لا زالت الشياطين تكمن في تفاصيل أي مقترح يقدمه العدو الاسرائيلي وحلفاؤه، على رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، إلى حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وفصائل المقاومة في قطاع غزة.
الطرف الأول يحاول المناورة بهدف تحصيل جزء بسيط ربما مما لم يتم تحصيله على مدار أربعة أشهر متواصلة تقريباً من تدمير البنية التحتية للقطاع والقصف غير المسبوق والحصار والتهجير والتوغل البري، أي بشكل أوضح يسعى بشكل أساسي إلى تحرير أسراه (هدف كان قد أعلن أنه سيحققه بالقتال)، وإرساء واقع يصب في مصلحته في قطاع غزة ما بعد الحرب، وهو أمرٌ مبالغ به لجهة تحقيقه كاملاً في ظل وجود المقاومة قوية وصامدة حتى اللحظة.
أما الطرف الثاني، أي المقاومة، فهي تعكس قوتها وصمودها الميداني رغم كل شيء، من خلال التمسك بشروطها التي تكررها على مسامع الوسطاء: أن لا تحرير للأسرى إلا بوقف لاطلاق النار، وانسحاب للاحتلال من قطاع غزة، أي رفض اعطاء العدو بشكل قاطع ورقة الامساك بالقطاع ما بعد الحرب (خط فيلادلفيا مثالاً)، وفي الوقت نفسه السعي إلى تحرير أكبر عدد من الأسرى الفلسطينيين خصوصاً ذوي المحكوميات العالية، وهو أحد أهم أهداف عملية “طوفان الأقصى”.
المقاومة تقول كلمتها
وهنا نذكر أن المقاومة تعي جيداً ادراك العدو أن التبادل بات طريقاً إلزامياً لإعادة الأسرى، لكنه، أي التبادل، ليس، بالنسبة للعدو حتى اللحظة طريقاً لإنهاء الحرب.
ومن هنا، ترفض المقاومة اتمامه دون ضمانات جدية بوقف الحرب. وفي هذا السياق، جاء ما ذكرته صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية بأن “إسرائيل تريد أن تترك لنفسها خيار استئناف الحرب بعد إتمام صفقة الرهائن، في حين تريد حماس وقفا طويل الأمد لإطلاق النار”. وايضاً ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت عن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت قوله إن “إسرائيل ستحكم قطاع غزة بعد الحرب عسكريا وليس مدنيا”، مؤكداً أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) “لن تحكم غزة بعد الحرب”، وفق زعمه.
هذه الأجواء عكستها تصريحات الطرفين، في ظل انتظار ما ستؤول إليه الرسائل المتبادلة عقب اجتماع باريس الرباعي الذي جاء بمشاركة اسرائيلية وقطرية ومصرية وأميركية.
ففي السياق، نقلت وكالة رويترز عن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، قوله إن الحركة تلقت مقترحاً من باريس لوقف إطلاق النار، وستدرسه للرد عليه.
وأضاف هنية اليوم الثلاثاء أن “أولوية الحركة هي إنهاء الهجوم العسكري الإسرائيلي، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من غزة”، مضيفاً أن “حماس منفتحة على كل الأفكار التي من شأنها أن تؤدي إلى إنهاء العدوان على غزة، وتأمين إيواء النازحين”.
كما أوضح أن الحركة منفتحة على “مناقشة أي مبادرة تقضي بإعادة الإعمار، وإنجاز عملية تبادل جدية للأسرى تضمن حرية الأسرى الفلسطينيين”.
كلام هنية جاء عقب الحديث عن عقد مجلس الحرب (الكابينيت) جلسة في وقت متأخر من مساء الاثنين لمناقشة تفاصيل ما أسماه اعلام العدو “صفقة تبادل الأسرى المقترحة”. وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن الاجتماع عقد بعد عودة رئيس الموساد ديفيد برنيع من اجتماع باريس، وبالتزامن مع وصول وفد أمني ممثلاً كيان الاحتلال، الاثنين إلى القاهرة.
موقف حركة الجهاد الإسلامي جاءت في السياق نفسه مع موقف “حماس”، إذ قال أمينها العام زياد النخالة إن المقاومة في القطاع “لن تنخرط في أي تفاهمات دون ضمان وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب الاحتلال من القطاع وحل سياسي”.
نتنياهو يكابر ولابيد يمنحه “الأمان”
في الوقت ذاته، نقلت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله إن جيشه “لن يخرج من قطاع غزة” وأن حكومته “لن تطلق سراح آلاف الإرهابيين”، على حد وصفه.
يأتي ذلك في وقت تعهد فيه زعيم ما يُسمى المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بمنح حكومة بنيامين نتنياهو “شبكة أمان” لأي صفقة من شأنها إعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة. وقال لابيد “علينا إعادة المختطفين إلى منازلهم، وإلا فسوف ينهار شيء أساسي للغاية في علاقتنا مع بعضنا البعض، في العلاقة بين الشعب ووطنه، وبالتأكيد في جوهر الثقة بين المواطنين والحكومة”.
يأتي ذلك عقب تهديد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في وقت سابق اليوم، بإسقاط الحكومة بحال التوصل إلى “صفقة سيئة لتبادل الأسرى”، وفق تعبيره.
تسريبات إعلامية عن ما أسماه البيت الأبيض “اتفاق الإطار”
وبالتوازي مع ذلك، سرّبت وسائل اعلام العدو ووسائل اعلام دولية الخطوط العريضة لـ “اتفاق الإطار” التفاوضي، بحسب وصف البيت الأبيض، والذي تمّ التوصّل إليه في باريس.
وفي التفاصيل، فقد نقلت شبكة “إن بي سي” الأميركية عن مصدر قالت إنه مطّلع على المحادثات إن “الاتفاق (المحتمل) سيشهد إطلاق سراح الرهائن الأميركيين والإسرائيليين المتبقّين على مراحل، تبدأ بالنساء، وسيترافق مع توقّف تدريجي للقتال وتوصيل للمساعدات إلى غزة، إلى جانب إطلاق الأسرى الفلسطينيين”.
أما موقع “واللا” العبري، فقال إنه جرى الاتفاق على “مخطّط من ثلاث مراحل سيتمّ تقديمه إلى حماس، سيتمّ بموجبه، في المرحلة الأولى، إطلاق سراح 35-40 محتجزاً إسرائيلياً، بما يشمل النساء وكبار السن والذين هم في حالة طبية صعبة”.
وأضاف الموقع، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين وقطريين، أن “المخطّط يشمل هدنة لمدة ستة أسابيع، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين”، مستدركاً بأنه “لم يتمّ الاتفاق على تفاصيل المرحلتين التاليتين، وجرى بحثهما بشكل عام، على أن يتمّ التفاوض بشكل منفصل بشأنهما خلال الأسبوع السادس من الهدنة”، حسب زعم الموقع.
أما هيئة البث الإسرائيلية، فقد ذكرت أن “مباحثات باريس تناولت خطة لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين على مراحل، ونقلت عن مصدر قوله إن الحاضرين في الاجتماع ناقشوا وقف إطلاق النار لمدة شهرين تقريباً مقابل إطلاق سراح نحو 100 أسير إسرائيلي، على أن تطلق “إسرائيل” سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين”، حسب قولها.
تفاؤل قطري
من جهته، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن “هناك تقدما في المفاوضات للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى”، معتبراً أنها “الفرصة الوحيدة المتاحة لتهدئة الوضع في غزة”، على حد تعبيره.
وأضاف رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري في تصريحات أدلى بها في واشنطن “أعتقد في الوقت الحالي أن بإمكاني القول إن التقدم الذي حققناه في الأسبوعين الماضيين يجعلنا في موقع أفضل مما كنا عليه قبل أسابيع”.
وأجرى رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري مباحثات مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن. وقالت الخارجية القطرية إن الطرفين استعرضا العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، وناقشا آخر التطورات في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، “وضرورة إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية واستمرار دخول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى آخر المستجدات في المنطقة وسبل خفض التصعيد”، على حد تعبير الخارجية.
المصدر: موقع المنار + مواقع إخبارية