليك الطفل لمدة 15 دقيقة، قبل النوم، ولمدة شهر.
يؤدي ذلك إلى تحسّن النوم وانتظامه، وقلة البكاء، ويزداد تعرفهم إلى علامات المداعبة مع الآخرين، ويتحسن مستوى هرمونات القلق، فتساعد في تهدئته، بجانب تحفيز الدورة الدموية والجهاز الهضمي، والمناعي، والعصبي، والتنفسي، ويساعد كذلك في الاتصال بين الخلايا العصبية.
المصدر: هافينغتون بوست