ملف ساخن | بين التهجير والتطهير.. شمال غزة تحت تهديد “خطة الجنرالات” – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

ملف ساخن | بين التهجير والتطهير.. شمال غزة تحت تهديد “خطة الجنرالات”

خاص
خليل موسى

لمجرد معرفة تاريخ جباليا، وتحديداً مخيمها، يسهل حينها معرفة مخططات وطموحات الاحتلال الاسرائيلي في منطقة شمال غزة، انطلاقاً من مشاهد التهجير القسري على الهواء مباشرة أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، والحكاية هنا طويلة.

جباليا مركز الشمال ونقطة السيطرة كما يراها الكيان

هي نقطة محورية في محافظة شمال قطاع غزة، وشهدت العشرات من العمليات البارزة للمقاومة في معركة طوفان الأقصى، وخلال فترة النضال الفلسطيني الطويل، حيث أبدى مجاهدو المقاومة بأساً كبيراً أثخن بالعدو، وكبدوه الكثير من الخسائر في العدة والعديد، والأبرز اصطياد الآليات الأكثر تطوراً في العالم.

كما شهدت جباليا في الأيام الماضية، مقتل أكبر رتبة عسكرية من الجيش الصهيوني ممن دخلوا برياً إلى قطاع غزة وهو ضابط برتبة عقيد يتولى مهمة قائد اللواء 401 ، ولم تنته العمليات البطولية للمقاومة، وليس آخرها الكمين المركب الذي نفذته القسام غرب معسكر جباليا شمال القطاع.

وعلى مقربة من مدينة جباليا، يقع مخيمها، وهو الذي شهد الشرارة لانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى والتي اشتهرت بانتفاضة أطفال الحجارة عام 1987، وامتدت في عموم الأراضي الفلسطينية حتى أخمدها اتفاق اوسلو عام 1993. وكان له دور بارز في انتفاضة الأقصى عام 2000. حتى انسحاب الكيان من قطاع غزة عام 2005.

تأسس المخيم شمال شرقي مدينة جباليا عام 1948، من الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من قرى جنوبي فلسطين خلال النكبة. ويبعد مسافة 1.7 كم عن مركز مدينة جباليا بارتفاع لا يتجاوز 50 م عن مستوى سطح البحر. وتبلغ مساحة المخيم (1448) دونما، ويعتبر من المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان الذين يبلغ عددهم حسب تسجيل عام 2023 حوالي (59574) نسمة.

ووفقاً للموقع الرسمي لوكالة الأونروا فإن عدد المباني الخدمية التابعة للأونروا في مخيم جباليا حتى العام 2023، بلغ 32 منشأة، بينهم (26) مدرسة، (6) منها تعمل بنظام الفترة الواحدة، و(10) تعمل بنظام الفترتين. بالإضافة إلى مركز توزيع أغذية، و(3) مراكز صحية، كما يوجد مكتبان للإغاثة والخدمات الاجتماعية، ومكتبة عامة، و(7) آبار مياه، ومكتب صيانة وصحة بيئية.

هذه المنشآت الحيوية، أخذ منها الدمار مأخذه، وبات ضمن المناطق المنكوبة في شمال غزة. وتشهد جباليا حالياً حملة تطهير عرقي، بعد حصار وتجويع دام أكثر من أسبوعين، بالإضافة إلى عدد من المجازر. وحاول العدو التعميم اعلامياً على الجرائم المرتكبة بقطعه الانترنت ووسائط الاتصال، ورغم ذلك خرجت من هناك عشرات المشاهد التي تبرز وحشية هذا الكيان.

محافظة شمال غزة الهدف الرئيس لحملات التهجير

وهي واحدة من أهم وأكبر محافظات قطاع غزة الخمس، تقع شمالي مدينة غزة وتمتد ما بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ومركز مدينة غزة جنوباً، ومن شاطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً متاخمة أراضي قرى بئر السبع المحتلة شرقاً. تحاذي محافظة شمال القطاع الأراضي الفلسطينية المحتلة بطول يصل إل 10 كم، وتطل أراضي المحافظة على البحر الأبيض المتوسط بطول حوالي 6 كم.

وتضم محافظة الشمال مناطق رئيسية تبداً من بيت حانون شمالاً المشتركة مع الأراضي المحتلة عام 1948 بالمعبر الشهير عالمياً “إيريز” وهو ذاته معبر بيت حانون، تليها بيت لاهيا وجباليا، والمكان الأشهر مخيم جباليا، ثم بلد أم النصر ونزلة جباليا.

وتعد بيت حانون، بوابة الاحتلال إلى القطاع عند معبر بيت حانون، التي تبعد عن مستوطنة سديروت نحو (6) كلم، والسيطرة عليها يسهل لدى للعدو حسب اعتقاده بما يخطط للسيطرة على وسط القطاع.

محافظة شمال غزة

ولموقع محافظة شمال غزة أهمية تكمن في محاذات القرى والمدن المهجرة والمحتلة، وهي هربيا، دير سنيد، المجدل عسقلان، جورة عسقلان، الجية شمالاً، إضافة إلى مستوطنات زيكيم، ياد مردخاي، نتيف هعسراه، مفكعيم. وإلى الشرق من محافظة الشمال تتموضع دمرة، بيت جرجا، سمسم، نجد، برير من الشمال الشرقي مستوطنات سديروت، مفلسيم من الشرق والشمال الشرقي. القرى المهجرة كوفخة، المحرقة شرقاً. مدينة غزة جنوباً. البحر الأبيض المتوسط غرباً ومن الشمال الغربي.

هذه المناطق جميعها توضح جغرافياً أهمية ما يدفع الكيان الصهيوني للسيطرة على هذه محافظة الشمال بشكل كامل حسب خطة الجنرالات التي وضعها، والتهجير القسري الذي تم من جباليا كنموذج هو واحد من أهم خطوات تحقيق الخطة، حيث ينوي الاحتلال تهجير كامل من بقي في فيها تحض ضغط القتل والتجويع والحرمان من كل مقومات الحياة، والبالغ عددهم حسب الاحصائيات الأخيرة في العام 2023 قرابة (444412) نسمة بقي منهم حوالي (300) ألف لم يغادروها على مدار عام كامل من الحرب. وهذا ما اعتبره كيان “إسرائيل” عائقاً وتحدياً أمام نوايا التطهير العرقي، والتي باتت تعرف بـ “خطة الجنرالات”.

ما هي خطة الجنرالات

حسب ما عنونها صانعوها تقضي خطة الجنرالات باحتلال كامل شمال قطاع غزة، مستخدمةً ذات أدوات الإجرام التي بدأ الكيان الصهيوني عدوانه في أكتوبر 2023، أي عندما خرج وزير الحرب الصهيوني غالانت وقال جملته الشهيرة “لا طعام ولا ماء ولا دواء ولا وقود”، وبدأ جيشه بالقتل والعبثي والتجويع والحصار الشامل بإطباق غير مسبوق في التاريخ، إضافة للتهجير القسري من مكان إلى آخر ضمن مساحة قطاع غزة، وطبعا بداية من الشمال.

هذه الخطة وضعها “غيورا آيلاند”، القائد السابق للتخطيط الإستراتيجي في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي سابقا وتبناها عدد من الجنرالات، ثم عرضها على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وأخذ الموافقة عليها في أيلول الماضي 2024، ويتم نقاشها ودعمها من قبل الولايات المتحدة الأميركية. والهدف المعلن من هذه الخطة، يأتي في السيطرة على كامل الشمال بهدف ما قال عنه العدو “القضاء على حماس”.

نوايا العدو الصهيوني لما بعد خطة الجنرالات

كثيراً ما نقل الإعلام العبري عن نوايا كل من وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير تمسكهما في استغلال كل ما يحدث ليستفيد ما يسمى “الشعب اليهودي” من السعي لاحتلال قطاع غزة واستيطان اليهود فيه، وبالتالي فإن تحقيق هذا الهدف هو الذي يُملي مواقفهما، ويقف خلف مطالبتهما بنقل المسؤولية عن المساعدات الإنسانية لقطاع غزة إلى أيدي الجيش الإسرائيلي ووضعها تحت مسؤوليته.

هذه اللمحة تأخذ الأنظار إلى أنه في حال نجحت خطة الجنرالات في تحقيق كل هذه النوايا، فإن إقامة المستوطنات في شمال غزة، تأتي ضمن محاولات الكيان لإقامة منطقة عازلة في منطقة الوسط من القطاع قد تشمل كامل المحافظة الوسطى بداية من مدينة غزة، والنتيجة اجبار الفلسطينيين المتواجدين على التجمع في جنوب القطاع.

ولا يغيب عن المشهد تمركز الكيان في رفح كمنطقة أعلن احتلالها وتهجير أهلها، والسيطرة على المعابر مع مصر والحدود الاخيرة للفلسطينيين مع العالم العربي، بالتالي سيعمل وزيري كيان العدو الصهيوني المجرمان بن غفير وسموتريتش إلى ما أطلقا عليه “تشجيع هجرة الفلسطينيين” والتي هي في حقيقة الأمر تطهير عرقي.

كل هذا يأتي في سياق النوايا الصهيونية لاحتلال ما تبقى من فلسطين، وقد اتضح أن الأمر مخطط له مسبقاً منذ سنوات، بالتحديد منذ ظهور ما سمي بـ “يهودية الدولة” التي طرحها سابقاً عدد من القادة في الكيان.

ورغم التهجير القسري وشدة الحصار، بقيت المواجهات قائمة على أشدها بين مجاهدي المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني، الذي يشن أعتى أشكال الإجرام على القطاع، وبقيت المقاومة تتصدى للقوات المهاجمة بقوة وببسالة منقطعة النظير، وهذا ما يعطي مؤشرات لا تتيح الأريحية لخطة الجنرالات التهجيرية الإحلالية رغم قوة ما يتم استخدامه من أسلحة وعتاد وعديد.

خريطة قطاع غزة

المصدر: موقع المنار