نص الخطبة
قال الله سبحانه وتعالى: (ولما رأى المؤمنون الأحزابَ قالوا هذا ما وعدنا اللهُ ورسُولُهُ وصدقَ اللهُ ورسُولُهُ وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً) الأحزاب 22.
في تاريخنا الاسلامي خطوات بناءة وذكية ساهمت في صنع الانتصارات على الاعداء ومواقف مضيئة للوعي والثبات والصبر في ساحات الصراع جسدها المسلمون الاولون في معاركهم وحروبهم ضد المشركين واليهود وتجسدها اليوم حركات المقاومة في المواجهة مع العدو الصهيوني واعداء الامة
ففي خيبر عندما هاجم المسلمون حصون اليهود لم يدخلوا في المعركة دون تخطيط محكم بل خططوا واحاطوا العملية بسرية كاملة الخ
وفي معركة الاحزاب التي احتشدت فيها كل الجماعات والقوى والأحزاب المعادية من قريشٍ واليهودِ والقبائلِ العربية المشركة بهدف: اجتياح المدينة المنورة وقتلِ النبي(ص), والقضاءِ على الإسلام والمسلمين لم ترهب الحشود المسلمين كما ارهبت ضعاف الايمان والمنافقين بل وقف المؤمنون بكل قوة ووعي وصلابة في هذه المواجهة غير ابهين بحشود العدو وتهديداته وامكاناته البشرية والعسكرية
لقد وقف المسلمون الأولون في غزوة الخندق أمامَ حشودِ الاحزابِ بقوةٍ وعزمٍ وثبات, واستطاعوا بوعيهم وثباتهم أن يفشلوا اهداف العدو
وقد تعرض المسلمون في معركة الأحزاب لأشد الاختبارات الإلهية, فقد كانت هذه المعركةُ امتحاناً كبيراً لكل المسلمين, ولأولئك الذين كانوا يدَّعُونَ الإسلام وحتى لأولئك الذين كانوا يتظاهرون بالحِيَاد ولكنهم كانوا يرتبطون بالعدو سراً.
فقد فرزت هذه المعركةِ المؤمنين الحقيقيين عن المتظاهرين بالإيمان, وفرزت المخلصين لقضيتهم والصادقين عن الذين يعون التمسك بالقضية ولكنهم يقفون على الحياد ويرتبطون بالعدو سراً.غير المخلصين والصادق,
في الحالات العادية والظروف الطبيعية من الصعب غربلةُ الناس واكتشافُ مدى صدقهم, أما في حالات الشدة والبلاء وفي الظروف الصعبة والاستحقاقات الصعبة فإن الذين يقفون في الظاهر مع القضية في خطٍ واحد وفي صفٍ واحد ينقسمون إلى صفوف ويصبح هناك اكثر من معسكر .
لقد أظهرتْ حربُ الاحزاب ومواقفُ المسلمين فيها, وجودَ ثلاثِ فئاتٍ في المسلمين, هي:
فئةُ ضعاف الإيمان، وفئةُ المنافقين، وفئةُ المؤمنين الحقيقيين.
وقد تحدث القرآنُ الكريمُ عن هذه الفئات واستعرض مواقفَهَا من أجل أخذ العبرة.
أما ضعافُ الإيمان: فقد وقعوا تحت تأثير تهديدات الاعداء وتهويلهم فعاشوا الخوفَ والرعبَ والاضطرابَ والقلقَ عندما رأوا أن كل الأعداء قد اجتمعوا لقتالهم.
وقد صور القرآنُ موقفَ هذه الفئة بقوله تعالى في سورة الأحزاب:”إذ جاءوكم من فوقِكم ومن أسفَلَ منكم وإذ زاغتِ الأبصار وبلغتِ القلوبُ الحناجر, وتظنون بالله الظنونا, هنالك ابتُلِيَ المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً” الآية 10/11.
فقد ظنُ ضعاف الايمان أن وعد الله لهم بالنصر وان وعود النبيِ لهم بالنصر هي سراب, لن تتحققَ مطلقاً, وأن الهزيمةَ ستلحقُ بهم, وأن هذه الأيامَ هي الأيامُ الأخيرةُ من عُمُرِ الإسلام, وأن الجاهلية ستعود كما كانت… إلى غير ذلك من الظنون التي تفتقدُ الى عُمقَ الإيمان وثباتَهُ, وتبتعدُ عن الثقة بالله وبنصره.
أما المنافقون: فإنهم عندما رأوا حشود الأحزاب قد اجتمعوا وتحالفوا وحاصروا المدينة وهم يحاولون اجتياحها, كشفوا عن حقيقتهم فاختلقوا الاعذار للتهرب من الدخول في المعركة و قاموا بتثبيط عزائم الناس وشل ارادتهم ومنعهم من الدخول في في المعركة وكانوا يقولون للأنصار الذين التحقوا بجيش المسلمين: إنكم لا تقدرون على فعل شيءٍ في مقابل حشود الأعداء, فلا تتدخلوا في المعركة ولا تُلْقُوا بأيدِيْكُم إلى التهلُكة والمذَلَّة, وإلى هذا الموقف أشار القرآنُ الكريم بقوله تعالى: وإذا قالت طائفة منهم – أي المنافقين – يا أهلَ يثربَ لا مُقامَ لكم فارجِعوا” أي لا تقدرون على فعل شيء فارجعوا من حيث أتيتم.
ويقول تعالى في اية اخرى:” ويستأذنُ فريقٌ منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إنْ يريدون إلا فِرَارا” الأحزاب 13
اما الفئة الثالثة فهم المؤمنون الحقيقون الثابتون، وهؤلاء كان موقفُهُم مختلفاً تماماً, فإنهم لما رأوا الأحزاب لم ينحرفوا قيد أنملةٍ عن خطهم وعقيدتهم وإيمانهم, ولم يضعفوا, ولم يشككوا, ولم يتزلزلوا لحظةً واحدة, وإنما عبروا عن ثقتهم بوعد الله ورسوله, وعن صدقهم وإخلاصهم وعمقِ إيمانهم وثباتهم والتزامهم الكامل بالتكليف والواجب الذي كان يحدده النبي لهم من دون نقاش, فقد قال الله تعالى وهو يصف لنا حالَ هؤلاء الصادقين الثابتين:”ولما رأى المؤمنون الأحزابَ قالوا هذا ما وعدنا اللهُ ورسُولُهُ وصدقَ اللهُ ورسُولُهُ وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً” الأحزاب 22.
الوعد الذي كان اللهُ ورسولُهُ قد وعدهم به هو أن اليهود والقبائلَ المشركة وكلَ الأعداء سيتحدون ضدكم ويأتون إليكم, ولكن اعلموا أن النصر سيكون حليفَكم في النهاية, فلما رأى المؤمنون هجومَ الأحزاب, أيقنوا أن هذا ما وعدهم به رسولُ الله (ص) وقالوا: ما دام الجزءُ الأولُ من الوعد قد تحقق, فمن المسلَّم به أن جزأَه الثاني وهو النصرُ سيتحققُ بعده, ولذلك زاد إيمانُهُم وتسليمُهُم وثباتُهُم ويقنهم بوعد الله بالنصر .
الايمان القوي يجعل الانسان ثابتا قويا واثقا ملتزما بتكليفه، ثابتا في معسكر الايمان والثبات والالتزام، وليس في معسكر الخانعين والمتخاذلين والجبناء والضعفاء والمتهربين من مسؤولياتهم .
اليوم عملية طوفان الاقصى فرزت العالم الى معسكرين، معسكر يريد العزة والكرامة وتحرير فلسطين، ومعسكر التواطؤ والخضوع للارادة الامريكية والصهيونية والتآمر على فلسطين .
هذه العملية عملية طوفان الاقصى هي عنوان من عناوين النصر الالهي وهي نتاج ثقافة وروح وعطاءات وخبرات وتضحيات ودماء شهداءعلى امتداد محور المقاومة. وهي تؤكد ان خيار المقاومة هو خيار نصر وعزة وحرية وكرامة لنا بينما هوخيار هزيمة وخزي واحباط لاعدائنا.
الثبات والصمود في المواجهة الدائرة في غزة كفيل بافشال أهداف العدو وحلفائه. بالرغم من الجراح والدمار والآلام والقتل والاجرام الذي يمارسه العدو الصهيوني بالاطفال والنساء والمدنيين والمباني السكنية. ان والواجب الشرعي والاخلاقي يحتم على الشعوب والدول والحكومات العربية والاسلامية الوقوف الى جانب الفلسطيني والتضامن معه وتقديم كل اشكال الدعم والمساندة له ، وان لا يكونوا على الحياد ، وأن لا يبالوا بالضغوط والتهديدات الاسرائيلية والامريكية ولا بالبوارج وحاملات الطائرات التي جاء بها الامريكي الى المنطقة لتخويف من يساند المقاومة والشعب الفلسطيني.
اليوم الامريكي يهدد ويتوعد بالبوارج وحاملات الطائرات التي استقدمها الى المنطقة كل من يحاول التدخل لمساندة الشعب الفلسطيني . لكن التهديدات الامريكية والبوارج وحاملات الطائرات لن تحمي اسرائيل من صواريخ المقاومة ولا من سواعد المجاهدين, ولن تغير من المعادلات الميدانية شيئاً, وهي لن تخيفنا.
فعندما تقرر المقاومة ما يمليه عليها واجبها الشرعي والاخلاقي والانساني فان كل التهديدات الامريكية والاسرائيلية لن تثنينا عن القيام بما يجب القيام به.