هل الأحداث في مخيم عين الحلوة أخطر من الاعتداء على القرآن الكريم؟ سؤال بديهي يطرح نفسه بعد معرفة الذريعة التي علّلت بها بعض الدول الخليجية دعوة رعاياها مغادرة لبنان خلال الايام الماضية، فهذا السفير السعودي في بيروت وليد البخاري يعلن ان ما دفع بلاده لاتخاذ هذا الموقف هو الأحداث التي حصلت في مخيم عين الحلوة. علما ان المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالملف لا سيما الامني، أكدوا ان الوضع في عين الحلوة مضبوط ولا معلومات عن امكانية تدهور الأمور وحصول توسع لرقعة الاشتباك خارج المخيم او ارتفاع وتيرتها داخل المخيم بما يهدد الجوار او الاستقرار والأمن في لبنان.
ومع التأكيد على أحقية كل دولة بالبحث والحفاظ على سلامة مواطنيها سواء في لبنان او خارجه، لا بدّ من الاشارة الى انه قبل فترة تمّ خطف أحد السعوديين من قبل إحدى العصابات، وقد شهدنا على التحرك المباشر لمختلف الاجهزة اللبنانية للعمل على تحريره بشكل سريع ولافت، وحصول موجة عارمة من المواقف المستنكرة وصدور بيانات بالجملة والمفرق من قبل عدد كبير من المسؤولين والسياسيين والأمنيين اللبنانيين، لإثبات شيء ما باتجاه السعودية وقيادتها والقول لهم “نحن هنا”، الأمر الذي لا يبدو ان الرياض تبدي له الكثير من الاهتمام والتقدير، وهذا يظهر من طريقة تعامل السعودية الدائم منذ سنوات مع الموقف اللبناني الرسمي وغير الرسمي، ومع ذلك فإن الاجهزة الامنية والعسكرية لا تتأخر في تحرير أي مخطوف من أي جنسية كان.
لكن السؤال الأهم ان من يخاف على سلامة مواطنيه ويدعوهم لمغادرة دولة “شقيقة وصديقة” تبدي كل الحرص على هؤلاء المواطنين، أليس الأجدر به دعوتهم لمغادرة دولة كالسويد او الدنمارك وغيرها ممن يُعتدى فيها على القرآن الكريم والمقدسات الاسلامية؟ أليست العلاقة مع هكذا دول يجب ان تتعرض للمقاطعة والتهديد بها لردعها عن التجرؤ من جديد على مقدساتنا؟ ألا يستحق القرآن الكريم والرسول الاكرم محمد بن عبد الله (ص) مواقف مماثلة من كل الدول والانظمة الاسلامية والعربية؟ ألا يجب ان تكون هذه المقدسات هي أحد أهم معايير ضبط العلاقات بين الدول الاسلامية ونيظراتها من الدول الاخرى؟
الواقع ان مواقف الدول الاسلامية التي تتخذ حول مقاطعة دولة ودعوة المواطنين لمغادرة هذه الدولة او تلك، تخضع لاستنسابية غريبة من قبل الحكام وأصحاب القرار في هذه الدول، حيث تغيب الحمية والنخوة عندما يحصل الاعتداء على المقدسات الاسلامية وعلى رأسها القرآن الكريم، بينما نرى منسوب الغيرة والحمية يرتفع إذا ما تم التعرض للزعيم او الملك او الامير او عائلاتهم وتتخذ المواقف والاجراءات الحادة باتجاه بعض الدول دفاعا عن “سيادة” الدولة ورفضا لانتهاك كرامة الزعيم والملك والامير.. وهذا ما أشار إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته خلال مسيرة يوم الـ13 من شهر محرم الحرام في مدينة النبطية، حيث قال “.. لو كانت الاهانة وجهت الى ملك او امير او عائلة هذا الملك او الامير لقامت الدنيا ولم تقعد.. الاعتداء على القرآن لم يحرك شيئا عند هؤلاء الاموات…”.
لكن للأسف فإن أي تطور أو حدث أمني أو سياسي من هنا أو هناك يحرك البعض باتجاه الدعوة لمغادرة لبنان بما يشكله ذلك من ضغط إضافي عليه في مختلف الملفات الضاغة أصلا، لكن عندما تظهر الحقائق لا يوجد للأسف مكان، فقد أوضحت المعلومات ان بيانات السفارات الداعية لمغادرة رعاياها لبنان هدفها بشكل او بآخر سياسي ومرتبط بملف الاستحقاق الرئاسي لفرض شروطها ومرشحها المفترض، ولزيادة الضغط على بعض الأطراف اللبنانيين بالتزامن مع حملة اعلامية مسعورة لبث اشاعات واتهام فريق محدد هو المقاومة وحزب الله انه يستفيد او يقف خلف الاحداث في مخيم عين الحلوة، الأمر الذي نفته مختلف القوى اللبنانية التي عملت على خط التهدئة في المخيم، كما نفته الفصائل الفلسطينية بكل شرائحها.
وهذا الأمر أيضا نفاه السيد نصرالله شخصيا في كلمته خلال حفل تأبين العلامة الراحل الشيخ عفيف النابلسي يوم الخميس 5-8-2023، حيث قال “.. طبعا لست معنيًا أن أدافع ولا معني أن أشرح.. لكن سأكتفي بأننا لسنا مسؤولين عن المعركة في عين الحلوة، لا علاقة لنا لا من قريب ولا من بعيد، نحن ضدّ هذا الاقتتال ابتداءً واستمرارًا، ونُناشد ونعمل مع كلّ المرجعيات اللبنانية والفلسطينية من أجل وقف هذا الاقتتال… وهذا يؤذينا، يُؤذي مشروع المقاومة في لبنان وفي المنطقة، يؤذي خطّنا، يؤذي تطلّعاتنا إلى المستقبل، يؤذي آمالنا، هذا الاقتتال يمسّ بآلامنا وآمالنا، ولذلك دَعونا وناشدنا بوقفه ونعمل إن شاء الله مع كل المخلصين ليتوقّف هذا الاقتتال…”.
المصدر: موقع المنار