نص الخطبة
يقول الله تعالى: [وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين] ـ آل عمران/ 146 ـ 147.
الربيون هم المجاهدون الذين وقفوا إلى جانب الأنبياء والرسل وصدقوا بهم وقاتلوا معهم، لأن كل نبي من أنبياء الله كان له اعداء وقفوا ضده وضد رسالته، والصراع بين الإيمان والكفر وبين الهدى والضلال وبين الحق والباطل هو صراع قديم وجد مع أول نبي في مواجهة أول إمام من أئمة الكفر, واستمر هذا الصراع على امتداد حركة الأنبياء, وسيستمر حتى يتسلم راية التوحيد صاحب العصر والزمان (عج) فيملأ الأرض إيماناً وقسطاً وعدلاً حتى لا تبقى أرض إلا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ولذلك هذا الصراع لا يزال قائماً, ولكن في زمن الأنبياء كان يأخذ شكلاً معيناً وفي هذه المرحلة يأخذ شكلاً آخر, وإن كان جوهر الصراع واحداً وحقيقة الصراع واحدة, فالصراع هو الصراع والمعركة هي المعركة.
اليوم أمتنا تواجه عدوا متوحشا هو العدو الصهيوني الذي احتل الأرض والمقدسات وفي مواجهة هذا العدو يقف الربيون المؤمنون المخلصون الذين استجابوا لنداء الجهاد وانخرطوا في صفوف المقاومة وتحملوا مسؤلياتهم في هذا الصراع كما تحمل الربيون الاوئل واجباتهم مع كل الأنبياء عبر التاريخ.
وهؤلاء الربيون لهم مواصفات وخصائص وميزات:
منها: أنهم عندما يتعرضون للمصائب والآلام والمحن والعذابات يقتل منهم عدد كبير يقتل قادتهم تدمر بيوتهم لقتل يحاصرون يجوعون يحرمون من الماء والكهرباء يواجهون مشكلات في الموضوع الصحي يعانون في طريق الجهاد والمقاومة لا يصابون بالوهن والعجز ولا يستسلمون وإنما يصبرون ويثبتون ويتحملون البلاءات والمصاعب والمشاق مهما كانت قاسية.
في ميادين الجهاد والمقاومة وفي ساحات المعركة يواجه المجاهدون المقاتلون التعب والاجهاد والجوع والخوف والقتل والجراح والكثير من الصعوبات والظروف القاسية، ولكنهم يصبرون ويتحملون ويثبتون لانهم اصحاب رسالة ولديهم قضية حق يقاتلون من اجلها يقاتلون لحماية دينهم او وطنهم او اهلهم وشعبهم (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا
المجتمع ايضا في زمن الحرب يواجه الكثير من المصاعب والآلام الخوف التهجير تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، الفقر الجوع الحصار الخراب الدمار انتشار الأمراض فقدان الأحبة, الأمر الذي يؤدي إلى الكثير من المآسي والنتائج السلبية والضغوط النفسية.
قد تكون قدرة الناس على تحمل هذه الظروف القاسية محدودة، يصبرون عليها إلى مدة معينة، لكن إذا طالت الحرب وانتقل الناس من أزمة إلى أزمة ، فإنها قد تضعف الإرادات، ويبدأ الناس بالتأفف من الأوضاع ويشعرون بالتعب والملل وفقدان القدرة على الصمود والثبات ، وقد يؤدي ذلك إلى الخضوع والاستسلام للعدو.
لكن القرآن الكريم يصف المقاتلين (الربيون) ومجتمع (الربيون) الذين يخوضون الحرب على خط الأنبياء بأنهم أقوياء في كل الظروف، فمهما كانت الظروف قاسية والأوضاع صعبة ، ومهما كان التضحيات التي يقدمونها على هذا الطريق كبيرة ,والآلام والمعاناة والمصائب قاسية, فإنهم لا يصابون بالضعف أو الوهن لا تشل اراداتهم ولا تضعف عزائمهم ولا يصابون بالاحباط ولا يستسلمون ، وإنما يتحملون كل ذلك ويواصلون الطريق بكل ثبات وقوة وحكمة وشجاعة وقدرة مستندين في ذلك الى ايمانهم واحقيتهم واحقية قضيتهم التي يقاتلون من اجلها.
يقول تعالى: ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين )
فهؤلاء لم يضعفوا ولم يستسلموا بالرغم من كل ما أصابهم في سبيل الله وفي طريق الجهاد والمقاومة,وانما ثبتوا وصبروا, ولذلك فإن الله أحبهم وأحاطهم برعايته ومنحهم هذا الوسام وهو الحب الإلهي الذي لا يُعطى الا للمجاهدين الذين صبروا في المواجهات وثبتوا على طريق الحق بالرغم من قسوة المعركة.
والصفة الثانية للربيون: هي أنهم دائماً يتطلعون الى رحمة الله وعفوه ويطلبون من الله المغفرة لذنوبهم وأخطائهم وهفواتهم , فالمجاهدون ليسوا معصومين , وهم بالرغم من روحيتهم العالية واستبسالهم في سبيل الله الا انهم بشر كبقية البشر قد تصدرمنهم أخطاء وهفوات ويقصرون احيانا وقد يقعون في المعصية في لحظة ضعف أو أمام ضغوط الشهوات .. ولكن الفرق بين المجاهدين وغيرهم ان المجاهدين عندما يرتكبون سيئة او معصية يعودون الى الله ويطلبون منه العفو والمغفرة لذنوبهم واسرافهم في امرهم. وعندما يقصرون في امر ما او يخطئون يبادرون الى تصحيح اخطائهم وفي ذلك يقول تعالى: (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا).
المقاومة وبيئة المقاومة أهلنا وشعبنا على طريق الربيون لم يضعفوا ولم ينكفؤا ولم يتخلو عن خيار المقاومة في كل مراحل المواجهة مع العدو الصهيوني, بل ثبتوا وصمدوا وكانوا اهل الوفاء والاباء بالرغم من كل ما واجهوه من اعتداءات ومعاناة وظروف صعبة خلال تلك المراحل.
في تموز العام1993 شن الإسرائيلي عدواناً على لبنان وصمد أهلنا وثبتوا وواجهوا العدوان وأفشلوه، وفي نيسان 1996 شن العدو حرباً جديدة على المقاومة ولبنان وصبر أهلنا وواجهوا العدوان وفرضوا على العالم أن يعترف بشرعية المقاومة وبحق لبنان في مقاومة الإحتلال..
في العام 2006 واجه لبنان عدوانا وحشيا وسقط الاف الشهداء والجرحى وحصل دمارهائل لم يشهد لبنان مثيلا له وهجر اهلنا الى خارج مناطقهم وبيوتهم ومع كل تلك الظروف القاسية ثبت أهلنا وكان المطلوب ان يبقوا خارج الجنوب ولكن بفعل اصرارهم على العودة في اليوم الذي اعلن فيه وقف اطلاق النار اسقطوا مشروع تهجيرهم من الجنوب ، وبفعل ثباتهم وصبرهم وصمودهم وإصرارهم على مواصلة طريق المقاومة استطاعوا أن ينجزوا انتصاراً تاريخياً مدوياً للبنان وللامة
واليوم اهل غزة يسيرون على نفس الخطى . فالصمود الاسطوري لاهلنا الشرفاء في غزة الذين رفضوا مغادرة القطاع وتشبثوا بارضهم رغم الدمار الهائل والمجازر وسياسة الارض المحروقة هو الذي افشل المشروع الامريكي الاسرائيلي المشترك لتهجير اهل غزة الى خارج القطاع.
اليوم وبعد مرور اكثر من عشرين يوما على العدوان لم يحقق العدو حتى الآن اي انجاز عسكري، ولم يتمكن بالرغم من كل ما ارتكبه من تدمير وحشي ومجازر مروعة من ان يمحو من الذاكرة صورة المذلة والمهانة والعجز والجبن والانكسار الذي اصاب جيشه في عملية طوفان الاقصى، ولن يستطيع ان يمحو هذه الصورة من اذهان المستوطنين والاسرائيليين مهما فعل، لان ما اصابهم سيبقى محفورا في الذاكرة الاسرئيلية كمحطة اساسية من المحطات التي سيخلدها التاريخ على طريق ازالة اسرائيل من الوجود .
اليوم العدو الصهيوني متهيب من الاجتياح البري فهم يلوحون بالعملية البرية لكنهم حتى الان لم يفعلوا لانهم خائفون من نتائج وتداعيات العملية ومن مفاجآت المقاومة واذا دخلوا برا فهم سيذهبون حتما الى الجحيم الذي اعدته المقاومة لهم.
نحن لن نترك واجبنا في نصرة غزة، ولن نتوانى عن اشغال العدو واستنزافه وتشتيت قدراته ومواجهته الى آخر الطريق، والعمليات التي تقوم بها المقاومة الإسلامية في المواجهة الدائرة مع العدو الصهيوني في الجنوب تدخل في هذا السياق، فهي للدفاع عن لبنان ولنصرة غزة ، ننتصر لغزة بدماء مجاهدينا وشهدائنا وفي الميدان، ولن تمنعنا كل التهديدات عن القيام بهذا الواجب .