عملية الخليل كانت مسمارا جديدا يدق في نعش قوة الردع لدى الكيان الصهيوني مع ادراك القيادة الامنية والعسكرية والسياسية انه لن يكون المسمار الاخير، تصاعد العمليات في الضفة وتزايد عدد القتلى من المستوطنين الصهاينة الذي وصل الى 36 قتيلا خلال عام 2023 وهو الرقم الاكبر منذ عام 2015، وضع حكومة بنيامين نتنياهو في مأزق حقيقي ما جعلها تتعرض لهجوم لاذع من قبل المعارضة وأيضا من قبل اعضاء الائتلاف، ما يجعلها في موقع لا حلول امامها سوى القيام بعمل ما لاستعادة الردع والثقة.
العمليتان الاخيرتان في حوارة والخليل كانتا قاسيتين لجهة النتائج والدلالات، وكانتا كافيتين لإعادة موضوع الضفة الغربية إلى صدارة جدول الأعمال السياسي والأمني والإعلامي في الكيان الصهيوني.
اجتماع الكابينيت
على إيقاع التوتّر الأمني المتزايد في الضفة، وبعد عمليتي إطلاق نار أسفرتا عن مقتل عدد من المستوطنين، عقد المجلس الوزاري المصغّر (الكابينيت) جلسة خاصة لمناقشة الوضع الأمني في الضفة الغربية. وفي ختام الجلسة صدر عن مكتب رئيس الحكومة الصهيوني بيان جاء فيه أنّ “الكابينيت اتخذ سلسلة من القرارات للمسّ بالإرهابيين ومن يُرسلهم، وفوّض رئيس الحكومة ووزير الأمن بالعمل على هذه المسألة”.
وشَهدت الجلسة التي قُدِّم موعدها مرّات عديدة، وسُرِّب الكثير من مضمونها، سلسلة من المواجهات الكلامية والنقاشات العاصفة بين وزير الحرب يوآف غالانت ووزير ما يسمى “الأمن القومي” إيتمار بن غفير، وبين الأخير والجهات المهنية (الأمنية – العسكرية)، وبين هؤلاء وجهات حكومية أُخرى. وبحسب التسريبات فإنّ السجالات تمحورت حول قضية عنف المستوطنين، والإجراءات الواجب اتخاذها ضدّ الفلسطينيّين.
وفي التفاصيل، جرى سجال عنيف بين غالانت وبن غفير، حين طالب الأخير مجدّداً بوضع حواجز على طرقات الضفة الغربية، رغم أنّ المؤسّسة الأمنية والعسكرية أوضحت أنّها تتبع هذا النهج منذ عامَين.
إلى ذلك، طالب بن غفير، خلال الجلسة، بتشديد القيود على أوضاع السجناء الأمنيين الفلسطينيين “رداً على الاعتداءات”. وفي هذا الصدد، تقرّر تأجيل البت بهذه القيود إلى جلسة ثانية.
وحول دلالات الخلافات المستفحلة في الحكومة، رأى مُعلّقون أنّ المواجهات الأخيرة تدلّ على الفجوات المهمّة جداً بين اتجاهات مختلفة في الحكومة، والتي هي “ظاهرياً حكومة يمين كاملة، ولكن هناك مفاهيم جوهرية مختلفة”.
الكاتب والمحلل السياسي قسام الزعانين لموقع المنار: الاحتلال يحاول حفظ ماء وجهه
من المتهم
ما ورد تلميحاً في بيان الكابينيت حول “المُحرِّك الخارجي للتصعيد الأمني في الضفة وإمكانية الاقتصاص منه”، جاء تصريحاً في تعليقات المُحلّلين والمراسلين الصهاينة، الذين أمعن بعضهم في اتهام إيران وحركات المقاومة (حزب الله وحماس) بالوقوف خلف التصعيد.
وفي هذا السياق، رأى مُعلّقون أنّ “ثمّة ضغطا كبيرا من حماس وإيران لتنفيذ عمليات وإشعال الضفة”. ولكن على الرغم من تكثيف الكلام الإعلامي عن الصلة الإيرانية أو حماس، إلا أنّ البعض منهم أشار إلى أنّ “الصورة مُعقّدة أكثر من القول إنّ كلّ عملية تُنفّذ بتوجيه جهة واحدة سواء كانت إيران أو حماس أو منظّمات أُخرى”.
الكاتب والمحلل السياسي قسام الزعانين لموقع المنار: ما هي خيارات العدو
خيارات العدو
مُعلّقون صهاينة رأوا أنّ “إيران، وعبر حلفائها وخاصّةً حماس وحزب الله، تُغرِق الضفة الغربية بالمال والسلاح”، وبناءً لهذا الفهم فإنّ “ثمّة نيّة لجبي ثمن من حماس الموجودة في غزة وحتى في لبنان”. وأضاف مُعلّقون إنّ المؤسّسة الأمنية والعسكرية “تبحث عن أساليب تؤلم حماس على ما تفعله في الضفة الغربية”.
بالامكان تلخيص خيارات العدو في الرد على عمليات الضفة باربعة خيارات رئيسية:
1 – العودة الى سياسة الاغتيالات لقادة حماس في غزة ولبنان، وهذا خيار تناولته بشكل كبير وسائل الاعلام الصهيونية، ولكن هذا الخيار دونه عقبات كثيرة بالنسبة للكيان كان جيش العدو قد حذر منها، لأن أي عملية اغتيال في لبنان (تحدث الاعلام العبري عن اغتيال صالح العاروري او زياد نخالة)، وحتى في غزة ستواجه برد مباشر من المقاومة ستؤدي الى حرب لا يريدها نتنياهو وحكومته لعدة اسباب ابرزها عدم وجود أي ضمان بأن الكيان سينتصر، بها بل كل الترجيحات تذهب لهزيمة الكيان. واما السبب الثاني فهو الازمة الداخلية التي يعاني منها الكيان، والتي أثرت بشكل مباشر على كفاءة الجيش الصهيوني.
2 – القيام بعملية واسعة تشمل كافة مناطق الضفة الغربية التي ينطلق منها مقاومون، مصحوبة باغتيالات من الجو او بعمليات امنية كعملية السور الواقي 2. وفي هذا السياق قالت القناة 12 العبرية إن ما قاله مصدر أمني إن “إسرائيل لا تحتاج في هذه المرحلة للخروج إلى عملية سور واقي 2، وهذا على العكس من طلبات بعض الوزراء داخل النقاش”.
ولكن أيضا لهذا الخيار عقباته، من حيث عدم ضمان نتائج أي عملية عسكرية مع احتمالية فشلها كسابقاتها وعدم قدرة الكيان على تحمل الخسائر البشرية في صفوفه عند الدخول بريا خاصة بعد تنامي قدرات المقاومة في الضفة، واخيرا ان أي عملية برية بامكانها أن تكون سببا لانطلاق انتفاضة جديدة مما سيجعل نتائج العملية عكسية.
3 – تقوية السلطة الفلسطينية في الضفة ووضعها في مواجهة المقاومة وهو ما حاول ويحاول الكيان فرضه دوما، ولكن بعد عملية بأس جنين تبين ان السلطة اضعف من أن تفرض سيطرتها على كافة المناطق بالضفة، وان المقاومة تملك من الوعي والبصيرة لتبتعد عن أي صدام مع قوات السلطة الفلسطينية.
4 – الخيار الاخير هو ما طرح من قبل القيادة الامنية والعسكرية أي القيام بالضغط على النشطاء والتنظيمات دون الضغط على المدنيين، عبر الاعتقالات والاغتيالات التي لا تؤدي الى انتفاضة.
ونقل مُعلّقون عن مسؤولين كبار في المؤسّسة الأمنية والعسكرية تحذيراتهم في جلسة الكابينيت من أنّ “قادة حماس يُظهرون ثقة متزايدة بالنفس خلال الفترة الأخيرة”. وأضاف المُعلّقون أنّ “توصية المؤسّسة الأمنية العسكرية في النقاش كانت التمييز بين الإرهاب والسلطة الفلسطينية”.
في الخلاصة فان وصف الإعلام العبري عام 2023 بأنه “الأصعب” منذ نهاية الانتفاضة الثانية عام 2006، والأعلى في عدد القتلى الصهاينة منذ عام 2015، جعل كيان الاحتلال يرى أن أي ردة فعل في مناطق الضفة ستجعله أمام احتمال اندلاع انتفاضة جديدة يدرك انها حالة وعي ستستمر طالما استمرت مبرراتها الأساسية وهي احتلاله لارض فلسطين وأن جهود حبسها في تعريفات تقنية، إحصائية، او جغرافية تؤكد فقط كم ان الكيان الصهيوني يغرق في الأخاديع التي أنتجها، في مجهود فارغ للفصل بين احتلاله وجرائم حربه في المناطق الفلسطينية المحتلة وبين نتائجها.
المصدر: موقع المنار