أقر مجلس النواب اللبناني في جلسته يوم 15 كانون الاول/ديسمبر الماضي قانونا جديدا لايجار الاماكن غير السكنية(القديمة منذ قبل شهر تموز 1992)، وانطلاقا من ان القانون أثار ردود فعل متضاربة بين مؤيد ومعارض(على الرغم من درسه في اللجان النيابية المشتركة) قرر رئيس حكومة تصريف الأعمال(رئيس مجلس الوزراء) نجيب ميقاتي سحبه وإعادته الى مجلس النواب لدرسه من جديد.
وينصّ القانون “الجديد” على تحرير عقود الإيجارات غير السكنية القديمة بعد 4 سنوات من صدوره، على أن يتم رفع بدلات الايجار بشكل تدريجي خلال هذه المدة (25% من قيمة بدل المثل في السنة الأولى و50% في السنة الثانية و100% في السنتين الثالثة والرابعة)، كما ان بدل المثل يوازي 8% من قيمة المأجور، ويحق للمالك، بموجب القانون، تقصير المدة الانتقالية إلى سنتين مقابل التنازل عن الزيادات التدريجية أو استرداد المأجور قبل انتهاء المدة في حالات معينة مقابل تعويض يصل إلى 15% من القيمة البيعية للمأجور.
وخطوة ميقاتي أثارت أيضا المزيد من التساؤلات والردود المتضاربة بين مؤيد ومعارض انطلاقا من مصلحة كل فريق، كما أثارت موجة من المواقف القانونية والدستورية بين من اعتبرها خطوة سليمة قانونا وبين من اعتبرها تتضمن مخالفة للدستور اللبناني.
وكانت المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء قد قالت في بيان لها بخصوص هذا الموضوع “بعد أن أقرّ مجلس النواب في جلسته التي عُقدت يومي 14 و15 كانون الاول الجاري اربعة عشر قانونا، وبعد ان قرر مجلس الوزراء في جلسته التي عُقدت بتاريخ 19 كانون الاول الجاري اصدار تلك القوانين وكالةً عن رئيس الجمهورية، وبنتيجة المراجعات التي وردت الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والمشاورات التي قام بها، وقّع رئيس الحكومة احد عشر قانوناً فقط وأعطى توجيهاته إلى الدوائر المختصة في رئاسة مجلس الوزراء بنشرها في الجريدة الرسمية في العدد الذي سيصدر يوم الخميس المُقبل، وعدم نشر ثلاثة قوانين وهي: … ثالثاً: القانون المتعلق بتعديل قانون الايجارات للأماكن غير السكنية، وذلك ليتسنى اعادة عرض القرار المتصل بإصدارها مجدداً على أول جلسة لمجلس الوزراء للبحث في الخيارات الدستورية المُتاحة بشأنها”.
وتنص المادة 62 من الدستور اللبناني انه: “في حال خلو سدة الرئاسة لاي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”، وبالتالي خلال فترة الشغور الرئاسي كما هو حاصل اليوم في لبنان تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة الى مجلس الوزراء، بغض النظر عن الأكثرية المطلوبة لممارستها، سواء أكانت بالإجماع أم بأكثرية معينة، حيث يوجد آراء متعددة حول هذه النقطة تتداخل فيها المواقف القانونية الدستورية بالمواقف السياسية.
ففي حين يوجد رأي قانوني دستوري يعتبر خطوة ميقاتي صحيحة وبإمكانه السير بها انطلاقا من ان مجلس الوزراء يحل محل رئيس الجمهورية في هذه الفترة الاستثنائية اي مرحلة الشغور مع الاخذ بعين الاعتبار ان موقف ميقاتي تؤيده غالبية الحكومة بدون حاجة لإجماع كل الوزراء، فهذا الامر سيكون شبه مستحيل في لبنان خاصة بظل التباينات المعروفة بين بعض الاطراف الحكومية، بالمقابل هناك من يعتبر ان قرار ميقاتي جاء متسرعا ومخالفا للدستور حيث ان صلاحيات رئيس الجمهورية لا يمكن لرئيس مجلس الوزراء ممارستها وان انتقلت الى مجلس الوزراء بناء للمادة 62 من الدستور يجب ان تنتقل الى المجلس مجتمعا بكل اعضائه، كما ان هناك من يرى ان صلاحيات رئيس الجمهورية تبقى محصورة له ولا يمكن انتقالها الى غيره حتى خلال فترة الشغور الرئاسي، بينما هناك من يعتبر ان بعض الصلاحيات قابلة للانتقال دون غيرها بحسب طبيعتها.
وبالسياق، قال الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور جهاد اسماعيل في حديث لموقع قناة المنار “لا يمكن للحكومة أن ترد القوانين الى مجلس النواب لإعادة النظر فيها بناء على المادة ٦٢ من الدستور، لأنها صلاحية محفوظة لرئيس الجمهورية وحده بحكم صفته التحكيمية بالدرجة الأولى، وانطلاقاً من أن هذه الصلاحية رقابية على عمل تشريعي من المفترض أن تكون الحكومة، بالمبدأ، قد ساهمت في اقتراحه أو بلورته، بمقتضى المادة ١٨ من الدستور والمادة ٦٧ من النظام الداخلي لمجلس النواب”.
وتعليقا على إمكانية إتخاذ الحكومة قرار الرجوع عن الموافقة على إصدار القوانين وكالة، لفت اسماعيل الى أن “كل عمل يفتقر إلى توقيع مجاور يوجبه النصّ هو عمل غير صحيح، او غير مكتمل، من الناحية الحقوقية، وهذا الأمر ينطبق، تماما، على مرسوم إصدار القوانين الّذي يجب أن يشترك في التوقيع عليه رئيس الحكومة إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية أصالة أو الحكومة وكالةً خلال فترة الشغور الرئاسي”، وتابع “ما يعني أن قانون الايجارات غير السكنية على سبيل المثال لا الحصر غير نافذ ما لم تنقضِ المهلة الدستورية، أيّ مهلة ٣٠ يوما، وإن امتنع رئيس حكومة تصريف الأعمال عن التوقيع على مرسوم إصداره، لكن إمكانية الرجوع عن توقيع أو إصدار القوانين من قِبل مجلس الوزراء غير مطروحة في النص الدستوري أو الفقه الدستوري في لبنان”، واضاف “هو أمرٌ، برأينا، لا يحجب الامكانية في سحب مرسوم الإصدار عند توافر شروطه قياسا على ما استقر به الفقه الدستوري الفرنسي ، أيّ أن يكون مشوبا بعيب دستوري أو قانوني، وأن يكون المرسوم المشكو منه مكتملا من الناحية الحقوقية، وهذان شرطان غير متوافرين بصورة مبدئية، ذلك أن الموافقة الحكومية، بمعزل عن توقيع رئيس الحكومة، تعطيه صفة العمل التحضيري الّذي يصبح نهائيا او نافذا بمجرد انقضاء المهلة”.
وعن إمكانية الطعن بالمرسوم أو رد القانون، قال اسماعيل “لا يمكن الطعن بالمرسوم لأنه من الأعمال الحكومية الّتي لا تقبل الطعن أمام مجلس شورى الدولة، لإتصالها، بشكلٍ مباشر، بالعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الّتي أخرجها الاجتهاد الاداري من الرقابة القضائية”.
يبقى الاشارة ان في لبنان بواقعية تامّة، كل شي يخضع للاعتبارات والتجاذبات السياسية، فحتى إقرار القوانين وردها والطعن فيها وغيرها من الاجراءات الدستورية والقانونية كثيرا ما تتأثر بمصالح بعض الافرقاء ورغباتهم او توافقتهم السياسية التي تقدر ان المصلحة العامة توجب اصدار هذا الاجراء من عدمه، وليس دائما تصدر الاجراءات والمواقف انطلاقا من المصلحة العامة الصرفة للمواطنين او بما تفرضه القوانين والقواعد الدستورية، وخير شاهد على ذلك، ما جرى من توافق سياسي على التمديد لقائد الجيش اللبناني في نفس جلسة مجلس النواب التي تم فيها إقرار قانون الايجارات موضوع هذا البحث.
المصدر: موقع المنار