هو النصر القادم من الشمال. هي فرحة المستضعفين في كل أصقاع الأرض. هي تجلي السنة الالهية التي لا لبس فيها: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”.
داست أقدام المقاومة في غزة على جبروت العدو مجدداً، بعدما داست عليه كثيراً وكثيراً. لكن لحدث الأمس المتمثل بإعلان المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة (الجناح العسكري لحركة حماس) “تنفيذ عملية مركبة عصر السبت شمال القطاع، تمثلت باستدراج قوة صهيونية لأحد الأنفاق بمخيم جباليا، وايقاع أفرادها بين قتيل وأسير وجريح”، مؤكداً الاستمرار في “تلقين الاحتلال الدروس في محاور القتال”، لهذا الحدث دلالات كبرى وصلت للعدو والصديق، أبرزها أن ما يروّج له العدو من نصر محقق أو انجاز ما (خصوصاً في الشمال الذي حرص الاحتلال على تهجير أهله) أو ما يمكن أن يعكسه حجم الدمار الهائل في القطاع لكل أشكال الحياة بعد قرابة الثمانية أشهر على بدء العدوان، هو محض وهم.
من يحق له الحديث عن “نصر” بعد كل هذه الشهور هي المقاومة فقط. هي التي بعد كل هذه الشهور لا تزال قادرة على إعادة العدو إلى نقطة الصفر. لا تزال من حيث زعم أنه قضى عليها وأنشأ “منطقة أمنية” آمنه لمستوطنيه لاقناعهم بإمكانية العودة إلى الغلاف الذي أحالته عملية “طوفان الأقصى” كابوساً لن يفارقهم، لا تزال تمتلك زمام الميدان إلى حد يجعلها قادرة على استدراج العدو وقتل جنوده وأسرهم في عمل محكم، والاعلان عنه مساءً بكل حرفية. وفي هذا اثبات على تماسك سلم القيادة لدى المقاومة والترابط بين كافة عناصرها تنظيمياً.
هذا ويبدو أنه حتى قبل هذا الانجاز العظيم في جباليا التي شهد العدو فيها منذ أسابيع أهوالاً كثيرة، أدرك الأخير أنه لا بد من بدء الاقرار بالهزيمة والفشل والذهاب إلى طاولة المفاوضات، فالأسرى لن يعودوا إلا إذا أرادت المقاومة، وهذا مقترن بشروطها الثابتة عليها منذ بدء مسار المحادثات.
وانطلاقاً من ذلك، نقلت “القناة 12 ” الإسرائيلية عن مسؤول بارز في الكيان قوله إن “هدف المباحثات الجديدة وضع أسس لعرض من أجل إبرام صفقة أسرى وتهدئة مستمرة”، وهو الأمر الذي أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على رفضه حتى وقت قريب، معلناً عن نيته المضي قدماً في الحرب “حتى القضاء على حماس”.
وكانت “القناة 13” الإسرائيلية نقلت عن مسؤولين “استعداد “إسرائيل” لبحث إمكانية التوصل إلى هدوء مستمر في غزة ضمن إطار مباحثات صفقة التبادل”، في حين نقل موقع أكسيوس عن مسؤول لدى العدو أنه “تقرر استئناف المفاوضات خلال الأسبوع المقبل، على أساس مقترحات جديدة، وذلك بقيادة الوسطاء المصريين والقطريين وبمشاركة فعالة من الولايات المتحدة”.
هذا وأكد زعيم ما يُسمى المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد أن “ما يهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمقربين منه هو البقاء السياسي وإحداث الفوضى في “إسرائيل””. وكان لبيد قد دعا مرارا إلى صفقة تبادل أسرى فورية وانتقد بشدة نتنياهو.
يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه إذاعة جيش الاحتلال ” إصابة نجل وزير الإسكان الإسرائيلي الأسبق آفي إيتام بقطاع غزة”، و”إصابة المقدم في الجيش إيتمار إيتام بجروح متوسطة خلال اشتباك في جباليا أمس”.
آلاف المستوطنين يتظاهرون
وتظاهر حشد كبير من المستوطنين الإسرائيليين في تل أبيب، للمطالبة بعودة الاسرى في قطاع غزة. وفرّقت شرطة الاحتلال الإسرائيلية مظاهرة وسط تل أبيب، تطالب بعقد صفقة تبادل، وإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو.
وشهدت مدن “تل أبيب” والقدس المحتلة وقيساريا مظاهرات للمطالبة بإقالة حكومة بنيامين نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة وعقد صفقة تبادل للأسرى.
وطالبت عائلات الاسرى الإسرائيليين، حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوقف الحرب في قطاع غزة، تمهيدًا لتنفيذ صفقة لتبادل الأسرى مع حماس، واتهمت حكومة نتنياهو بالتخلي عن ذويهم الذين اسرتهم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي. وتخشى عائلات الأسرى من مقتل ذويهم بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
تطورات العدوان
وتواصل قوات الاحتلال في اليوم الـ 232 للحرب، ما تتقنه جيداً. إذ استهدفت غاراتها أرجاء متفرقة من القطاع، مستهدفة منازل وتجمعات النازحين وشوارع، موقعة عشرات الشهداء والجرحى.
كما واصلت اجتياحها البري لأحياء واسعة في رفح وجباليا وأجزاء أخرى من شمال غزة الذي خرجت مستشفياته عن الخدمة وسط قصف جوي ومدفعي وارتكاب مجازر مروعة.
وفي السياق، أصيب مواطنون جراء قصف مدفعي للعدو استهدف بلدة عبسان الكبيرة شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وأصيب مواطنون في استهداف طائرات الاحتلال شقة سكنية في برج الإيمان بالنصيرات وسط القطاع، سبقه قصف الاحتلال منزل عائلة “النواس” في مخيم 1 وسط مخيم النصيرات.
وقصفت مدفعية الاحتلال بكثافة مناطق متفرقة، في مدينة رفح جنوب القطاع.
وقصفت مدفعية الاحتلال بعنف جباليا عقب إعلان الناطق باسم كتائب القسام تنفيذ العملية المركبة التي ادّت إلى أسر جنود صهاينة.
وقصفت طائرات الاحتلال بناية “عبيد للمجمدات”، مقابل مخبز الشرق الجديد في تل الزعتر شمال القطاع ودمرتها بالكامل.
من جهته، أفاد الدفاع المدني بارتقاء شهيد في رفح إثر استهداف الاحتلال منزلا لعائلة الشاعر شمال غرب المدينة، كما وإرتقى 16 شهيدا بينهم نحو 10 أطفال جراء قصف الاحتلال لمنزل بحي الدرج وسط مدينة غزة.
وأُبلغ فجر اليوم، عن شهداء وإصابات جراء قصف الاحتلال منزلاً لعائلة شابط في شارع المعامل بحي الدرج وسط مدينة غزة.
وفي جريمة ثانية، استشهد 9 مواطنين بينهم أم و5 أطفال، جراء قصف طائرات الاحتلال مسجد ومدرسة فاطمة الزهراء القرآنية الذي يؤوي نازحين بحي الدرج في مدينة غزة، فيما قصفت طائرات الاحتلال شقة سكنية في شارع اليرموك بمدينة غزة.
شاحنات مساعدات تبدأ دخول غزة عبر معبر كرم أبو سالم
من جهة ثانية، قال رئيس جمعية الهلال الأحمر المصري في محافظة شمال سيناء، خالد زايد لوكالة رويترز إن شاحنات مساعدات بدأت دخول قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم.
ومن المتوقع أن تدخل نحو 200 شاحنة مساعدات، منها 4 شاحنات وقود إلى غزة اليوم الأحد.
شبح المجاعة يعود إلى شمال قطاع غزة
ومع اشتداد الحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال على شمال قطاع غزة وعدم دخول المساعدات الإنسانية لأكثر من 20 يوماً ، يعود شبح المجاعة ليخيم على أهالي شمال القطاع، بعدما عانوا منه خلال الأشهر الأولى من العدوان الصهيوني المستمر.
وعاد شبح المجاعة إلى محافظتي غزة والشمال من جديد.. المحال التجارية أغلقت أبوابها لعدم إدخال أي نوع من البضائع منذ نحو شهر لا سيما بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح وإقفاله بشكل كامل.
وفي سوق المختار في محافظة غزة، يندر وجود المواد الغذائية، السوق عبارة عن بسطات صغيرة وضعها الباعة فوق ركام الأسواق المدمرة، لكنها تخلو من أيٍّ من أنواع الخضروات والفواكه واللحو، أماّ ما يتوفر من مواد ومعظمها معلبات فلا قدرة للأهالي على شرائها بسبب الارتفاع الكبير في الاسعار.
في غضون ذلك، دعت سبعون منظمة حقوقية في بيان مشترك، كافة الجهات الرسمية المعنية والمنظمات الدولية والأممية المختصة إلى إعلان المجاعة رسميّاً في قطاع غزة في ظل سرعة الانتشار الحالي للمجاعة ومعدلات سوء التغذية الحاد واتساع رقعتها جغرافياً وبين جميع الفئات، خاصة بين الأطفال.
وأبرزت المنظمات الموقعة على البيان أنّ مستويات انعدام الأمن الغذائي تتفاقم بشكل مضطرد في جميع أنحاء القطاع نتيجة إصرار الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب جريمة التجويع واستخدامه كسلاح حرب، في إطار جريمتها الأشمل في الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأكد المنظات الحقوقية أنه بالرغم من إعلان سلطات الاحتلال عن فتح معبر كرم أبو سالم، إلاّ أنّ البضائع التي تدخل من خلاله غير كافية على الاطلاق، وتمنع بشكل كامل من الوصول إلى مناطق شمالي وادي غزة بما في ذلك مدينة غزة وشمالها، مشيرة إلى أنّ الميناء الاميركي العائم ليس بديلا عن فتح المعابر الحدودية التي تبقى أنجع الطرق لإدخال المساعدات، وما قُدِّمَ عبره هي مساعدات محدودة جداً كماً ونوعاً.
المصدر: موقع المنار+مواقع إخبارية