أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها: “لقد مرَّ ما يزيد عن مئتي يوم على العدوان الإرهابي الصهيوني على غزة وأهلها أمام سمع العالم وبصره وما زال العدو ماضٍ في سياسة القتل والذبح والمجازر وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء والعجز وهدم المستشفيات على رؤوس المرضى واغتيال الكوادر الطبية والصحية ودفن ضحاياها من شهداء المجازر في باحاتها بعد انتزاع أعضائها، ولم تُحرّك كل هذه الفظائع المريعة التي تَقْشَعرُّ لها الأبدان أياً من المؤسسات الدولية سوى الإبداء عن عجزها القاتل أمام مجلس الامن الدولي الذي يتلكأ في اتخاذ أي موقف جاد لوضع حدّ لهذه الابادة الجماعية لسكان قطاع غزة المدنيين، كما تقتضيه مسؤولياته القانونية وفقاً للتقارير التي تُقدمها منظمات الامم المتحدة الحقوقية والانسانية التي تُثبت هذه الجرائم وتدعو مجلس الامن إلى ممارسة صلاحياته وإصدار القرار الملزم بوقف هذه الجرائم التي صبغت صفحة وتاريخ هذا العصر للحضارة الغربية والنظام الدولي بلونها الأسود القاتم والإرهاب الدولي المُنظّم المرعي من أنظمته وبتوجيهاته وإشرافه، فأثبتوا زيف ادعاءاتهم وديموقراطياتهم وحماية الأمن والسلم الدوليين وزيف شعاراتهم بحماية حقوق الانسان وحرية الشعوب في الدفاع عن حقّها للحصول على استقلالها وكرامتها”.
اضاف: “لقد أسقط طوفان الاقصى القناع عن وجه الغرب وكشف الغطاء عن وجهه الحقيقي الاسود المستتر وراء هذه الشعارات الرنانة التي خدع بها العالم وأظهره على صورته الحقيقية، وأثبت أن لا مكان للعدالة المدعاة في قاموسه ليكون مرجعاً صالحاً يُستند اليه لتحقيق العدالة الدولية كما يدّعي وتحقيق الامن والسلم الدوليين، وانه ليس إلا كالعاهرة التي تخفي حقيقتها وراء جمالها الظاهري المصطنع تغري به صيدها المخدوع لتوقع به، أو الحية الرقطاء لينٌ مَسُّها قاتلٌ سُمُّها. كما أثبت أن لا سبيل أمام الشعوب المظلومة لتحصيل الحقوق المسلوبة والكرامة المنتهكة وردع العدوان في هذا العالم الظالم والتحرّر سوى الاعتماد على نفسها بعد الله وإرادة التحرّر والاستعداد للتضحية وهو ما يقوم به الشعب الفلسطيني في غزة وقوى المقاومة في المنطقة لتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد أن استكانت شعوبنا – عهوداً من الزمن طالت – استكانت لمنطق الضعف والخنوع واستسلمت لإرادة القوى الغاشمة واعتمدت منطقها وموازينها ومرجعيات مؤسساتها السياسية والقانونية وهمَّشت دورها التاريخي عن صنع الاحداث والمشاركة في صناعة المستقبل كخير أمة أخرجت للناس لتكون النموذج في إخراج الناس من ظلمات الجهالة والتخلف ولتكون الرائدة في رفع لواء الحرية والعدالة”.
وقال: “لقد كان من نتائج هذا التخلي عن هذا الدور الرسالي تخلية الساحة لقوى جديدة تحكم العالم بقيم جاهلية ظلامية قديمة مستعادة، بصورة تبدو مبتكرة وجديدة معادية للقيم المعنوية والإنسانية فارتكبت خطأ جسيماً بحقّ نفسها حيث استبدلت دورها الرائد في صناعة عالم قائم على تطبيق العدالة الاجتماعية والسلام والامن والقيم المعنوية وبحقّ البشرية التي غرقت في بحر من الصراعات والحروب وفقدت السكينة والامن، وهي الآن على حافة الهاوية من خطر الانزلاق في حرب عالمية ثالثة وعلى الاقل من السقوط الأخلاقي والقيمي والتفكك الاجتماعي الذي تدفع اليه الطموحات المجنونة في التفرّد بالاستمتاع بثروات العالم واختصار البشرية بأقلية لا تتجاوز المليار واعتبارها البشرية مجرد أصفار لا قيمة لها يمكن التخلّص منها بدون أي شعور بالذنب”.
واشار الى “انّ الصهيونية العالمية تُمثّل هذه الثقافة الخطيرة وهي ليست سوى تطبيق لهذا الاتجاه الذي يُعبّر عنها بهذه القساوة والوحشية والفظاظة في السلوك، وهي ليست تعبيراً دينياً معيّناً وإنما وجدوا في اليهود التلموديين ما ينسجم ويتوافق مع هذا الاتجاه الثقافي فوجدوا فيه الوسيلة الامثل لتحقيق هذا الهدف، اتجاه مُتمحّض في المادية يسعى لامتلاك القوة التي تحقّق لهه النفوذ والسيطرة والهيمنة ولا مانع لديه من استخدام أي وسيلة طالما انه يُحقّق له هذا الهدف لأنه السقف القيمي الأعلى الذي لا يخضع لأي سقف أخلاقي . وبالتالي لا مانع لديها من استخدام أي وسيلة مهما كان وصفها الأخلاقي لدى سُلّم القيم الاخلاقية لأنه لا محلّ له في الاعتبار القيمي الذي يستندون اليه وانما طبقا للقاعدة الفلسفية (الغاية تبرر الوسيلة) تبعاً لمشروعية الغاية في نظره، استناداً إلى مبدأ حق القوة التي تخالف المبدأ الأخلاقي الذي لا يُقرّ هذه القاعدة ولا يرى أي مشروعية لها، فإن مشروعية الوسيلة الاخلاقية لا تستمد من مشروعية الهدف بل إن مشروعيتها الاخلاقية لا بد أن تكون ذاتية”.
وقال: “إذاً، لقد أسقط طوفان الاقصى القناع المُزيّف الذي أختبأ خلفه الغرب وكشف عن الوجه الحقيقي للحضارة الغربية الكالح والمزيف الذي هو في واقعه نتاج الصهيونية العالمية، وان الاحتكام اليه والى مؤسساته الدولية لتحصيل الحقوق احتكامٌ إلى الخصم فهو الخصم والحكم، ولذلك فلا بدّ من الاعتماد على الذات في تكوين القوة الذاتية المبنية على القيم التي ننتمي إليها وتُعبّر عن شخصيتنا التاريخية والحضارية الرسالية التي كانت الأساس لتكون الأمة الإسلامية، وهي التي تستند إليها المقاومة اليوم وبيئتها في تعبيرها البطولي بل الاسطوري في الصبر والصمود والتضحية والقدرة على المواجهة في ظروف بلغت الحد الأقصى من اختلال التوازن في القوى إلى جانب الحصار والتجويع والتجزير والقتل الوحشي على الرغم من قلة الناصر وحرص الإعلام المعادي في الفَتّ من العضد أن يجد فرداً واحداً يُعبّر ولو ألماً عن معارضته للمقاومة ونهجها في مواجهة العدو، أو أن يُحمّلها كما يريد العدو مسؤولية ما يجري من كوارث إنسانية ومأسٍ على هذا الشعب الحي مُكرراً تجربة البيئة الحاضنة للمقاومة في لبنان من العدوان الذي شَنّه العدو على لبنان والدمار الذي أحدثه في البنية التحتية لمناطقها، والاعلام المعادي يبحث عن صوت واحد يُعبّر عن سخطه من المقاومة عبثاً، وكما هي البيئة اليوم التي تتعرّض في بعض مناطقها في جنوب لبنان بل ان مظاهر التأييد والتسديد للمقاومة واضحٌ للعيان وهو ما نراه في غزة اليوم مع ظروف أقسى بل لا تقاس، كما تُعبّر عن الإيمان بالنصر وأن مقاييس النصر هي مقاييس ربانية لا تعتمد سوى التوكّل عليه والإعداد للعدو بما أمكن من القوة وأن النصر بيد الله ينصر من ينصره، والحقيقة ان الامة لم تكن يوماً الا هكذا ولكنها خدعت عن نفسها”.
وتابع: “لقد عَبَّرَ طوفان الاقصى وقوى المقاومة تعبيراً عن هذه الحقيقة وعن وحدة الامة في الدفاع عن مصالحها وخصوصاً بعد الرد الشجاع الذي قامت به الجمهورية الاسلامية وقيادتها الحكيمة وما أحدثه من تداعيات على صعيد وحدة الأمة وأهميتها في مواجهة القوى المعادية، وهو ما يدعونا اليوم إلى دعوة القوى الحية والواعية في الأمة إلى استغلال هذه الفرصة التي عَبَّرت فيها الأمة عن وحدتها الى تفكير مشترك لدرس الواقع والمشكلات التي تُشكّل نقاط الضعف فيها، والعمل على إيجاد الحلول الاستراتيجية التي تُمكّنها من تجاوز العقبات وتمنع العدو من استغلال نقاط الضعف للنيل منها، حتى لا يبقى ما تَحَقّق مجرد حالة عرضية سرعان ما تتغيّر عند تدخل الأعداء وإيجاد ظروف اخرى تُمَكّنهم من استغلالها لخلق وقائع جديدة تُسقِط ما تَحَقّق من إنجازات وتعيدنا إلى المربع الاول لاستعادة واقع التفرقة والتجزئة والفتنة المذهبية لأنقاذ المشروع الصهيوني المترنّح”.
واكد الخطيب “انّ تثبيت إنجاز الوحدة الذي تحقّق بالصبر والتضحيات والمعاناة واجب إلهي وشرعي وعقلي، فهو مبدأ قرآني يجب أن يكون السقف الذي لا يجوز تجاوزه مهما بلغ الخلاف في وجهات النظر، فلا يجوز أن تؤدي المشاريع للقوى المختلفة إلى ضرب القاعدة التي يجب أن تنطلق منها، والسقف الذي يجب أن يُظلّلها لانه سَيَسقط على الجميع ويهدم كل ما بُني، بما فيه التعاطف الذي أبدته الشعوب المختلفة مع مظلومية الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في عقر دار الغرب بما فيها المظاهرات الطلابية في جامعات الولايات المتحدة وأوروبا الذين يستحقون التحية على مشاعرهم الإنسانية وتضامنهم وتأييدهم لحق الشعب الفلسطيني وهو بداية لسيل جارف يُبنى عليه في انقلاب الصورة لصالح قضايا الشعوب المستضعفة”.
وقال: “إنّني أدعو إلى التجاوب مع هذه الدعوة التي سنعمل مع المخلصين لتحقيقها بإذن الله، وهي نفس الخلفية التي تحكم توجهنا الفكري في العمل على وحدة الساحة الداخلية في لبنان من تجاوز المذهبية والطائفية السياسية التي كانت السبب في العثرات في طريق بناء الدولة إلى بناء الدويلات الطائفية واستبدال المصلحة الوطنية بالمصالح الفئوية والمذهبية والطائفية التي تخدم مصالح زعامات طائفية وسياسية لا مصالح الطوائف والمذاهب، حيث يدفع أبناؤها الاثمان لصالح هذه الزعامات من أبنائهم وأموالهم وأمنهم واستقرارهم، وأُكرّر ان الوطن يحفظ الطوائف والمذاهب ولكن الطائفية تدفع إلى خرابها وخراب الوطن”.
واشار الى “اعداء الوطن الذين يُمْعِنون في إثارة الازمات الطائفية منعاً لوحدة اللبنانيين في إنجاز مشروع الدولة دولة المواطنة بزرع الخوف والشكّ بين الطوائف والتشكيك بين أبنائها بحجة الخوف منها لمصلحة زعامات طائفية كما ذكرت، ولمصالح خارجية للإمساك بها تحقيقاً لمآربها ومشاريعها في المنطقة لصالح تأمين العدو وهيمنته عليها، ولذلك فإن هاتين الجهتين تتعاونان في الابقاء على النظام الطائفي منعاً لتحقيق أي محاولة للإصلاح حتى على مستوى تطبيق اتفاق الطائف، ومن هنا نفهم خلفيات بعض المواقف الداخلية في الهجوم على المقاومة وعدائها لها وتناغم مواقف هذه الاطراف مع موقف العدو في الوقت الذي تَدّعي ان مصلحة لبنان في عدم دخول المقاومة في مساندة غزة وهي في الواقع تعمل على استعدائها وتسخيف إنجازاتها، أفليس هذا تدخلاً في الصراع القائم يصب في مصلحة العدو؟ بينما يُدَّعى خلاف ذلك ولا يقف الامر عند ذلك حتى يُعرقل الحوار بحجة واهية انتظاراً لحسم الصراع للاستفادة من نتائجه السياسية حيث لن يسعدهم فوز المقاومة في هذا الصراع لان أحلامهم لن تكون سعيدة، هذا ما يجب أن يتنبّه له أبناء الطوائف في لبنان ليأخذوا الموقف الذي يُحقّق لهم الامن والاستقرار وبناء دولة حقيقية ويتخلّصوا من مزارع طائفية يعاملون فيها كالفراخ. ليست السيادة إلا شعاراً مُزيّفاً يُخفون تحته الانانية والمصالح الضيقة والحقد ليترِكوا الباب مفتوحاً للعدو يمارس إرهابه وهيمنته واحتلاله دون أية عواقب”.
وقال: “يتحدّثون عن مشاكل النزوح ليُثيروا النازحين على المقاومة، أما العدوان الاسرائيلي على السكان الآمنين وبيوتهم وقراهم فلا يعني لهم شيئاً، بل يرفعون عقيرتهم على حقّ النازحين اللبنانيين من إبداء الرأي في وعد رئيس الحكومة اللبنانية لتقديم المساعدات والتعويض، مع ان هؤلاء الكرام يدفعون ثمن الدفاع عن لبنان كل لبنان فيما هم جالسون على عروشهم وفي بيوتهم الفارهة بأمن وأمان الذي يقدّمه هؤلاء من دمائهم ومعاناة نزوحهم ومن بيوتهم ومزارعهم وأعمالهم ثم يقول هؤلاء: من كلفهم ان يدافعوا عن لبنان؟ فإما هم أغبياء وإما يتغابون”.
واضاف: “نحن أبناء هذه الأرض وسندافع عنها بأظافرنا وأسناننا طالما ليس هناك من دولة تقوم بواجبها في الدفاع عنها بينما ينشغلون عن ذلك بالاستعداد للحرب ضد النازحين السوريين فما هذا التناقض؟ أنتم تدعون الى عدم مقاومة العدو الاسرائيلي ثم انتم على استعداد لخوض حرب أهلية داخلية سواء مع النازحين السوريين أو مع القوى الوطنية، يريدون إخراج السوريين ولا يريدون التعاطي مع السلطات السورية، وكم سنعد من المواقف على هذا المنوال؟ فهل هكذا تكون المواقف السياسية وهل بذلك تُبنى الأوطان؟، تقولون إنكم تريدون انتخاب رئيس للجمهورية ولا تريدون الحوار مع الاطراف السياسية، تتعاطون مع الآخرين من أبناء الوطن كأنكم وحدكم أبناء هذا الوطن وتدعون إلى العيش لوحدكم لأن الآخرين لا يشبهونكم فهل كنتم تشبهون بعضكم حين تقاتلتم؟”.
وختم:” إنّ هذه الحقائق يجب أن تدعو اللبنانيين الى معرفة الواقع وألا يبقوا أسرى الزنازين الطائفية التي يسعى أمثال هؤلاء إلى إبقائكم فيها.”
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام