نص الخطبة:
نعزي صاحب العصر والزمان وعموم المؤمنين والمسلمين بذكرى شهادة بضعة رسول الله وروحه التي بين جنبيه سيدة نساء العالمين السيدة في فاطمة الزهراء(ع) التي تصادف في الثالث من شهر جمادى الثاني وفقا للرواية الثالثة المشهورة الواردة في تاريخ شهادتها.
هناك مجموعات من الروايات التي بينت منزلة ومكانة الزهراء(ع)، نذكر منها مجموعتين، ونبين بعض الحقائق التي دلت عليها مما يرتبط بمكانتها وموقعها في الاسلام والعقيدة:
المجموعة الاولى: هي التي تحدثت عن ان حب فاطمة يدخل الجنة، ومنها: ما روي عن الامام الباقر(ع) انه قال: لِفَاطِمَةَ(ع) وَقْفَةٌ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ رَجُلٍ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ، فَيُؤْمَرُ بِمُحِبٍّ قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ إِلَى النَّار،ِ فَتَقْرَأُ فَاطِمَةُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُحِبّاً، فَتَقُولُ إِلَهِي وَسَيِّدِي سَمَّيْتَنِي فَاطِمَةَ وَفَطَمْتَ بِي مَنْ تَوَلَّانِي وَتَوَلَّى ذُرِّيَّتِي مِنَ النَّارِ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدَقْتِ: يَا فَاطِمَةُ إِنِّي سَمَّيْتُكِ فَاطِمَةَ وَفَطَمْتُ بِكِ مَنْ أَحَبَّكِ وَتَوَلَّاكِ وَأَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَتَوَلَّاهُمْ مِنَ النَّارِ وَوَعْدِيَ الْحَقُّ وَأَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنَّمَا أَمَرْتُ بِعَبْدِي هَذَا إِلَى النَّارِ لِتَشْفَعِي فِيهِ فَأُشَفِّعَكِ وَلِيَتَبَيَّنَ لِمَلَائِكَتِي وَأَنْبِيَائِي وَرُسُلِي وَأَهْلِ الْمَوْقِفِ مَوْقِفُكِ مِنِّي وَمَكَانَتُكِ عِنْدِي، فَمَنْ قَرَأْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِناً فَخُذِي بِيَدِهِ وَأَدْخِلِيهِ الْجَنَّةَ. علل الشرائع؛ ج1 ص: 179 ح 6.
وعن الإمام الرضا (ع) عن رسول الله(ص): إن الله فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار.
وقد روي هذا المضمون في كتب اهل السنة، حيث ورد فيها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انه قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ فَاطِمَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَمَ مَنْ أَحَبِّهَا مِنَ النَّارِ.
وأخرج الحافظ الدمشقي بإسناده عن علي (رضي الله عنه) انه قال: قال رسول الله لفاطمة (رضي الله عنها): يا فاطمة تدرين لم سميت فاطمة؟
قال علي (رضي الله عنه) لم سميت؟ قال: إن الله عز وجل قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة.
هذه المجموعة من الروايات وغيرها تدلنا على عدة حقائق:
اولا: أن حب فاطمة وولايتها يوجب استحقاق الجنة، فمن أحبّها وتولاها استحق دخول الجنة، يعني يدخل الجنة من باب الإستحقاق وليس التفضل، فمثلا إذا وعد الله الإنسان الذي يقوم بالعمل الفلاني دخول الجنة وقام به، فإنه يستحق الجنة بالوعد الالهي، لان الله لا يخلف وعده، فهنا ليست المسألة مسألة تفضُّل بل هي استحقاق، كاستحقاق الذين امنوا وعملوا الصالحات مثلا لدخول الجنة طبقا للوعد الالهي بذلك في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ النساء: 122.
كذلك هنا فان من أحب فاطمة وتولاها يستحق الجنة بحسب الرواية الاولى المروية عن رسول الله(ص)،لان الرواية تقول في حب فاطمة (يَا فَاطِمَةُ إِنِّي سَمَّيْتُكِ فَاطِمَةَ وَ فَطَمْتُ بِكِ مَنْ أَحَبَّكِ وَ تَوَلَّاكِ وَ أَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَ تَوَلَّاهُمْ مِنَ النَّارِ وَوَعْدِيَ الْحَقُّ وَأَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ) فهذا معناه ان من أحب فاطمة وتولاها فان دخوله الجنة سيكون بالاستحقاق لان الله وعد بذلك، وليس بالتفضل.
ثانيا: أنّ حُب فاطمة وموالاتها هو ركن وشرط من شروط الإسلام الواقعي الأخروي ، بحيث ان من لا يتولى فاطمة وذريتها لن يقبل الله منه في الاخرة، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ آل عمران: 85 ، فحتى يكون الإنسان مسلما واقعيا ويقبل الله عمله في الاخرة لا بد ان يكون محبا لفاطمة ويتولى فاطمة وذريتها، فيأتي يوم القيامة وقد كتب بين عينيه محبا ،فتشفع له فاطمة وتدخله الجنة كما تقول الرواية: (فَمَنْ قَرَأْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِناً فَخُذِي بِيَدِهِ وَ أَدْخِلِيهِ الْجَنَّةَ).
ثالثا: ان المطلوب بحسب الرواية ليس هو حبّ فاطمة فقط، بل هو الحب والتولي، لذا قال: (مَنْ أَحَبَّكِ وَ تَوَلَّاكِ وَأَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وَتَوَلَّاهُم)..
والتولي هو الإعتقاد بكونهم أولياء الله في الأرض؛ وان الله فرض طاعتهم، فالحب وحده لا يكفي في دخول الجنة ما لم يقترن بالتولي والاقتداء بفاطمة والعمل بعملها وتجسيد قيمها واخلاقها وسلوكها في حياتنا .
المجموعة الثانية من الروايات: ما ورد عن عن الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.
وفي هذا المضمون وردت روايات كثيرة في المصادر الشيعية والسنية، منها: ” ما ورد عن النبي(ص) أنه قال: فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها.
ومنها ما روي عن الامام الصادق (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة: يا فاطمة إن الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك، قال: فأتاه ابن جريج فقال: يا أبا عبد الله حدثنا اليوم حديثا استشهره الناس، قال: وما هو؟ قال: حدثت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة: إن الله ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك، فقال (عليه السلام) نعم، إن الله ليغضب فيما تروون لعبده المؤمن ويرضى لرضاه؟ فقال: نعم، فقال (عليه السلام) فما تنكرون أن تكون ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)مؤمنة يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها؟ قال: صدقت. الله أعلم حيث يجعل رسالته.
عندما يصف النبي(ص) فاطمةَ(ع) ويجعلُ من غضبِها ورضاهَا علامةً على غضبِ اللهِ ورضاه فإنّ ذلكَ يدلُّنَا بوضوحٍ على عدة أمورٍ:
اولا: إنّ هذه المجموعة من الروايات تدل على عصمة الزهراء(ع) لإنّ غضبَ فاطمةَ ورضاهَا يدُلّانِ على الرضى والغضبِ الإلهيينِ، مِمَّا يعني أنَّ غضبَ فاطمةَ ورضاها فرعُ غضبِ اللهِ تعالى ورضاه، وهذا يكشفُ عن عصمتِها (عليها السلام)، إذ لا يكونُ الرضى والغضبُ الصادرينِ من قِبَلِ شخصٍ، رضى وغضباً إلهياً إلا حينما يكونُ هذا الشخصُ بعينِهِ معصوماً عن كلّ عيبٍ ممتنعاً عن كلِّ قبيحٍ ليكونَ رضاهُ وغضبُه في حدودِ الرضى والغضبِ الإلهيين.
ثانيا: أن رضا فاطمة هو العلة والسبب لرضا الله التام والكامل عن الانسان؛ فإذا أردتَ رضا الله فلترضى عنك فاطمة(ع)، وهذه المرتبة هي أعلى مراتب الرضا، وهي التي يعبر عنها النبي(ص) بقوله: فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها .
وفاطمة ليست امرأة معصومة فقط، بل هي تختزن في عقلها وقلبها وشخصيتها الدين كله بكل مضامينه العقيدية والتشريعية والقيمية، فاطمة يحمل قلبها ما حمله رسول الله(ع) من علم وقيم واحكام، وما ما حمله قلب علي(ع) من قيم وتشريعات، هي مستودع وخزان لدين، لذلك ورد عن الإمام العسكري(ع) : ”نحن حجج الله على الخلق، وفاطمة حجة علينا“ هي حجة على الجميع ، قولها وفعلها وسلوكها حجة على الجميع لانها مصدر للدين والقيم والاخلاق والانسانية، ولأنها كذلك فان الله يرضى لرضاها؛ لأن الدين في قلبها وعقلها، ولأن الدين في ذاتها،و لذلك يدور رضا الله مدار رضاها ”فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.
ثالثا: وجوب طاعتِها في كل ما تأمر به وتنهى عنه، لانه يصدرَ منها أيُّ أمرٍ أو نهيٍ إلا وفي ذلك رضى اللهِ عزّ وجل، فاذا أردت أن تحصل على رضى الله، فان عليك أن تطيع فاطمة وأن تجسد قيمها في حياتك وتتمثل تعاليمها واخلاقها وجهادها وحضورها في كل الميادين، في ميادين التربية والتعليم والهداية للناس، وفي ميادين الدفاع عن الحق، وفي ميادين الجهاد حيث كانت الزهراء(ع) في كل هذه الميادين تتحمل مسؤوليتها وتعلمنا كيف نتحمل مسؤولياتنا وواجباتنا.
العدوان الصهيوني المستمر على غزة لم يسفر حتى الآن سوى عن المزيد من الخسائر والاحباط في صفوف الجيش الاسرائيلي فالعدو لا يزال عاجزا وفاشلا حتى الان والمجازر والتدمير والابادة الجماعية لن تهزم المقاومة واهل غزة ولم تدفعه للتخلي عن دعم المقاومة بل زادتهم تمسكا بها وزادت المقاومة اصرارا على المواجهة والمقاومة اليوم أقوى ارادة واشد عزما على مواصلة طريقها مما كانت عليه من قبل .
العدو الاسرائيلي الاحمق لم يتعلم من تجارب التاريخ ولا من تجاربه بان القصف الوحشي للمدنيين والمجازر والعقاب الجماعي لا يمكن ان يجبر المدنيين خصوصا اذا كانوا اصحاب قضية على تغيير مواقفهم والاستسلام بل على العكس فان ذلك يدفعهم للمواجهة بقوة اكبر .
في الحرب العالمية الثانية حاول الحلفاء معاقبة المدنيين بشكل جماعي وتسببت حملة القصف التي قاموا بها للمدن الالمانية في تدمير 58 مدينة المانية وقتل مئات الالاف من المدنيين لكنها لم تنجح ولم تؤدي الى انقلاب السكان ضد هتلر بل شجعت الالمان على القتال بقوة اكبر .
الولايات المتحدة استخدمت هذ الاسلوب، اسلوب القصف المدمر ضد المدنيين مرات عديدة في حروبها، في حربها على كوريا الشمالية وفي حرب فيتنام وغيرها من الحروب لكن لم ينجح هذا الاسلوب في تحريض السكان على حكوماتهم بل زادتهم قناعة بالمواجهة.
العدو الصهيوني خلال عدوانه على لبنان في 2006 حاول من خلال تدميره للبنى التحتية والمباني السكنية وارتكابه للمجازر بحق المدنيين تأليب اللبنانيين على المقاومة ولكن كانت النتيجة ان اهلنا الاوفياء بالرغم من الدمار والمجازر ازدادوا تمسكا بالمقاومة وازدادت قوة المقاومة سياسيا وشعبيا وعسكريا واصبحت جزءا من معادلات المنطقة.
اليوم هذا الاسلوب يكرر نفسه في غزة وبالرغم من مضي شهرين وعشرة ايام على القصف الهمجي والقتل والدمار والترويع والدعم الاميريكي والغربي للعدوان، الا ان العدو لم يحقق نتائج جوهرية ولم يؤد عدوانه الى هزيمة المقاومة او تحرير الاسرى الصهاينة او تهجير اهل غزة وابعادهم عن المقاومة ولن يؤدي الى ذلك طالما ارادة المقاومة والصمود حاضرة بقوة لدى اهل غزة، وبالتالي هذا العدوان محكوم بالفشل.
اليوم ما يجري في غزة يؤكد ان الخيار الوحيد الذي يمنع العدو من تحقيق اهدافه هو المقاومة وليس المجتمع الدولي ولا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن الذي عجز حتى الان عن إصدار قرار يوقف الإبادة في غزة.
الهمجية الاسرائيلية الأمريكية لا يوقفها شيء إلا المقاومة القادرة على إلحاق الخسائر بالعدو واستنزافه وإرباكه وإفشال اهدافه.
وتجربة المقاومة في لبنان تؤكد هذه الحقيقة فان الذي فرض على العدو وقف عدوانه الوحشي في العام ٢٠٠٦ هو المقاومة وثبات مجاهديها وشعبها، والذي حمى لبنان وثرواته ومنع العدو من الاعتداء على لبنان خلال سبعة عشر سنة بعد ٢٠٠٦ هو معادلات المقاومة وحضورها في الميدان وخوف العدو من قدراتها وصواريخها.
والمقاومة التي لم تعبأ في يوم من الايام بتهديدات العدو لن تعبأ اليوم بتهديداته وحربه النفسية، وستواصل عملياتها لمساندة الشعب الفلسطيني والرد على الاعتداءات على القرى والبلدات الجنوبية، فالتهويل والتهديد لن يغير شيئا في مواقف المقاومة وتواجدها وحضورها الميداني على كل شبر من ارضنا في الجنوب، بل سيزيدها اصرارا على الحضور القوي والفاعل ومواصلة المواجهة حتى وقف العدوان على غزة.