كشفت الأحداث الاخيرة في حلب عن انتصارات استراتيجية وانجازات سريعة تظهر نجاح وكفاءة الخطط العسكرية وتنفيذها ، لكن الى جانب الموضوع العسكري والاستراتيجي هناك امور متعلقة بالمدنيين في حلب ظهرت بموازاة ذلك يجدر التوقف عندها ، اولاً على صعيد تصرف المدنيين في حلب، وثانيا على صعيد الاكاذيب الاعلامية والسياسية المتعلقة بهؤلاء المدنيين.
في آخر الاعداد التي ذكرها المرصد المعارض عن خروج المدنيين من شرق حلب تحدث عن أكثر من 50000 خرجوا من مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في القسم الشرقي من حلب، إلى مناطق سيطرة الجيش السوري والوحدات الكردية. ووكالة سانا اشارت امس نقلا عن مصدر في محافظة حلب إلى أن “الآلاف من العائلات المحاصرة من قبل التنظيمات الإرهابية في الأحياء الشرقية استطاعوا الخروج حيث يعمل عناصر الجيش العربي السوري على استقبالهم وتأمينهم ونقلهم إلى أماكن آمنة”.
لكن اللافت ان وسائل اعلام عديدة داعمة للفصائل المسلحة ومنها قنوات ومواقع “كبرى” توحي منذ ايام ان القصف من قبل الجيش هو ما ادى بهم الى هذا الهروب الجماعي الكبير بل تدّعي ايضا ان غارات سورية طالت مدنيين اثناء فرارهم ما ادى لمقتل العشرات وما شابه من تلك الاكاذيب. واعادتنا بالاذهان الى كذبة سابقة هي “حصار المدنيين” في شرق حلب من قبل الجيش.
من الطبيعي ان يهرب الانسان من القصف والخطر، لكن التوقف هو عند توجيه الاخبار بشكل مضلل وخاطئ ليس فقط ازاء التطورات الاخيرة التي فاجأت المسلحين وكل داعميهم وابواقهم الاعلامية بل منذ بدء معارك حلب. وساهم مسؤولون “امميون” وسياسيون غربيون في الايحاء بصورة نمطية تتعلق بمأساة المدنيين في حلب او حصارهم او قصفهم.
مما لا شك فيه ان اهالي حلب يعانون انسانيا لكن من هو سبب المعاناة؟ هو سؤال اجابت عنه العديد من التطورات والتصرفات ومنها ما حصل مؤخرا اثناء التقدم السريع للجيش وحلفائه.
هنا نذكر على سبيل المثال كلاما لافتا للناطق باسم وزارة الدفاع الروسية حيث قال : “لسنوات بقي هؤلاء السوريون في حلب كدروع بشرية لحماية الإرهابيين من كافة الألوان. وكان الساسة الغربيون يزعمون أنهم يدافعون عن هؤلاء المدنيين. لكن اليوم اتضح أن تحرير ما يربو عن 80 ألف من سكان حلب، لم يكن أبدا جزءا من خطط وزارات الخارجية البريطانية والفرنسية والأمريكية والبندستاغ الألماني”.
لقد تحرر اذاً اكثر من 80 الف مدني من شرق حلب في الايام الاخيرة، لكن مدعي الحرص على المدنيين لم يسارعوا الى ابداء اهتمام بمساعدتهم انسانيا وطبيا بل لوحوا بعقوبات على روسيا عقابا لها على سياستها ازاء حلب.
وهنا السؤال هل الدعوة السريعة من قبل لندن لوقف النار في حلب بعد التطورات الدراماتيكية العسكرية الاخيرة هو من اجل المدنيين الذين لم يفعل لهم الغرب شيئا طوال سنوات، وهل الدعوة لاجتماع عاجل لمجلس الامن من قبل باريس هو فعلا حرص على المدنيين؟
توجيه التضليل نحو القول على لسان العديد من الشخصيات وعبر وسائل اعلام ان المدنيين هؤلاء يفرون من القتال او من نيران الجيش دون الاشارة الى تحررهم من قبضة الارهابيين يمكن ان نورد ازاءه النقاط التالية:
-اولاً لماذا لم يفر المدنيون قبل ذلك رغم انهم كانوا يعانون انسانيا ، السبب انهم كانوا ممنوعين من قبل المسلحين وعندما تراجع المسلحون واندحروا تمكن عشرات آلاف المدنيين من الخروج من احياء احتجز فيها الآلاف من قبَل تنظيمات مثل “جبهة النصرة” و”حركة نورالدين الزنكي” وغيرها ممن تصنفها واشنطن وحلفاؤها الاقليميون على انها “معارضة معتدلة” .
-ثانياً لماذا يفر المدنيون كما يقر المرصد المعارض والوكالات العالمية الى مناطق سيطرة النظام؟ اليس لأنهم مطمئنون الى الجيش والحكومة وطريقة تعاطي الحكومة معهم وان خيارهم هو الدولة والجيش؟ وهنا نورد حرفيا ما قاله المرصد بالامس حيث اعلن أن النازحين طلبوا الإيواء في حي مساكن هنانو ، شرقي حلب الذي استعاد الجيش السيطرة عليه يوم السبت.
-ثالثاً، تلقفت الحكومة هؤلاء النازحين بشكل انساني منظم واستقبلتهم وامنت لهم المساعدات العاجلة بينما لم يحرك احد من دعاة الحرص عليهم ساكنا. وكالة سانا اشارت نقلا عن مصدر في محافظة حلب إلى أن “الآلاف من العائلات المحاصرة من قبل التنظيمات الإرهابية في الأحياء الشرقية استطاعوا الخروج حيث يعمل عناصر الجيش العربي السوري على استقبالهم وتأمينهم ونقلهم إلى أماكن آمنة”.
-رابعاً لماذا كان توقيت التلويح بفرض عقوبات على روسيا بعد التطورات الاخيرة؟ هنا نعود الى تصريح الدفاع الروسية أن موقف الغرب الذي يلوح بفرض عقوبات جديدة ضد موسكو جاء ردا على تحرير أكثر من 80 ألف سوري كانوا عالقين في حلب كرهائن في أيدي الإرهابيين.
-خامسا طالب وزير الخارجية الفرنسي بعقد اجتماع فوراً لمجلس الامن من اجل “النظر في وضع حلب قائلا “ثمة حاجة ملحة اكثر من اي وقت لتطبيق وقف للاعمال الحربية والسماح بوصول المساعدة الانسانية بدون قيود”. السؤال هنا هذه القيود من وضعها؟ ومن الذي اتخذ المدنيين دروعا بشرية وقام بالسيطرة على المعونات؟
-سادساً لقد نقلت الشاشات بشكل مباشر اطلاق النار من المسلحين منذ يومين على المدنيين اثناء خروجهم ، اليست هذه حقائق دامغة؟ وهنا يعاد الى الاذهان القصف المتكرر على المدنيين وسقوط العشرات.
نشير هنا الى تصريح ورد عن مسؤول اممي على وكال فرانس برس حيث قال “تتواصل اعمال القصف العشوائية على مناطق مأهولة بالمدنيين في غرب حلب متسببة بمقتل واصابة مدنيين ونزوح اكثر من 20 الف شخص في الاسابيع الاخيرة”. ومصدر هذا القصف بحسب الوكالة نفسها مناطق الفصائل المعارضة.
-سابعاً لماذا نزلت العديد من التظاهرات المدنية في شرق حلب التي تحتج على المسلحين لحجز حريتهم ومفاقمة معاناتهم الانسانية؟
نذكّر هنا بما ورد في تقرير لموقع المنار منذ حوالي شهر بعنوان “اهالي شرق حلب دروع بشرية فأين المتباكون عليهم؟!” تحدثنا عن وضع المدنيين في حلب في ظل الهدنات المتكررة التي وافقت عليها القيادة السورية حرصا على المدنيين بل لاعطاء فرصة للمسلحين للخروج الآمن وجاء في التقرير حينها : تقدم دمشق اقصى ما يمكن من جهد لضمان خروج المدنيين خاصة بعد اعلان الهدنة الاخيرة حيث لوحظت التحضيرات على قدم وساق والاجراءات منظمة لتامين خروج المدنيين وتامين معبرين للخروج والاستنفار لحماية المعبرين. الا ان ما حصل ان الجماعات المسلحة استهدفت المدنيين والجيش على السواء في خرق للهدنة وفي محاولة لمنع خروج المدنيين.
اضاف التقرير حينها “بحسب مصادر المنار فإن عشرات الاتصالات ترد من عائلات داخل الاحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب تطالب بالخروج منها، وتطالب الامم المتحدة ومبعوثها الى سوريا ستيفان ديمستورا بالضغط على قيادات المسلحين للسماح لهم بالخروج عبر المعابر التي حددها الجيش السوري ولجنة التنسيق الروسية”.
المصدر: موقع المنار