تبحث الأجهزة الأمنية الإسرائيلية سيناريوهات متعددة للعدوان المتواصل على قطاع غزة، الذي دخل شهره التاسع عشر. وفيما يتشدّد شركاء بنيامين نتنياهو في مطالبهم بـ”حسمٍ عسكري” شامل، بلور الجيش الإسرائيلي أربعة مسارات محتملة للحرب، بحسب ما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مساء الأربعاء.
السيناريو الأول: وقف إطلاق نار دائم مقابل الإفراج عن جميع الأسرى
يتمثل هذا الخيار في التوصل إلى هدنة دائمة تتماشى مع شروط حماس، ويعتبره الجيش الإسرائيلي “نصرًا معنويًا” لها، إذ يستوجب انسحاب الاحتلال الكامل من القطاع مع ضمانات بعدم تجدد القتال.
إلا أن القيادة الأمنية في تل أبيب ترفض هذا الخيار في المرحلة الحالية، وترى أنه محفوف بالمخاطر السياسية والأمنية، ويشجع على تكرار عمليات مشابهة لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويعزز ما تعتبره “استراتيجية الاختطاف”.
السيناريو الثاني: صفقات تبادل متدرجة مع وقف مؤقت لإطلاق النار
يقوم هذا السيناريو على تنفيذ صفقات تبادل أسرى تدريجية يتخللها وقف مؤقت لإطلاق النار لأسابيع أو أشهر، تُستخدم هذه الفترة لتشكيل تصور لما يسمى بـ”اليوم التالي” لحكم حماس في غزة.
وعلى الرغم من تفضيل صناع القرار في تل أبيب لهذا الخيار، ترفضه حماس بشدة، وتصر على ضمانات لإنهاء الحرب كليًا في إطار أي صفقة، وعلى انسحاب شامل لقوات الاحتلال من القطاع.
السيناريو الثالث: الحسم العسكري الكامل
يرتكز هذا الخيار على تعبئة واسعة لقوات الاحتياط وشن هجوم بري شامل تشارك فيه عدة فرق عسكرية للسيطرة على معظم مناطق القطاع، وتطويق مراكز تواجد السكان، وتدمير شبكات الأنفاق ومرافق المقاومة.
وتدرك القيادات العسكرية الإسرائيلية أن هذا المسار محفوف بتحديات عملياتية وسياسية، قد يؤدي إلى سقوط عدد كبير من الجنود، ويعرض حياة الأسرى للخطر، فضلاً عن تحميل إسرائيل مسؤولية إدارة الشؤون المدنية في غزة مع تداعيات دولية وقانونية متوقعة.
السيناريو الرابع: التصعيد التدريجي مع “تهدئة مشروطة”
يشير هذا الخيار، الأقرب حاليًا، إلى الاستمرار في النهج الحالي عبر تصعيد تدريجي للعمليات العسكرية، مع إدخال محدود ومنضبط للمساعدات الإنسانية إلى مناطق محددة تحت رقابة صارمة.
ويهدف السيناريو إلى زيادة الضغط على حماس ودفع الغزيين لممارسة ضغط داخلي على الحركة، لإجبارها على القبول بصفقة تبادل أو تفكيك بنيتها العسكرية. وتؤكد التقديرات الإسرائيلية أن الجيش يفضل إبقاء توزيع المساعدات بيد جهات دولية أو منظمات خارجية، لتفادي استنزاف قواته الميدانية وعدم تعريضها لمخاطر أمنية.
أجرى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، سلسلة اجتماعات منذ تسلمه مهام منصبه، أفضت إلى بلورة تقييم محدّث للوضع، بمصادقة وزير الحرب يسرائيل كاتس. يأخذ هذا التقييم بالاعتبار القيود السياسية والعسكرية المفروضة على إسرائيل حاليًا، ويهدف إلى اشتقاق خيارات عملياتية تطرحها القيادة على الكابينيت السياسي–الأمني. وتشير الصحيفة إلى أن الجيش أعدّ ثلاث خطط عملياتية رئيسية، يتطلب أحدها تعبئة واسعة لقوات الاحتياط.
الكابينيت الإسرائيلي يجتمع مجددًا وسط خلافات داخلية وضغوط دولية بشأن المساعدات لغزة
وبالتزامن، يعقد الكابينيت السياسي–الأمني الإسرائيلي، اليوم الخميس، اجتماعًا لمواصلة النقاش حول آلية إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، وخطط الجيش لتوسيع الحرب التي يشنها على القطاع.
يأتي ذلك في أعقاب الجدل الذي شهدته جلسة الكابينيت مساء الثلاثاء، على خلفية هجوم وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على رئيس أركان الجيش، إيال زامير، بسبب رفض الأخير تولي الجيش مسؤولية توزيع المساعدات داخل القطاع.
وجاءت الدعوة إلى عقد الاجتماع بناءً على طلب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي طالب الأجهزة الأمنية بتقديم مقترحات لتنظيم دخول المساعدات إلى غزة مستقبلًا، في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية والضغوط الخارجية على حكومته.
من جانبه، هاجم وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، في بيان مصور صادر عنه مساء الأربعاء خلال تواجده في الولايات المتحدة الأميركية، الجدل الذي شهده الكابينيت ووصفه بـ«العبثي»، رافضًا إدخال أي مساعدات إنسانية إلى غزة.
وقال بن غفير: «أرى أن النقاش حول من يجب أن يدخل المساعدات الإنسانية – الجيش أم جهة خارجية – نقاش سخيف! لا ينبغي إدخال أي مساعدات إلى غزة، نقطة. طالما لدينا رهائن لا يتلقون طعامًا، فلا يجوز إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة».
في المقابل، جدّد سموتريتش تهديداته بإسقاط الحكومة إذا لم تُوسّع الحرب على قطاع غزة، وانتقد رفض الجيش تولّي توزيع المساعدات، موجهًا انتقادات إلى نتنياهو بقوله إنه «لا يراقب تنفيذ قرارات الحكومة من قبل الجيش».
وذكرت هيئة البث العام الإسرائيلية أن سموتريتش قال لنتنياهو خلال اجتماع الكابينيت الأخير: «إذا دخلت ذرة واحدة من المساعدات إلى حماس، يمكنكم البدء في عدّ تسعين يومًا حتى الانتخابات»، مؤكدًا أنه لا يهمه كيف توزع المساعدات أو طبيعة دور الشركات المدنية في ذلك، بقدر حرصه على «ألا تصل إلى حماس بأي شكل من الأشكال».
وفي وقت تمنع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع منذ 2 آذار/مارس الماضي، حذّرت الأمم المتحدة من وضع إنساني كارثي لسكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون نسمة.
ونقلت صحيفة «معاريف» عن مصادر في الكابينيت أن وزراء من بينهم سموتريتش وبن غفير يطالبون برفع الحظر فورًا والتقدّم بتصعيد عسكري واسع في غزة، في حين يفضّل نتنياهو إتاحة فرصة إضافية للمسار التفاوضي على أساس المبادرة المصرية.
وذكرت الصحيفة أن المبادرة المصرية، الأقرب إلى مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، حظيت بتفاؤل عقب الاتصال الهاتفي الذي أجراه نتنياهو مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، وأشارت إلى تأييد ترامب للموقف الإسرائيلي.
واعتبرت مصادر إسرائيلية أن لقاء ترامب برئيس وزراء قطر في البيت الأبيض قد يكون «محوريًا» في المسار التفاوضي، معربة عن أملها في أن يكون ترامب قد ضغط على الدوحة لتبنّي الصيغة المصرية المدعومة من تل أبيب وواشنطن.
ونقل تقرير عن مصدر مطلع أن تل أبيب تنوي إرسال وفد تفاوضي خلال الأيام القريبة لإجراء محادثات مع الوسطاء، قد يتوجه إما إلى مصر أو قطر، مشددًا على أن حماس «تواصل رفض أي مقترح يتضمن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار».
وفي موازاة ذلك، طالبت كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في بيان مشترك وزراء خارجيتها الكيان الإسرائيلي بـ«إنهاء الحظر المفروض على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة»، محذّرين من «خطر المجاعة وانتشار الأمراض الوبائية».
وشدد الوزراء الأوروبيون على أن «استخدام المساعدات الإنسانية أداة سياسية أمر غير مقبول»، في إشارة إلى تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي وصف منع المساعدات بأنه «أحد أدوات الضغط الرئيسية» على حماس.
وأضاف البيان أن «أي تغيير ديموغرافي في الأراضي الفلسطينية أو تقليص لمساحتها غير مقبول»، وانتقد الضربات الأخيرة التي نفّذها الجيش الإسرائيلي على العاملين في المجال الإنساني والبنى التحتية ومرافق الرعاية الصحيّة.
وحذّر مسؤولون عن 12 منظمة إنسانية دولية كبرى من أن المجاعة «لم تعد خطرًا وشيكًا فحسب، بل هي باتت تنتشر بسرعة في كل أجزاء القطاع».
المصدر: عرب 48