بالتزامن مع مساعي التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني، وما يرافقها من قضايا أمنية وسياسية، برز طرح عقد “تحالف دفاعي” مع واشنطن في خطوة سبق أن تمّ طرحها في العديد من المحطات السابقة. لكنّ تجدُّد المساعي في هذا الاتجاه في المرحلة الحالية، يعود إلى القلق من المتغيّرات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة والعالم. نتيجة ذلك، تتوالى مقاربة الخبراء والمسؤولين السابقين الصهاينة، بعد التقارير التي تحدّثت عن مداولات داخل المنظومتين السياسية والأمنية حول هذه القضية.
ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها طرح عقدة اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة. فقد سبق لأوّل رئيس وزراء لكيان العدو دافيد بن غوريون أن سعى إلى عقد معاهدة من هذا النوع مع الولايات المتحدة في الخمسينات من القرن الماضي. وفي العقود الأخيرة أيضاً بحث العديد من رؤوساء الحكومات، إسحاق رابين وشمعون بيريس وإيهود باراك، طرح عقد اتفاقية دفاع مشترك مع واشنطن. على أن تكون ضمن صفقة أمنية سياسية تهدف إلى تعويض الكيان الصهيوني عن تنازلات كان يُفترض أن تقدِّمها في الاتفاقيات مع الفلسطينيّين وسوريا.
ينبع اهتمام القيادة السياسية بموقف المؤسّسة الأمنية كونه سيكون صعباً على الحكومة إقراره – رغم صلاحياتها القانونية – إذا ما كان موقف الجهات المهنية معارضاً. إذ نقلت تقارير صهيونية عن أحد المصادر الأميركية أنّ معارضة رؤساء المؤسّسة الأمنية والعسكرية على مدى سنوات لمسألة “التحالف الدفاعي” لم تشجّع الإدارة الأميركية على الدفع قدماً لخطوة من هذا النوع.
بينما تنبع المعارضة التقليدية للمؤسّسة الأمنية إزاء التحالف الدفاعي مع واشنطن انطلاقاً من تقدير مفاده أنّ مثل هذه الخطوة يمكن أن تضرّ بحرّية الكيان العملياتية في الشرق الأوسط. ومن أجل الالتفاف على هذه العقبة، أوضح وزير الشؤون الاستراتيجية، دريمر، أمام هليفي وبرنياع أنّ “التحالف الدفاعي” سيكون “ضيقاً” ولا يتعامل إلا مع التهديدات الوجودية مثل السلاح النووي الإيراني، أو الهجوم بأسلحة غير تقليدية من قبل أطراف أخرى في المنطقة أو سيناريوهات التصعيد الشديدة للغاية. وأنّه سيُحدَّد بدقة كلّ سيناريو.
في سياق المساجلة حول “التحالف الدفاعي”، رأى مستشار الأمن القومي السابق (في حكومة بينت – لابيد)، أيال حولاتا، أنّ هذا الطرح يُشكّل “تغييراً أساسياً جداً في مبادئ الأمن القومي لإسرائيل” الذي يشدّد على ضرورة أن يدافع الكيان عن نفسه بنفسه. وتساءل حولاتا عمّا دفع الحكومة الحالية بالدفع نحو تغيير هذه العقيدة الأمنية المستمرّة منذ عقود، ورفض مقولة أنّ الولايات المتحدة ستكون ملزمة بالتدخُّل عسكرياً لصالح الكيان بحكم الاتفاق عندما لا ترغب بذلك، مضيفاً أنّ “من يعارض اليوم في واشنطن المساعدات المالية الخارجية يمكن أن يعارض أكثر إرسال جنود للقتال من أجلنا، وبداهةً من يعارض سياسة إسرائيل سيعارض القتال دفاعاً عنها”.
في نفس الاتجاه كانت مقاربة مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والباحث بمؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، يعقوب ناغل، حيث اعتبر أنّ “مثل هذا التحالف يحتوي على كثير من أوجه القصور، أهمّها أنّ طلب التحالف ذاته يبعث برسالة مفادها أنّ إسرائيل تفتقر للثقة بقوّتها، وبقدرتها على الدفاع عن نفسها بنفسها، بغضّ النظر عن النصّ الذي سيُكتب في وثائق التحالف، لكنّ العنوان وحده يخلق الضرر الأساسي”.
وتابع ناغل أنّ “الحصول على انطباع بأنّ إسرائيل قرّرت الانضمام للولايات المتحدة، واحتواء إيران النووية، طالما لا تتجاوز الخط الأحمر، مسألة وهمية، وليست مهمّة، لأنّها ستكون مُحصَّنة، وستدخل العتبة النووية، كما أنّ الادعاء بأنّ إسرائيل مع التحالف لن تفقد حرّيتها في العمل، وأنّ الولايات المتحدة ستساعدها، إدعاء خاطئ، وأيّ تحليل منطقي يظهر عكس ذلك تماماً”. وحذَّر ناغل أيضاً من أنّ “التحالف فقط سيعطي الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي سبباً آخر لعدم مهاجمة إيران، وعدم مهاجمة البنية التحتية الخطرة والمنشآت التي بناها حزب الله على الأراضي اللبنانية، بما فيه المستخدمة لإنتاج أسلحة دقيقة، بدعم وتمويل من إيران”.
وبخصوص فرضية أن يدفع الاتفاق الولايات المتحدة للدفاع عن الكيان لصهيوني فاعتبر أنّ الأمر ليس تلقائياً، وإنّما يرتبط بمجموعة عوامل “من الناحية العملية، الولايات المتحدة قد تدافع عن إسرائيل، ربّما ليس بعد ضربة استباقية، لكنّه يعتمد على من سيكون الرئيس، وماذا ستكون أولويات الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وعندما تريد الولايات المتحدة ستجد طريقة للخروج من الحلف”.
المصدر: موقع المنار