تُمزّق الحرب البيئات الآمنة والراعية التي يحتاجها الأطفال الذين يُجبرون على تحمل فترات طويلة من التوتر النفسي المؤلم، ويواجهون مخاطر صحية ونفسية خطيرة قد تستمر آثارها مدى الحياة. وفي بلد مقاوم صامد كلبنان، يكبر الأطفال أعوامًا في عام، لأن لعنة الاحتلال الصهيوني تُلاحق حلم كل طفل.
٦٦ يومًا، والطفل اللبناني تحت القصف، فلا استثناء ولا أمان، حتى بلغ عدد الشهداء من الأطفال 316 شهيدًا، والجرحى 1456 جريحًا بحسب وزارة الصحة. أما من لم تصبه رصاصة الموت من العدو، فقد أصابته رصاصة اليُتم أو الفقد أو التهجير.
“تم انتشاله بعد 14 ساعة من تحت الركام”..
الطفل علي خليفة الناجي الوحيد من المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في بلدة الصرفند جنوب لبنان والتي استشهد فيها والديه وشقيقته وجدتيه و10 آخرين – قبل أيام. pic.twitter.com/7Zv5mytntD
— الحـكـيم (@Hakeam_ps) November 10, 2024
ندوب وصدمات
عندما يُجبر الأطفال على تحمل فترات طويلة من التوتر النفسي المؤلم، فإنهم يواجهون مخاطر صحية ونفسية خطيرة قد تستمر آثارها مدى الحياة. فما هي الآثار التي تتركها عليهم الحروب، وكيف يمكن مساعدتهم على النجاة من أثرها السلبي؟
الأطفال هم أكثر الفئات تأثرًا في الحروب، قالت الدكتورة فاطمة خشمان، اختصاصية في علاج النطق واللغة، وأكدت أن الآثار النفسية التي تخلّفها الحرب لا تنحصر بفترة القصف أو النزوح، ولا حتى بعد انتهائها. لا بل تمتد لفترة ما بعد الحرب، لتعيش مع الطفل وقد تؤثر بشكل سلبي على يومياته.
وأوضحت الدكتورة خشمان في مقابلة مع موقع المنار الإلكتروني، أن الأطفال يتأثرون بشكل كبير عند رؤية المشاهد العنيفة أو سماع الأصوات الصاخبة. وأضافت بأن هذه المشاهد والأصوات تولد القلق والخوف وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر، كما قد تؤدي إلى نوبات من البكاء والغضب وتعلق لصيق بالأهل.
في مشهد أصبح مألوفًا بغزة لكنه حدث في لبنان.. انتشال طفل حي من تحت الأنقاض عقب قصف إسرائيلي على مدينة النبطية. pic.twitter.com/asDWPGZWnZ
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) February 15, 2024
البيئة المألوفة
يتعلق الطفل بالأجواء التي اعتاد عليها (بيت، مدرسة، أصدقاء، أقارب)، والتغييرات المفاجئة التي تطرأ في الحرب تسلخ الطفل عن روتينه المألوف. وفي هذا السياق، أوضحت خشمان أن انفصال الطفل عن بيئته يُعد أمرًا خطيرًا وله أيضًا تبعات مثل أن يؤدي إلى قلة الثقة بالنفس والعدوانية، ونوبات من الغضب. وذكرت خشمان أن هذه الأعراض قد تؤدي إلى تراجع المكتسبات التي قد بلورها من قبل، واستعادة بعض العادات القديمة مثل “مص الأصابع” و”التبول اللاإرادي”.
وتدعو الحاجة إلى إنشاء خطة لردم الثغرات، وخطط لدعم الأولاد بالمواد الأساسية، فهذه أمور تُعد ضرورية جدًا، فالأطفال هم جيل المستقبل ومن الواجب التعاون لتخطي هذه المرحلة، خاصة وأن الأطفال المتأثرين بالحرب يظهرون أعراض اضطرابات نفسية، مثل القلق، الشرود الذهني، والعدوانية، ما يؤثر على قدرتهم على التعلم.
وشددت خشمان على أن دور المختصين يُعتبر أساسيًا جدًا في هذه المرحلة الحساسة. وأضافت بأن المختصين يسعون لتأمين الاستقرار النفسي والأمان للأطفال، وذلك من خلال برامج تفريغ ودعم للأهالي والأطفال، تُترجم بأنشطة تتمثل بالتعبير عبر اللعب والرسم، وإذا كانت هناك ضرورة، قد يلجأ المختص إلى إقامة جلسات تفريغ في العيادة.
وعلى الرغم من أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان والأطفال، إلا أن هناك ملايين الأطفال في أنحاء العالم قد حُرموا من حقهم في التعليم نتيجة الحروب. وفي لبنان، أدى العدوان إلى تضرر عدد من المدارس، ولم يعد الطلاب حتى الآن إلى استكمال التعليم الحضوري، ما أدى أيضاً إلى تأثر الحياة الطبيعية للأطفال، وهذا ما يحتاج إلى متابعة.
اطفال الجنوب …. ابطال المستقبل …. لا غالب لكم#الجنوب_يحرر_الوطن#الجنوب_المقدس#جنوب_العز#الوطن_المقاوم#لبنان#لبنان_ما_بعد_الستين pic.twitter.com/XbjfEPyO2R
— abdallah chamseldeen (@chamseldeen) January 27, 2025
مبادرة إحكيلي
في سياق متصل، تبرز أهمية الدور الذي تلعبه المبادرات التي تُطلقها مختلف الجهات في سبيل تعزيز السلامة والأمن النفسي للأطفال والتخفيف من مخلّفات وآثار الحرب عليهم.
إحدى هذه المبادرات هي “إحكيلي”، التي تنظم بالتعاون مع نادي “أمنية للأطفال” وجمعية “لبن” فعاليات خاصة في إطار سلسلة الأنشطة المخصصة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عامًا، لدعمهم نفسيًا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير.
وأوضحت صاحبة المبادرة ريان خير الدين في مقابلة مع موقع المنار الإلكتروني، أن الفعالية تهدف إلى تقديم الدعم النفسي والتفريغ العاطفي للأطفال من خلال أنشطة تفاعلية.
وتابعت بأنه سيُطلب من الأطفال مشاركة قصصهم أو مواقف أثرت فيهم، ليقوم بعدها فريق “لبن”، المتخصص في الأنشطة المسرحية، بإعادة تمثيل هذه المواقف بطريقة مسرحية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم توزيع هدايا وتقديم ضيافة للحضور، بهدف إدخال البهجة والسرور إلى قلوب الأطفال وتعزيز روح المجتمع والتضامن بينهم.
يُذكر أن “نادي أمنية للأطفال” و”مبادرة إحكيلي” يسعيان من خلال هذه الأنشطة إلى الوقوف بجانب المجتمع، خاصة الأطفال، لتخفيف الآثار النفسية السلبية وتعزيز الدعم المجتمعي في ظل الظروف الصعبة.
تُبرز في هذا الإطار المبادرات المجتمعية في المحافظة على الروحية والعقيدة وسلامة النفوس، فالأصل في القيام كما قال أحد كبار قادتنا الحاج عماد مغنية هو الروح، بالتزامن مع إصلاح العثرات لدى أمة قد يواجه أهلها شتى أنواع الزلازل والصعوبات، لكن لا يمكن أن تنكسر فيها إرادة المقاومة.
وبالنسبة إلى مرحلة الطفولة التي تتفتح فيها كل القابليات والاستعدادات لبناء الإنسان والمجتمع، يعمل العدو على تدمير هذه البيئة الآمنة لأجيال الغد، وبالتالي يسعى إلى قتل روح المقاومة لدى أجيالنا القادمة، عبر التأثير سلبًا على نفسيته وقابليته في التعلم والتطور.
المصدر: موقع المنار