ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة أشار فيها إلى “أن الإنسان شديد الارتباط ببيئته، ما يعني أن علينا بذل كل غال ورخيص، كي نؤمن البيئة السياسية والاجتماعية التي تضمن هذا الإنسان، وإلا خسرنا طموح الله بالإنسان، وهذا يفترض أن يكون هناك سلطة سياسية تعي حاجات الإنسان، وتعمل لتحقيقها لا على قاعدة احتكار السلطة والصراع على منافعها وأرباحها وتهريب المناقصات وامتهان العمولة وتزييف المشاريع، لأن التجربة مرة للغاية في هذا العالم، خاصة إذا علمنا أن أصل الدين العام قد أصبح مضاعفا مرات ومرات، لينكشف البلد عن فقر يزيد عن 75% من مجموع سكانه، ونمو جريمة يكاد يكون الأكبر، ونسبة بطالة كسرت النماذج العالمية، فيما تجارة المخدرات تكاد تسحق جيلا كاملا من اللبنانيين، هذا فضلا عن فشل الدولة في السياسات التربوية والاستشفائية والمشاريع الاجتماعية لصالح كيانات تجارية تعيش على المنافع الخاصة”.
وتابع المفتي قبلان “في حاصل هذه السنة، يخسر اللبنانيون فرصة العيش الكريم، وتزداد المديونية، وتتفشى الجريمة، وتتكدس السجون، وتتحول البطالة إلى مرض عضال، وللأسف أقل من 1% يسيطر على أكثر من 90% من ثروة هذا البلد وكياناته التجارية وقدراته الاستثمارية، فضلا عن إدارة مناقصات الدولة وما فيها من فساد. ومع كل نهاية عام يطل علينا من يقول كل عام وأنتم بخير، فيما خير لبنان تحول ملكا لقلة، وحكرا على كيانات فاسدة تعد على الأصابع، وزعامات تنزعج من صراخ الفقراء، وأنماط سياسية لا تريد الشعور بجوع الناس ووجعها، ووحشية من يدير ملفات الناس لدرجة أن الفضائح الميكانيكية والكاميرات، رغم ما فيها من رائحة فساد مخيف، مرت وكأن شيئا لم يكن، كأننا نعيش بلدا مفتوحا على شتى أنواع الفساد، وتحت عين من يمتهن الرقابة وصيد الفواتير، لأن القضية قضية عقل فاسد، وطبقة مصرة على إدارة المال العام دون حسيب أو رقيب، ورغم ذلك يطل علينا من يقول للناس الضحايا “كل عام وأنتم بخير” وخير لبنان كله منهوب”.
وأضاف الشيخ قبلان “من هنا يفترض بفقراء هذا البلد ومظلوميه، مسلمين ومسيحيين، أن يتجندوا لخير هذا البلد، لأن الطائفية أكلت لبنان وحولت أجياله طرائد، وزادت البؤس واليأس والتعاسة، وحولت الطوائف إلى خنادق ومتاريس، فيما القدرات المالية ذات الولاء السياسي تنهب وتستأثر وتحتكر هذا البلد، على قاعدة جوع الناس والطائفية ضمان لتقاسم السلطة وموارد الشعب”.
وأكد “أننا مع خيار الدولة، لكن دولة تنمية، دولة سلطة مقننة، دولة تفتيش مركزي وديوان محاسبة، دولة قضاء محكوم بالعدل وليس بالسياسة، وإلا فمزيد من الجوع والبؤس والجريمة والفساد والفشل سينال من بقية ناس هذا البلد، خاصة أن تقاسم السلطة جرى بخلفية توازنات لا برامج. فالمطلوب إنسان مضمون، وبرامج صحية اجتماعية تربوية تمنع استبداد السلطة والكيانات التجارية، لأن فساد الأولويات حول المواطن اللبناني مجرد سلعة تباع بأسواق السلطة، بعيدا عما يعنيه المواطن من شرعية سلطة هذا البلد”.
ولفت المفتي قبلان أنه “ليس في هذا البلد وزارة عمل أو وزارة اقتصاد أو غيرها من الوزارات الخدماتية، لأن هذه الوزارات أشبه بوزارات كلف إدارية، وتنفيع وظائف، بدليل أن ما يعانيه اللبناني في سوق العمل والسلع والبضائع، فضلا عن فساد الأسواق يؤكد أن السلطة في واد والناس في واد آخر، لا لأن السلطة غير قادرة، بل لأن بعض من في السلطة متورط على طريقة تجيير السلطة لخدمة المشاريع المالية الخاصة”.
وطالب المفتي قبلان ب”أمن وكرامة مواطن، وليس أن نتسول رغيف الخبز على أبواب السياسي، لأن إعادة تنظيم القطاعات العامة والخاصة في هذا البلد كفيل بإنعاشه، لكن متى يشهد لبنان حكومة عمل اجتماعي، بعيدا عن لعبة عرض العضلات؟ ومتى تتحول السلطة أبا لهذه الناس؟ متى يحق للسلطة أن تقول للناس كل عام وأنتم بخير؟ متى يشعر الحاكم أن جوع الناس من جوعه؟ متى يتحول المسيحي والمسلم حزبا واحدا ضد الأمية والجوع والإفقار والاستهتار والاستئثار والانتهازية واحتكار السلطة والأسواق والأرزاق؟ متى يتجول الوزير والنائب وأصحاب الملفات الحكومية أسبوعيا في مدن وأرياف الفقراء؟ متى يسمع الحاكم أنين الجوعى والبائسين؟ متى يتساوى رغيف الغني برغيف الفقراء؟ متى يصبح المواطن اللبناني قضية حكومية؟ متى يخرج الممثل اللبناني من عقدة تجيير المرفق العام لصالحه وصالح خواصه وأزلامه؟ متى ننتصر على الفساد؟ متى نعيد انتاج ضمانة سياسية عبر قانون انتخاب نسبي بحجم حاجة الشعب لا بحجم حاجة الأحزاب؟ متى نربح رغيف الكرامة؟ متى نخرج من دولة السلطة إلى دولة الناس؟ متى نعزز جهود المقاومين الذين بذلوا أعز المهج في سبيل استقلال وحماية هذا البلد؟ متى نضمن حاجات الجيش والقوى الأمنية التي تشكل بقية ضمانة هذا البلد؟ متى نفرح لأن لبنان لم يعد أطرا وكيانات؟ متى نطمئن أننا خرجنا من وثن الطائفية إلى وحدانية طائفة لبنان؟ متى يصبح الخير خير كل سنة في لبنان؟ متى… متى… نقولها بوجع، وكل عام وكفاكم الله شر أهل السياسة”.