أما بعد فقد ارتقى أعظم شهداء المقاومة الإسلامية الأمين العام وسيدها وقائدها الشهيد السيد حسن نصر الله، وقد تلقى شعب المقاومة وشبابها وقادتها الخبر المؤلم.. حزنوا نعم.. ضربة قاسية بالتأكيد، لكن الجميع حمد الله على نعمة الشهادة ومسحوا الدمع ورفعوا الأيادي بالدعاء للقائد الشهيد بالرحمة والتسليم بقضاء الله سبحانه، وأكدوا انه “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وعاهدوا السير على درب السيد القائد وما رسمه من خطط ومناهج فهو المدرسة التي أرست ارتقاء المقاومة وقدراتها وهو صاحب مقولة بدأ زمن الانتصارات وولى زمن الهزائم.
لكن فماذا بعد؟ ماذا بعد انتقال الشهيد القائد الى ربه وماذا عن مسيرة المقاومة وردها على العدو الاسرائيلي؟ هل الرد والانتقام سيكون هو المعيار الأساسي لعمل المقاومة أم أن الأمر يتعلق بما هو أكبر وأبعد ويتعلق بتحقيق النصر الأكيد على العدو وصولا لإزالة هذا الكيان الغاصب من هذه المنطقة؟ وماذا يمكن ان يشكل ثمنا او مقابلا للدماء الغالية جدا للشهيد القائد السيد نصر الله؟ هل أي رد معنوي او مادي قد يقاس بقيمة فقدان شخصية استثنائية من حجم هذا القائد؟ هل يستحق هذا الدم أقل من زوال كيان العدو كعربون وفاء لما قدمه صاحبه وقافلة الشهداء النورانية في سبيل الله؟
الأكيد ان الموقف الثابت للمقاومة هو ما ذكّر به نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كلمته الاولى المتلفزة بعد استشهاد السيد نصر الله حيث شدد على ان المقاومة ستواصل مواجهة العدو الاسرائيلي مساندة لغزة وفلسطين ودفاعا عن لبنان وشعبه، والدليل الأولي على ذلك انه حتى بعد اغتيال السيد نصر الله وقادة كبار كالسيد فؤاد شكر والحاج عبد القادر ورغم الضربات القاسية بارتقاء ثلة من القادة والمجاهدين استمر عمل المقاومة بالمساندة واستهداف مواقع ومستوطنات العدو بالوتيرة نفسها بل زاد وارتفع، كما ان المقاومة قادرة على رفع منسوب ضرباتها بحسب ما تقرره قياداتها وبحسب ما تقتضيه ظروف المعركة في النوع والكم والاسلوب.
ولا شك ان المقاومة لم تستخدم إلا اليسير من قدراتها في مختلف المجالات وهي التي تقرر كيف ومتى تزيد من وتيرة ومستوى العمليات، وكل التجارب أثبتت ان المقاومة لا يحكمها العمل تحت الضغوط انطلاقا من ردات الفعل على جريمة هنا او اغتيال هناك، بل هي تقوم بما تقتضيه المصلحة وبناء للأولويات المرسومة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والرد على العدو بما يجب وحيث يجب، وبالتالي فإن اغتيال السيد نصر الله على صعوبته وقساوته، فقيادة المقاومة هي التي تقرر كيف سيكون شكل الرد وطريقته وإن كان الرد على مثل هذه الجريمة لا يضاهيه سوى القضاء وإزالة الكيان الصهيوني من الوجود ومحوه عن خارطة المنطقة، وهذا أمر لن يتم “بكبسة زر” وإنما يحتاج الى تضافر الجهود وتراكمها بحسب ما تقرره الظروف وحسابات جبهة المقاومة.
ويبقى السؤال هي بالامكان لأي رد ان يأخذ المنطقة ككل الى حرب شاملة؟ خاصة ان العدو الاسرائيلي لا يبدو انه يريد التوقف عن جرائمه ومحاولة جر المنطقة الى مثل هذه الأشكال من الحروب، مستفيدا من الدعم الاميركي والغربي اللامحدود، والواقع ان المقاومة تحاول تجنب جرها لحروب ومعارك على توقيت العدو وبحسب ما يريد شكلا ومضمونا، وهذا ما يفسر كل هذا الجنون الذي يظهره رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو من غزة الى لبنان، فهو غير قادر على جرّ المقاومة الى حيث يريد ويحاول استفزازها بكل الطرق والجرائم، ولكن عندما تقرر المقاومة ان وقت الرد الواسع قد حان حسب ما تشاء هي وبناء لتوقيتها وخياراتها، سيعرف العدو والصديق ان المقاومة لا تخاف ولا تخشى من الحروب لا الشاملة ولا غيرها، وبالتالي سيكون الصهاينة قد أدخلوا كيانهم في مرحلة الخراب والأفول.
فسيد المقاومة الشهيد القائد نصر الله في العديد من المرات اكد ان المقاومة لا تخشى المواجهة، وكلمته الشهيرة عن الحرب التي تفرض انه “يا هلا ومرحب..” باتت شعارا يرفعه أحباء السيد وشعب المقاومة.. ولكن هذه المقاومة هي من يقرر كيف ومتى لا العدو، وقد أشار الشيخ قاسم في كلمته الاخيرة الى انه “اذا اعتقدت اسرائيل ان يدها المفتوحة دوليا وتصميمها على الوحشية والعدوان سيحقق أهدافها فهي واهمة.. مع الايام ومع الآلام نحن مستمرون ونحن أهل الايمان والثقة بوعد الله بالنصر.. ما نقوم به هو الحد الادنى كجزء من خطة متابعة المعركة.. نعلم ان المعركة قد تكون طويلة والخيارات مفتوحة امامنا وسنواجه اي احتمال..”.
وهذا الشكل من الحروب التي تريدها المقاومة يعتمد بشكل أساسي على قدراتها المقتدرة بفضل الاعتماد على الله اولا، ومن ثم على النفس وعلى دعم الاصدقاء وعلى رأسهم الجمهورية الاسلامية الايرانية التي كانت وستبقى السند والعضد القوي والجبل المساند لكل حركات المقاومة في المنطقة ومن ضمنها حزب الله، وبالتالي ستبوء بالفشل كل محاولات الفتن التي يسعى إليها الأميركي والإسرائيلي ومن يتلطى خلفهما من أنظمة ودول غربية واخرى عربية وإقليمية متواطئة على المقاومة وفلسطين، لان العلاقات بين اطراف جبهة المقاومة أقوى وأمتن بكثير مما يعتقد البعض، فهذا العلاقات معمدة بالدم، شيدتها الصداقة الصادقة والانتصارات وعامودها الفقري نصرة الحق ومجابهة الباطل ونقطة الارتكاز فيه فلسطين والقدس.
ولكل من يحاول ضرب “أسفين” بين مكونات جبهة المقاومة، أنتم واهمون، لان العلاقة بينهم ليست علاقات تبعية ورئيس ومرؤوس (كما هي الحال بين اميركا وأذنابها)، إنما هي علاقة بين سادة فيما بينهم، وكما كرر سابقا الشهيد القائد السيد نصر الله “نحن سادة عند الولي الفقيه”، وما على جمهور المقاومة إلا الثبات والوقوف بحزم خلف قيادتها بكل ما تقرره في الرد على العدو ومساندة غزة والدفاع عن لبنان ونبذ كل محاولات بث الاشاعات والفتن والتعاطي بواقعية مع كل الأمور وإعطاء القيادة الوقت الكافي والركون الى قدرات مقاومتنا وسواعد مجاهدينا لرؤية النصر المؤزر.. وكما قال الشهيد القائد السيد نصر الله “نحن لا نهزم، إننا على مشارف عظيم ولا يجوز ان ننهزم بسقوط قائد عظيم من قادتنا بل يجب ان نحمل دمه ورايته وأهدافه نمضي الى الأمام بعزم راسخ وإرادة وإيمان وعشق للقاء الله”.
المصدر: موقع المنار