دخلت حيفا في دائرة الصراع بين محور المقاومة والكيان الإسرائيلي، ضمن مراحل التصعيد في معركة “طوفان الاقصى” بعد انقضاء عامها الأول، ما أعاد خلط الأوراق الاستراتيجية، لما لهذه المدينة من أهمية بالنسبة للكيان الإسرائيلي، ولجبهة المقاومة في حرب التحرير الكبرى.
هي حيفا، المدينة الضاربة في عمق التاريخ، بنيت قبل (14) قرناً من الميلاد، وشهدت على صعود ممالك وأمبراطوريات، وعلى تهالكها وفنائها أيضاً، وهي تشهد اليوم على واحدة من أهم المعارك في العصر الحديث..
وضعت المقاومة الإسلامية حيفا في دائرة نارها، وفي مرمى صواريخها، نظراً لأهميتها لدى كيان الإحتلال. فهي ثالث مدينة من حيث الأهمية بعد القدس المحتلة و”تل أبيب”، وهي بوابة هذا الكيان إلى العالم الخارجي، وتلعب دوراً محورياً في حركة التجارة البحرية والملاحة الدولية، وبالتالي في أمن دولة الإحتلال.
تضم حيفا العديد من المنشآت الاستراتيجية للكيان، وأبرزها، ميناء حيفا، وهو أهم ميناء اسرائيلي، يتبعه ميناء أسدود، وميناء إيلات. وعبر هذا الميناء تصل إلى كيان الإحتلال أغلب البضائع والسلع، خصوصاً بعد الحصار البحري الذي فرضته القوات اليمنية على ميناء ايلات، وبعد تراجع دور ميناء أسدود، لقربه من قطاع غزة، الذي يشهد تصاعداً لعمليات المقاومة أيضاً.
وضع حزب الله ميناء حيفا في الدائرة المحتملة للإستهداف، يضع الكيان أمام مأزق استراتجي، فالمقاومة قادرة بشكل فعلي على قطع التواصل التجاري بين “اسرائيل” والعالم الخارجي، مع ما يعنيه هذا من تداعيات على مجمل الأوضاع، ونقل الصراع إلى مراحل جديدة وخطيرة، يبدأ في “تل أبيب” وينتهي في “نيودلهي” الهندية.
استحوذت شركة “Adani Group” المملوكة من قبل الملياردير الهندي “غوتام أداني” حليف رئيس الوزراء ناريندا مودي على ثلثي أسهم ميناء حيفا، في حين تمتلك شركة “غادوت” الثلث المتبقي في صفقة وصفت بـ “الاستراتيجية” وقعت قبل عامين.
ويلعب ميناء حيفا دوراً محورياً في حركة الاستيراد والتصدير إلى الكيان، بسبب موقعه الاستراتيجي القريب من أوروبا. كما يعتبر بوابة عبور أوروبية إلى الشرق الأوسط عبر الاردن، وبالتالي إلى السعودية ومنطقة الخليج.
بالإضافة إلى الأهمية الجغرافية والتجارية، يعد ميناء حيفاً مركزاً صناعياً هاماً، حيث أنشأت كبريات شركات الكيماويات والبترول مصانع هناك، ما يعكس دوره الهام في الإقتصاد الإسرائيلي.
حيفا تحت مرمى صواريخ المقاومة
قامت المقاومة الإسلامية بعمليات رصد دقيقة لمنطقة حيفا بالكامل، وعرض بعضاً مما رصدته طائرتها المسيرة “الهدهد” في نسختها الأولى في آب الماضي، حيث جرى تصوير ميناء حيفا وحاويات المواد الكيميائية في محيطه، بالإضافة إلى مطار حيفا ومهبط الطائرات فيه، ومراكز تصنيع صواريخ ونقاط للدفاع الجوي الاسرائيلي، ومراكز تجارية وسكنية لعسكريين او لعاملين في مراكز محيطة في الشمال.
ومن أبرز المنشآت الحساسة والاستراتيجية في ميناء حيفا: مصنع بازان (لتكرير النفط الخام وإنتاج المنتجات البترولية)، مصانع الأمونيا (تخزن كميات كبيرة من الأمونيا وهي هدف محتمل)، رصيف الشحن الكيميائي “هاكيشون” (ينقل مواد بتروكيميائية ويضم مستودعات لتخزين مواد كيميائية)، مصانع “ICL” (تحوي مواد كيميائية خطيرة لصناعة الأسمدة).
بالإضافة إلى، خزانات ومصافي النفط (تبلغ سعتها مليون متر مكعب من مختلف الأنواع)، مطار حيفا (يخدم رحلات داخلية وخارجية)، محطة كهرباء حيفا (لها دور حيوي في تزويد الطاقة للمدينة)، مرسى الغواصات والسفن العسكرية (تم تصويرها من قبل “الهدهد”)، قاعدة البحرية الإسرائيلية (مهمات عسكرية واستخباراتية للجيش)، أرصفة شحن حاويات البضائع (تنقل أكثر من 30 مليون طن من البضائع سنوياً).
وفي نسختها الثالثة قبل أيام، نشرت المقاومة مشاهد أخرى من “الهدهد”، رصدت فيه منشآت اقتصادية وعسكرية اسرائيلية، مع تأكيد على أنها على قائمة أهداف المقاومة، متى أرادت تنفيذ استهدافها في الوقت الذي تحدده.
ويتزامن نشر مشاهد رصد المنشآت الاسرائيلية في حيفا، مع تحذير واضح من قيادة المقاومة الإسلامية، بأن حزب الله قادر على جعل حيفا وغيرها، بالنسبة لصواريخ المقاومة بمثابة كريات شمونة والمطلة وغيرها من المستوطنات الحدودية مع لبنان.
ووجهت المقاومة الإسلامية ضربات كبيرة للمستوطنات الحدودية التي باتت خالية، وعم الدمار فيها، بسبب الصواريخ التي تطلقها، حيث جرى تدمير النقاط العسكرية في تلك المستوطنات، بالإضافة إلى نقاط تحشد آليات الاحتلال، والمنازل التي يتخدها جيش الاحتلال مراكز له، أو التي يمكن استخدامها لاحقاً.
تداعيات الصراع على حيفا
ويعتبر استهداف المواقع العسكرية بشكل يومي في مدينة حيفا تحولاً استراتيجياً في هذه المعركة، أدى في تأثيراته الأولية إلى الحد من النشاط الإقتصادي والتجاري في المدينة، كما فرضت الجبهة الداخلية قيوداً على الأنشطة المختلفة، فقد تم اغلاق المدارس ورياض الأطفال، بالإضافة إلى فرض العمل في المصانع التي توفر أماكن مصحنة وملاجئ فقط.
وتعمل المؤسسات السياسية بشكل جزئي في المدينة، مع اغلاق عدد كبير من الشركات، منذ أن باتت المدينة تحت مرمى استهداف صواريخ ومسيرات المقاومة، كما أن حركة المرور والمواصلات باتت ضعيفة في هذه المدينة، مع ما يعنيه هذا الأمر من تعطل لحركة المستوطنين بشكل عام، وغياب الموظفين عن أماكن العمل.
وفي إحصاء أجراه “اتحاد الصناعيين في لواء حيفا والشمال قبل أيام، فإن 40% من مصانع الشمال تعمل بشكل جزئي، و15% منها أغلقت أبوابها، مع الإشارة إلى أن هناك نحو (350) مصنعاً يعمل بهم أكثر من (20) ألف شخص.
ويخشى التجار الصهاينة من سيناريو اغلاق ميناء حيفا، كما جرى في ايلات، في حين أن ميناء أسدود غير جاهز للتعامل مع حاويات الشحن بأحجام وأعداد كبيرة، وبالتالي فإن السفن ستتوقف عن الوصول.
وفي حرب تموز عام (2006)، أغلقت المقاومة الإسلامية ميناء حيفا، بعد اطلاق صواريخ عليه، ما أدى إلى الانتقال إلى ميناء “أسدود”، ولكن بغير النشاط المعتاد، ما تسبب بخسائر اقتصادية كبيرة للكيان.
لكن هذا الميناء، وبسبب تطور التجارة الدولية البحرية خلال (18 عاماً)، والانفتاح الإقتصادي الذي عمل عليه الكيان الإقتصادي، يجعل الخسائر هذه المرة أضعاف ما جرى عام (2006)، يضاف إليها عوامل عدة، أبرزها دور جبهة الاسناد اليمنية البحري في تعطيل ميناء ايلات، وعدم الاستقرار في اشدود لقربها من غزة، والتي بالمناسبة فإنها تقع أيضاً تحت مرمى الصواريخ الفلسطينية.
حيفا ليست الوحيدة
بين حيفا ولبنان العديد من المناطق الهامة أيضاً، وأبرزها عكا، بالإضافة إلى مجموعة “الكريوت”، وهي تجمع لـ (6) مستوطنات كبيرة وهي: كريات يام، كريات بياليك، كريات موتسكين، كريات آتا، كريات حاييم وكريات شموئيل. ويتجاوز عدد الصهاينة فيها ربع مليون نسمة، حيث يعتبر أكبر تجمع لهم في الشمال.
وتتعرض هذه المنطقة بشكل يومي للإستهداف من قبل المقاومة، مع ما يعنيه هذا الأمر من فقدان الأمن لهؤلاء المستوطنين هناك، ما يزيد من الأعباء الإقتصادية والقومية لدى الكيان، بالإضافة إلى تزعزع الثقة بين هؤلاء وحكومة بنيامين نتنياهو، وبالتالي ازدياد الضغط المجتمعي على حكومة الحرب.
نشر #الإعلام_الحربي في #المقاومة_الإسلامية في لبنان معلومات دقيقة عن “الكريوت”.
فما هو “الكريوت”؟ وماذا يضمّ؟#لبنان #الميادين_لبنان pic.twitter.com/ozZKQhJOSV
— الميادين لبنان (@mayadeenlebanon) June 19, 2024
وبعد استهدفات المقاومة اليومي لتلك المنطقة الممتدة من الحدود إلى حيفا والتي تقدر بنحو (30 كلم)، بات حكومة الاحتلال أمام خيارات عدة:
– اخلاء منطقة حيفا وبالتالي توسيع رقعة التهجير
– استمرارها بالتعنت وبالتالي توسيع المقاومة لدائرة أهدافها بحيث تصيب المنشآت الحساسة وهي قادرة
– وقف العدوان على لبنان وغزة والعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة
– الاستمرار بالعدوان وتكبد العدو المزيد من الخسائر الإقتصادية والتجارية والأمنية
توصف مدينة حيفا بـ “الجذابة” لرؤوس الأموال والتجارة، ولكنها جذابة أيضاً للاستهدافات العسكرية، ولتغيير معادلة الصراع.. وكما قال الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصرالله (قده): نحن في معركة مفتوحة في كل الجبهات دخلت في مرحلة جديدة… وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان.
المصدر: موقع المنار