باندفاعة قوية بدأ العهد الجديد عمله من خلال سرعة تكليف رئيس الحكومة ومن ثم تشكيلها ومن ثم نيلها الثقة في مجلس النواب، وصولا الى سرعة اقرار “سلة” من المراسيم الهامة من ابرزها ما يتعلق بملف النفط وثروة لبنان البترولية وغيرها من الملفات.
ولكن هناك العديد من الملفات التي تنتظر الحكومة ومن خلفها الافرقاء الذين يشاركون في الحكومة ومن أبرز هذه الملفات ملف قانون الانتخاب، باعتبار ان اي قانون سيصدره مجلس النواب سيتحول عبر مشروع قانون تعده وتقره الحكومة، علما ان الانتخابات النيابية من المقرر اجراؤها في ربيع هذا العام، اي ان ما يفصلنا عن موعد إجراء هذه الانتخابات هو بضعة أشهر فقط، فكيف سيتم التعاطي مع هذا الملف برمته.
فهل سيتم اقرار قانون انتخاب جديد في هذه الفترة الفاصلة، ام سيتم التمديد لمجلس النواب لفترة معينة كتمديد تقني حتى الوصول لاقرار قانون جديد للانتخابات؟ ام ان الانتخابات ستجري في وقتها على أساس قانون الستين النافذ حاليا؟ وهل اذا ما حصل التمديد التقني سيقر المجلس قانونا جديدا للانتخاب؟ والاهم من ذلك اي شكل سيكون عليه هذا القانون؟ وهل سيعتمد النسبية ام لا؟ وإن اعتمدها فبأي نسبة؟ هل سيعتمد النسبية المطلقة ام الجزئية؟ وهل سيتم اعتماد قانون مختلط يجمع بين النظام الاكثري والنظام النسبي؟ ام سيكون هناك بعض الطروحات الاخرى؟
واي موقف سيكون للكتل التي طالما تحدثت ان باب الاصلاح يبدأ من قانون الانتخاب؟ أليست الكتل النيابية اليوم أمام اختبار لمصداقيتها وصدقها امام اللبنانيين وحول مدى جدية الشعارات التي طالما رفعت طوال سنين؟ ام انه سيتم مراعاة هواجس البعض؟ وهل سيتم ضرب الاصلاح الحقيقي تحت ذريعة هاجس هذا الفريق او هاجس الفريق الآخر؟ وهل يمكن بناء دولة حقيقية بدون مراعاة هواجس فئات وشرائح بأكملها في لبنان؟
قانون الانتخاب.. قضية مركزية واكثر
حول كل ذلك اعتبر النائب السابق لرئيس مجلس النواب اللبناني ايلي الفرزلي ان “ما جرى في لبنان منذ انتخاب الرئيس العماد ميشال عون الى اليوم هو إعادة تصويب الواقع المتعلق بالعلاقات بين المكونات الطوائفية في البلد”، ورأى ان “هذا أمر في غاية الاهمية لان المكونات أخذت موقعها الطبيعي كل بحسب حجمه بناء لما ينص عليه الدستور”.
واوضح الفرزلي في حديث لموقع “قناة المنار” ان “رئيس الجمهورية اليوم يمثل المكون الذي ينتمي اليه ويؤمن بوحدة البلد”، وتابع ان “الرئيس عون يظهر كحامي للثوابت الاستراتيجية الرئيسية وفي الوقت عينه ملبيا لطموحات مكون اساسي في البلد”، ونوه “بالسرعة الفائقة في تأليف الحكومة حيث ان كل مكون اختار من يريد لتمثيله”، واضاف “يبقى ان هناك حاجة لانتاج قانون انتخابي جديد وهذه قضية مركزية واساسية بالنسبة للحكومة”.
وبالنسبة لاقرار قانون جديد للانتخاب، شدد الفرزلي على ان “المهم في هذه المرحلة هو طرد قانون الستين الذي هو رمز الخلل الذي طرأ على المؤسسات وعلى علاقات المكونات فيما بينها”، واعتبر ان “هذا القانون هو رمز تعطيل الدولة وسبب عدم وجود آلية للمحاسبة والمساءلة”، ودعا “لادخال النسبية في قانون الانتخاب كليا او جزئيا وتكريسها كثقافة في البلد”، ورجّح “التوجه نحو قانون مختلط للانتخابات”، واضاف “اعتقد ان الافضل اعتماد قانون مختلط يجمع النظام الاكثري على صعيد القضاء والنظام النسبي على صعيد المحافظة”.
ارتياح عام.. ولكن؟!
بدوره، رأى مدير مركز دال للاعلام الاستاذ فيصل عبد الساتر ان “الانطلاقة الاولى للعهد الجديد تركت الكثير من الارتياح لدى الرأي العام اللبناني سواء لجهة سرعة التكليف والتأليف ومن ثم نيل الحكومة الثقة في مجلس النواب وصولا لاقرار المراسيم التي صدرت في الجلسة الاولى خلال هذا العام وطبيعة التعيينات التي حصلت”، ولفت الى ان “اللبنانيين شعروا بشكل عام بالارتياح نتيجة سرعة تحرك المسؤولين بخصوص ضحايا اسطنبول ومن ثم بخصوص الضحية اللبناني الذي قضى في افريقيا على ايدي بعض العصابات”.
وقال عبد الساتر في حديث لموقع “قناة المنار” ان “كل ذلك رغم ايجابيته إلا انه لا يكفي لان نحن امام دولة فقدت الكثير من بريقها وهي مدعوة اليوم لملء الشغور في كثير من المراكز”، داعيا “رئيس الجمهورية ان يكون الراعي والضامن لعدم حدوث محسوبيات كما كان يجري في السابق”.
وفيما يتعلق بقانون الانتخاب، اوضح عبد الساتر ان “المشكلة الاساسية في لبنان هي ان الطبقة السياسية لم تتفق على قانون انتخاب بما يعيد الثقة للعملية الانتخابية”، واعتبر ان “النسبية هي الافضل والامثل للوصول الى صحة التمثيل إلا انه على ما يبدو ان هناك تجاذبا حول تبنيها سواء كليا او جزئيا”، ورأى ان “لا شيء يدل انه سوف يتم التوصل الى قانون جديد للانتخاب قبل المهلة الدستورية المحددة في شهر شباط القادم لذلك فإنه سيجري تمديد تقني لمجلس النواب بهدف اقرار قانون جديد واما تجريع اللبنانيين الكأس المرة والعودة الى الستين”.
وشدد عبد الساتر على “رفضه القانون المختلط وإن كان البعض يقول انه قد يشكل تمرينا على النسبية”، ورأى ان “هذا القانون المختلط قد يؤدي فعليا الى تضييع الناس والمواطن اللبناني العادي بالاضافة الى اننا سنفتقد لوحدة المعيار”، داعيا “إما لاعتماد النسبية الكاملة سواء عبر جعل لبنان دائرة واحدة او عدة دوائر، وإما اعتماد نظام صوت لكل مواطن (one man one vote)”.
حول هواجس البعض من النسبية، يقول النائب السابق لمجلس النواب ايلي الفرزلي إنه “لا يجوز تضخيم الهواجس وصولا للتعطيل، واعتبر ان تبديد الهواجس يكون عبر موقف صارم وحاسم من قبل الحكومة ورئيس الجمهورية الذي سيرك المجال للمفاوضات للوصول الى الافضل من دون تعطيل البلد واقرار القانون الجديد”، مشيرا الى ان “ان التمديد التقني للمجلس وارد بشكل كبير بحدود الثلاثة اشهر”.
من جهته، قال الاعلامي عبد الساتر إن “الهواجس تبدد عندما نعيد الثقة الى اللبناني بأن صوته سيوصل الممثل الصحيح الى الندوة البرلمانية وان نعيد بناء الثقة بين الناخب والنائب”، واكد انه “يجب البحث عن مصلحة الوطن بقانون الانتخاب وليس عن مصلحة هذا الزعيم او هذه الطائفة”، داعيا “لاعتماد القانون الافضل ولو ان بعض الجهات ستخسر بعض الحصص على المستوى الوطني طالما ان هذا القانون يحقق المصلحة العامة ويصحح التمثيل النيابي”، ودعا “لعرض المشاريع على اللجان النيابية ومن ثم طرحها على التصويت في الجلسة العامة لكي يعرف الناس من الذي يعطل ومن الذي يريد مصلحة البلد”.
المصلحة العامة .. اولا وأخيرا
يبقى ان الهدف الاول والاخير يجب ان يكون المصلحة الوطنية في لبنان، وهذا ما يجب ان يشكل المعيار الوحيد والاساسي الذي يتم بناء عليه اقرار أي قانون انتخابي جديد، وغير ذلك نكون قد أضعنا الهدف الحقيقي من وراء القانون بتحقيق الاصلاح وصحة التمثيل ونكون قد اكتفينا بالتغيير شكلا بينما المطلوب هو التغيير في المضمون.
المصدر: موقع المنار