يزداد المشهد السياسي الفرنسي تعقيداً، قبل أيام على انتخابات تشريعية مبكرة، قد تضع حداً لمشروع الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون السياسي لصالح اليمين الذي يواصل صعوده في هذا البلد الأوروبي، الذي تتقاذفه العديد من المشكلات الإقتصادية والإجتماعية.
وما رفع منسوب التوترات السياسية في فرنسا، ما أقدم عليه ماكرون خلال الأيام الماضية من حل للبرلمان الفرنسي، وبالتالي الدعوة إلى انتخابات مبكرة، بعد فشل فريقه في الانتخابات الأوروبية.
وتتواجه الكتل السياسية الرئيسية الثلاث المنخرطة في معركة الانتخابات التشريعية في فرنسا في مناظرة تلفزيونية الثلاثاء، فيما يتصدر اليمين المتطرف استطلاعات الرأي ويحذر الرئيس الفرنسي من خطر “حرب أهلية” في حال فوز خصومه.
في لقاء مع موقع المنار الالكتروني، تحدث الكاتب والباحث في الشأن الفرنسي د. عدنان عزام، عن تكوّن النظام السياسي الفرنسي منذ الثورة الفرنسية عام 1798، وما شهدته من اضطرابات سياسية واجتماعية وتغيير النظام الملكي، وأيضاً إلغاء دور الكنيسة الذي كان سائداً في أوروبا حينها.
وأوضح الباحث عزام دور عائلة روتشيلد الداعم الأساسي والأول لفكرة الصهيونية، هذه العائلة الأكثر ثراءاً في العالم، التي يقول عنها الباحث في الشأن الفرنسي أنها صاحبة الدور الأساسي في مجريات وأحداث الثورة الفرنسية. وشرح بشكل موسع الظروف السياسية والاجتماعية و تعاقُب الرؤساء الفرنسيين في العقود الأخيرة منذ فترة الرئيس فرانسوا ميتران، وصولاً إلى ماكرون الذي حلَّ البرلمان الفرنسي خوفاً على مصيره السياسي، إثر صعود اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي.
كما يوضّح عزام في حديثه احتمالات ذهاب الأمور في المشهد السياسي في فرنسا، خاصة في ظل ما يعتبر انتهاء عهد ماكرون الأقل شعبية بين رؤساء بلاده.
ويشير الكاتب عدنان عزام إلى أهم الأحداث والأسباب فرضت التغيّر التدريجي في شكل التعاطي عند الشعب الفرنسي مع القضايا العالمية وأهمها تجاه الشرق الأوسط، وعلى رأس القائمة القضية الفلسطينية.
في الحديث عن ماكرون وشعبيته المتدهورة، تطرق الباحث في الشأن الفرنسي عن أهم الأسباب التي تقلل من حظوظه في فترة رئاسية جديدة، وما جعل فترته الرئاسية هي الأكثر اضطراباً بين من قادوا فرنسا، منوهاً إلى أن من أهم الأسباب، هو الانحلال الأخلاقي في المجتمع الفرنسي الذي ترفضه فئة كبيرة من شرائحه.
وليس من الواضح، ما إن كان لماكرون دور في مستقبل فرنسا، بعد انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة، فقد أحدثت الأحداث المستجدة بعد معركة طوفان الأقصى تغيراً على المواقف الشعبية العالمية، وبالتالي ستدور معركة فكرية طاحنة في دهاليز السياسة بين وعي الشعوب المتصاعد منذ 9 أشهر، وصناع السياسيات العالية المحكومة بالنظم والأساليب الصهيونية.
ويلتقي رئيس الحكومة غابريال أتال ممثِّلاً الغالبية الرئاسية، وجوردان بارديلا رئيس التجمّع الوطني (يمين متطرّف) ومنسّق حزب فرنسا الأبية مانويل بومبار ممثلاً الكتلة اليسارية، عند التاسعة مساء (19,00 بتوقيت غرينتش) في حدث تلفزيوني هو الأول خلال الموسم الانتخابي الحالي، وذلك في سياق حملة انتخابية مشحونة ومتوترة.
والسؤال هو ما سيكون تأثير المناظرة التي تُنقل في “وقت الذروة” على جوردان بارديلا. فبعد نجاحه في الانتخابات الأوروبية، يهيمن حزب التجمّع الوطني على استطلاعات الرأي التي تسبق الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية، بحصوله على نسبة 36 في المئة من نوايا التصويت وفقاً لمعهد Ifop، وبالتالي، يمكنه أن يطمح في الوصول إلى السلطة، الأمر الذي سيشكّل حدثاً تاريخياً.
ويتقدّم هذا الحزب اليميني المتطرّف على ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري (29,5 في المئة) والمعسكر الرئاسي (20,5 في المئة). وحتّى الآن، لا يبدو أنّ شيئاً يعرقل الديناميكية التي قد توصله إلى مقر رئاسة الوزراء في ماتينيون، رغم غموض موقفه بشأن الإلغاء المحتمل لقانون التقاعد ورفضه المعلن لتولي منصب رئاسة الحكومة في حال لم يحصل على الأغلبية المطلقة في نهاية الجولة الثانية التي ستجري في السابع من تموز/يوليو.
على جهة المعسكر الرئاسي، يقوم إيمانويل ماكرون الذي يتعرّض لانتقادات من مختلف الأطراف بسبب حلّ الجمعية الوطنية، بمضاعفة تصريحاته رغم تحذيرات حلفائه وانخفاض شعبيته. ويبدو معسكره الأضعف بين الكتل الثلاث المتنافسة، حتى في حال تحالفه مع الجمهوريين (يمين) المعارضين لحزب التجمّع الوطني (7 إلى 10 في المئة).
وقال الرئيس الفرنسي في بودكاست بُثّ الإثنين إنّ برامج “المتطرّفين” تقود “إلى حرب أهلية”. وأضاف أنّ اليمين المتطرّف “يشير إلى الناس بناء على ديانتهم أو أصلهم (المكان الذي يتحدّرون منه)”، مضيفاً أنّه “يقسّم” و”يدفع نحو حرب أهلية”، بينما يقترح حزب فرنسا الأبية “شكلاً من أشكال الطائفية… وهذه أيضاً الحرب الأهلية”. وبذلك، يتّبع ماكرون استراتيجية التهويل.
ورداً على هذه التصريحات، قالت مارين لوبن “لقد فعل ذلك بنا خلال كلّ الحملات الانتخابية”. من جهته، وصف حليفها إيريك سيوتي (يمين) ذلك بأنه “استراتيجية الخوف”، بينما اتهمه جان لوك ميلانشون زعيم حزب فرنسا الأبية بأنّه “موجود دائماً لإشعال النار”.
المصدر: موقع المنار