نص الخطبة
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
التعامل الانساني الرحيم هو الاسلوب الذي اتبعه الرسول (ص) مع الجميع وليس مع ابنائه وزوجاته فقط فهو كان يعامل الجميع برحمة ومحبة وعطف ورأفة وعدل . كانت رحمته تتسع للجميع لاصحابه ولعموم الناس القريبين والبعيدين ، بل إن رحمته وانسانيته شملت حتى اعدائه الذين قاتلوه وحاربوه وآذوه وحاصروه وضيقوا عليه وهجروه من بلده ووطنه، وعقدوا التحالفات ضده.
انسانية رسول الله(ص) برزت في تعامله مع كل هذه الشرائح، وكانت هي الصفة التي لازمته في الحرب والسلم ، وفي الحياة الزوجية، ومع الأهل والأصحاب ، وفي الادارة والرئاسة والسياسة والحكم .
لقد حاولت بعض وسائل الاعلام الغربية وتحت شعار حرية الرأي والتعبير النيل من شخصية الرسول (ص) من خلال بعض الكتابات والافلام والأعمال والرسوم المسيئة التي تضمنت الكثير من الافتراءات الاكاذيب والتهم الباطلة لنبينا(ص) فقد وصفته بعض الكتابات بأنه رجل حرب وقتل وأنه عنيف, قاسي القلب وغليظ ، وان دينه دين العنف والحرب والقتل.
وهناك بعض القنوات الفضائية المتخصصة ببث الاكاذيب والتهم الباطلة والافتراءات بحق نبينا بهدف تشويه صورته المشرقة ، لكن هذه المحاولات فشلت في الماضي وستفشل في الحاضر والمستقبل ولن تستطيع النيل من هذه الشخصية
العظيمة التي هي في قمة الانسانية والرحمة, بل هي الرحمة بعينها.. طبيعته رحمة وماهيته رحمة وذاته رحمة ، هو عين الرحمة وجوهر الرحمة, وهو الذي استمد الرحمة من الله التي وسعت رحمته كل شيء ( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين).
كان النبي إنسانياً مع أولاده وزوجاته كما ذكرنا في الاسبوع الماضي وكان إنسانيا ورحيما مع أصحابه, فقد كان(ص) يحب أصحابه ويبدأهم بالسلام ويكنيهم ويدعوهم بأحب الأسماء إليهم، بل كان يقف لخدمتهم ويجهد نفسه لراحتهم.
يقول أنس بن مالك: كان رسول الله (ص) يسقي أصحابه، فقالوا: يا رسول الله: لو شربت؟ قال: ساقي القومي أخرهم شربا”.
وقد حطم النبي كل معالم التمايز بينه وبين أصحابه وبينه وبين الناس، وأزال كل الفوارق ولم يكن بينه وبين الناس حاجزا او حجاباً.
فقد دخل عليه (ص) رجل غريب فلما رأى النبي(ص) أصابته رعدة وبدأ يرتجف من هيبته، فاستدناه النبي(ص) وربت على كتفه في حنان وقال له: هوّن عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.
وفي موقف آخر نرى النبي(ص) يشارك أصحابه بعض الاعمال ولا يميز نفسه عنهم فيجمع الحطب معهم في بعض أسفاره، ليستوقدوا ناراً تنضج لهم الطعام، ويرفض أن يتميز عليهم.
وأما انسانيته مع سائر الناس: فكما كان رحيماً بأصحابه كان رحيما بالناس , كان أرأف الناس بالناس, وأشفق الناس على الناس, كانت رحمته عامة لجميع الناس (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء 107 فكان (ص)الرحمة المهداة إلى الخلق كلهم .
وكان يحث أصحابه والمسلمين على التزام الرحمة في تعاملهم مع الآخرين فقال لهم:ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
و قال (ص): لا يرحم الله من لا يرحم الناس .
وكلمة الناس هنا تشمل كل أحد من الناس ، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم أو لونهم, وجاءت النصوص في باب الرحمة مطلقة لتدل على انها مطلوبة مع كل الناس، فدين الإسلام دين السماحة والرحمة يسع الناس كلهم ويغمرهم بالرحمة والإحسان
وبيّن النبي(ص) أيضاً أن الرحمة بالوالدين مطلوبة حتى عندما يريد الانسان التوجه للقيام بواجبه الجهادي, فقد أسرع رجل إلى رسول الله ص) وهو يطير من الفرح ليبايع النبي ص)على الهجرة معه، وعلى الجهاد في سبيل الله تحت رايته، وهو يقول له: ” يا رسول الله جئت أبايعك على الهجرة والجهاد، وتركت أبواي يبكيان ” فيقول له (ص): ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما.
كما أن بعض الناس قد تدفعهم ضرورات العيش إلى الدين، ثم يعجزون عن السداد، فيعانون بسبب الديون الهمّ والذلّ ، بعض هؤلاء كانوا يأتون الى النبي ص) والنبي لا يملك أن يقول للدائن: تنازل عن حقك، فمحمد ص) خير من يصون الحقوق، لكنه كان يحث الدائن على الصبر على المدين حتى يفرج الله عليه، فيقول: من أنظر معسراً ، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
وقال: من أراد أن تستجاب دعوته، وأن تكشف كربته، فليفرج عن معسر.
كان(ص) من موقع انسانيته ورحمته بالناس, يسأل بنفسه عن حاجات الناس ويهتم بشؤونهم, كان يقول(ص): “لأن أمشي مع أخ في حاجته أحب إلي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهراً.
وسئل ص): يا رسول الله أي الناس أحبهم إلى الله ؟ قال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس.
وقال (ص): إن لله خلقاً خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله.
لم تكن شفقته بأصحابه والناس وحبه لهم يمنعه من تصحيح الخطأ اذا اخطأوا وإقامة الحق وتنفيذ القصاص العادل معهم، كان (ص) الرجل المتوازن في انسانيته يضبط مشاعره وعواطفه بالعقل والحق.
وتجسدت انسانيته تجاه كل من أحسن إليه أو عملَ معروفاً معه، أو وقفَ موقفاً إيجابياً تجاه الإسلام والمسلمين, حتى لو كان من أتباع الديانات الأخرى ولم يكن من المسلمين, فقد روي أنه لما أتى جبرائيلُ إلى رسول الله (ص) بنعي النجاشي وموته، بكى النبي(ص) عليه وقال: إن أخاكم أَصحَمَة (وهو اسمُ النجاشي) مات، ثم خرج إلى الجبانة وكبر سبعاً، فَخَفَضَ له كلُ مُرتَفَعٍ حتى رأى جنازتَه وهو بالحبشة.
لقد تجلت انسانية رسول الله ورحمته وسماحته وحسن اخلاقه ومعشره مع غير المسلمين في العديد من المواقف ..
فقد كان يدعو لغير المسلمين بالهداية حتى لأولئك الذين خاصموه وآذوه فكان يقول: اللهم اهدي قومي فانهم لا يعلمون.
وقدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه فقالوا : يا رسول الله إن دوسا (قبيلة)قد كفرت وأبت, فادع الله عليها ، فقيل : هلكت دوس – ظنا بأن النبي (ص) إنما رفع يديه للدعاء عليها – فقال (ص): ( اللهم اهد دوسا وائت بهم) .
وجاء الأنصار إلى رسول الله (ص)فقالوا : يا رسول الله ادع الله على ثقيف فقال رسول الله (ص): ( اللهم اهد ثقيفا ) ، قالوا يا رسول الله ادع عليهم فقال : ( اللهم اهد ثقيفا ) ، فعادوا فعاد, فأسلموا, وكان منهم رجال وقادة .
ومن صور الدعاء ما كان من اليهود حيث كانوا يتعاطسون عند النبي (ص)رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله, فلم يحرمهم من الدعوة بالهداية والصلاح، فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم .
وكان يعود مرضى غير المسلمين , فقد روي أن يهوديا كان يخدم النبي (ص) فمرض فأتاه النبي يعوده فقال : ( أسلم ) فأسلم .
وكان يتعامل مع غير المسلمين في البيع والشراء والأخذ والعطاء ، روي أن النبي (ص)توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير .
وكان (ص)يأمر بصلة القريب وإن كان غير مسلم, فقد قال لأسماء بنت أبي بكر: صلي أمك .
وفي المدينة حيث تأسس المجتمع الإسلامي الأول عاش المسلمون مع اليهود وفق قواعد العهد الموقع بينهم وبين المسلمين, وكان (ص) يعاملهم بالرفق والحلم والسماحة حتى نقضوا العهد وخانوا رسول الله (ص)، أما من يعيشون بين المسلمين ويحترمون قيمهم ومجتمعهم فلهم المعاملة الحسنة والاحترام وكامل الحقوق ، فقد ضمن (ص) لمن عاش بين المسلمين من المعاهدين حقوقهم فقال (ص): ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة.
لكن هذا لا يعني أن نأخذ منهم عاداتهم وتسيطر على حياتنا وسلوكنا بعض ما يمارسونه في أعيادهم ومناسباتهم كمناسبة الميلاد ورأس السنة حيث نجد بعض
المسلمين يمارسون نفس العادات والمظاهر التي يمارسها غير المسلمين في أعيادهم وهذا غير صحيح فالمسلمون والمؤمنون لهم هويتهم وأخلاقهم وسلوكهم وعاداتهم ومناسباتهم الخاصة وهم وأن كانوا يشاركون غير المسلمين أفراحهم الا أنه لا ينبغي يأخذوا نفس عاداتهم ويمارسوا نفس طريقتهم لأن هناك عادات وتقاليد لا تنسجم مع قيمنا وسلوكنا.
لقد اكتمل الانتصار في حلب مع خروج آخر مسلح ارهابي منها، وسقطت مع استعادة حلب إلى احضان الدولة السورية الكثير من المشاريع والأوهام الدولية والأقليمية ودخلت الأزمة افي مرحلة جديدة ، وسارعت بعض الدول الأقليمية كتركيا إلى اعادة النظر في مواقفها وحساباتها .
إن ما دفع بالاتراك إلى طلب التسوية في حلب والعمل عل انجاحها هو الانجازات الميدانية التي حققها الجيش السوري في حلب والتصدي البطولي لكل المحاولات التي جرت لكسر الحصار، والهزائم التي منيت بها الجماعات المسلحة الارهابية على أكثر من جبهة في سوريا..
لقد فشلت كل محاولات التشويش الدولية أيضاً على الانجاز الذي تحقق في حلب، حيث كانت بعض الدول الغربية كفرنسا وبريطانيا يحاولون اصدار شيء من مجلس الأمن من أجل تكبيل القوات السورية وحلفائها في حلب من جهة، ورفع معنويات المجموعات المسلحة التي انهارت بسرعة من جهة ثانية إلا أن كل ذلك فشل، وستفشل كل الرهانات المعقودة على المسلحين الارهابيين في المناطق الأخرى في المستقبل القريب إن شاء الله حيث لا خيار أمام المسلحين في سوريا سوى التسليم ورمي السلاح، أو مواجهة الموت.
المصدر: خاص