نداء وجهَّه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في الثاني عشر من الشهر الجاري، وأعطاه صفة “عاجل جداً “، توجَّه به الى من اعتبرها “تنظيمات جهادية” في سوريا، طالباً منها وقف المعارك الدائرة بينها، والتركيز على قتال النظام “العلماني الطائفي” على حد تعبيره، معتبراً أن أنباء المواجهات بين الجماعات أدمَت القلوب، ورفَضَ تكفير الجماعات الجهادية، وحضَّ على تشكيل “هيئة تحكيم شرعية” للفصل بين الجماعات المُتقاتلة فيما بينها، ” لأن وحدة المُجاهدين أهم من الروابط الحزبية، بمواجهة عدوكم العلماني الطائفي الذي تدعمه القوى الرافضية الصفوية وروسيا والصين وبتواطؤ من الحملة الصليبية المعاصرة”.
وتابع الظواهري بالقول: “إن الرسالة موجهة إلى مجاهدي الإسلام ولُيُوث الجهاد، من كل المجموعات الجهادية من شام الرباط والجهاد والفتح، وتعلمون أني وإخواني في قاعدة الجهاد نَكنُّ لكم جميعاً كل حبّ واحترام، وننظر إليكم على أنكم أمل الأمة في إقامة الحكومة المسلمة في شام الرباط والجهاد وأنكم بُشرى تحرير “بيت المقدس”.
تحرير “بيت المقدس” هي الأكذوبة التي تتناقلها ثقافة الإرهاب، من “القاعدة” زمن أسامة بن لادن وبعده أيمن الظواهري، وصولاً الى “داعش” بقيادة البغدادي، و”النصرة / فتح الشام” بقيادة الجولاني، ولعل فشل أيمن الظواهري بفرض مشورته ورأيه على البغدادي والجولاني هو الذي كشف حجمه الحقيقي بعد رحيل بن لادن، وأنه مجرَّد ظلّ يعيش في الظلّ ولا يُقدِّم أو يؤخِّر بمسار الإرهاب الذي بات بطله “المعاصر” أبو بكر البغدادي، لكن أكذوبة تحرير “بيت المقدس” تبقى القاسم المشترك لكافة التنظيمات الإرهابية وهي كانت الأساس في استقدام المتطرِّفين وتهيئتهم لتحرير “بيت المقدس” في يومٍ من الأيام!
يقول عمر بن لادن عن الظواهري، ضمن اعترافاته التي وردت في كتاب “إنه بن لادن” للكاتبة الأميركية “جين ساسون”، ما اختصاره: عندما غادرنا السعودية نهائياً وانتقلنا الى السودان، إقتفى أيمن الظواهري أثر والدي في الخرطوم، وربط نفسه ومنظمته بتنظيم القاعدة، وشعرت بأن لا شيء جيّد يُمكن أن ينتُج عن هذه الشراكة…، لم أحِبّ أيمن الظواهري يوماً وهو أيضاً لم يكُن يُحبّني ويرمقني بنظرات الشزر والحقد، ربما لأنه أدرك أني لا أميل الى كل الوسائل العنفية التي يُمارسونها، ولأنه كان راديكالياً في ميله الى العنف، شعرت أنه البديل عن عبدالله عزام في تأجيج هذه المشاعر لدى والدي”.
ويُتابع عمر بن لادن، “كل الخُطَب التثقيفية للقادمين من طالبي الجهاد، كانت تُركِّز على تحرير فلسطين وإبادة إسرائيل، وكانت تُعرَض على المتدرِّبين أشرطة فيديو تُظهِر قتل الأطفال وقمع النساء والعجزة على أيدي الإسرائيليين، فتشتعِل الحَمِيَّة في نفوسهم، في الوقت الذي كانت فيه أفكار والدي ومعه الظواهري تُخطِّط فقط لضرب مصالح أميركا وبلاد الكُفار في كل مكان، وعندما تجرأت يوماً وسألت والدي لماذا لا تُهاجمون إسرائيل وهي أقرب إلينا من أميركا قال: أميركا وإسرائيل مثل دراجة، أميركا هي الدولاب الخشبي وإسرائيل الدولاب الفولاذي، وعلينا أن نقضي على الدولاب الخشبي الذي هو أميركا ونمزِّقها من الداخل، عندها نقضي تلقائياً على الدولاب الفولاذي الذي هو إسرائيل بمجرَّد أن تعجز أميركا عن تسليحها!
وأكذوبة تحرير “بيت المقدس”، التي هي بدعة ومطيَّة أيمن الظواهري، إنتقلت الى كافة التنظيمات الإرهابية والمُعارضة في سوريا بما فيها ما يُسمَّى “الجيش السوري الحُرّ”، وعندما هرب أحد عناصر هذا الجيش منذ نحو سنتين، وسلَّم نفسه للجيش السوري وتمت تسوية وضعه، أطلَّ عبر أجهزة الإعلام من منزل ذويه وقال: “يخطُب فينا شيوخ لا نفهم لُغتهم ولا نفقه فتاويهم، وعندما نسألهم لماذا لا نُقاتل إسرائيل يُجيبون: لم يأتِ أوان الهجوم عليها بعد”!
وقد انحسرت هالة أيمن الظواهري عن ساحة إدارة لعبة العُنف، وبات أعجز من أن يُتاجر بقضية تحرير “بيت المقدس”، بين مقاتلي القاعدة حتى الذي التحقوا بها أيام بن لادن، ووجدوا أنفسهم بلا قضية وبلا رواتب أحياناً كثيرة، والمهووسون منهم بالعنف والقتل التحقوا بتنظيم داعش الذي اختار “كتاب إدارة التوحُّش” لأبي بكر ناجي مرجعاً له، وتميَّز عن القاعدة بإباحة القتل والتنكيل والتهجير بحق المسلمين قبل سواهم إذا لم يكونوا فكراً وعقيدة وممارسة على نهج “دولة الخلافة” التي تنكَّر لها الظواهري.
ولعل آخر محاولة قام بها الظواهري للسيطرة على جزء من الساحة الإرهابية، كانت عبر محاولة مناصرة “النُصرة” بشخص الجولاني في سوريا، بمواجهة البغدادي الذي حاول الظواهري منعه من التمدُّد من العراق الى سوريا، وفي هذا الإطار، يذكر الدكتور ياسر عبد الحسين في كتابه ” الحرب العالمية الثالثة، داعش والعراق وإدارة التوحُّش” ما يلي :
“كان الظواهري من خلال نصرة الجولاني بمواجهة البغدادي يتطلَّع الى هدفين رئيسيين:
أولاً، أن تحظى “جبهة النصرة” بدعم سائر الدول المُعادية للنظام السوري، كمقدِّمة للإعتراف بدولتها في سوريا كما حصل مع طالبان في أفغانستان، وثانياً، جعل “جبهة النُصرة” المرضي عنها أميركياً، همزة وصلٍ بينه وبين أميركا لتبديد الخلاف التاريخي بين واشنطن والقاعدة، رغبة من الظواهري بأن تكون له دولة خالصة في سوريا لها الولاء لتنظيم القاعدة دون سواه، وتدشين عهد جديد من التعاون الإقليمي والدولي يُعطي ولو بطريق غير مباشرة الشرعية لنشاط القاعدة، لتتكشَّف أكثر وأكثر أهداف القاعدة وما تفرَّع عنها من تنظيمات، في زمن أكذوبة العصر أيمن الظواهري، “محرِّر بيت المقدس” و”قاهر الكفار” على بساطٍ من دماء المسلمين والعرب، ليغدو الظاهرة المنبوذة حتى من التنظيمات التكفيرية وشياطين الإرهاب…
المصدر: موقع المنار